كيف أكون عبداً ربانياً
العباد الربانيّون
خلق الله تعالى الخلق ليتوجّهوا إليه بالعبادة والتوحيد، وجعل منهجهم واضحاً ليكونوا عباداً كما أراد حقاً، ولقد أثنى الله تعالى على عباده المؤمنين به وحده ووصفهم بالربّانيين في كتابه الكريم فقال: (وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)،[1] والعبد الرّباني في اللغة هو العبد المنسوب إلى ربه، لشدّة عبادته وعلمه وعمله بما يعلم، ويأتي العبد الربّاني بمعنى المستمدّ للحق في حكمه من ربّه وحده، كما أنهم عبدوا الله تعالى بالعلم والعمل الكاملين،[2] ولقد ذكر الرازي تعريفاً للرباني بقوله: أن يكون الداعي له إلى جميع الأفعال طلب مرضاة الله، والصارف له عن كل الأفعال الهرب عن عقاب الله. وكذلك قال ابن عاشور في تفسير كونوا ربانيين: أن يكونوا مخلصين لله دون غيره.[3]
فخلاصة القول إنّ أساس الربانية الإخلاص لله وحده، فهو منسوب إلى ربّه بالأصل، فلا يخرج عن إرادته أو طاعته إلى سوى ذلك، وإنّ من مميزات العبد الربانيّ أنّه يجمع بين العلم والعمل، فتكتمل بذلك صحة عمله وقربه مما يرضي الله سبحانه، وكذلك فإنّ من صفاته أنّه لا يبيع دينه بعرض من الدنيا، فلا يتنازل عن حق اعتقده بل يثبت عليه مهما كلّفه ذلك، ويحتسب ذلك ابتغاء مرضاة ربه، والرباني مجاهدٌ يجمع إلى جهاده وعزيمته العلم والسياسة، والبصيرة والحكمة، فإنه كما ذكر ابن حجر: لا يقال للعالم ربّاني حتى يكون عالماً معلماً عاملاً.[4]
صفات العبد الربّانيّ
يصل العبد المريد رضا ربه إلى كونه عبداً ربّانيّاً إذا اتصف بالعديد من الصفات وأدى ما عليه من الواجبات، ومن صفات العبد الربانيّ ما يأتي:[5]
- العبد الرباني قاصدٌ من كلّ أعماله وجه الله تعالى يبتغي بها رضاه وحده، فهو كاسب لماله كما يرضي الله، وينوي بها رضا الله، وهو معاشر للناس كما يرضي الله، وهو دائم الاتصال بالله تعالى في تفكيره وما يريد.
- العبد الرباني دائم الذكر لله، لا يفتر لسانه ولا يملّ ذكر الله سبحانه، وهو بذلك شديد المراقبة له سبحانه، فلا يأتي إلا ما أمر، وينتهي عن كل ما نهى بغية إرضائه.
- العبد الرباني دائم العبادة لا تنتهي طاعاته، ولا يأخذ وقتاً للراحة في طريقه إلى ربه، وهو كثير الرغبة في الخلوات مع الله سبحانه، فيتعلّق به أكثر من سائر الخلق حوله، فيفوز ولا شكّ بهداية الله ونوره الذي يميز العباد الربانيين عمن سواهم.
- العبد الرباني يحبّ الله كثيراً، فيحرص على دوام هذه المحبّة وإنمائها، وإنّ من أحبّ الله تعالى أحب نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم، فيُرى العبد الرباني مقتدياً بالنبي -صلى الله عليه وسلم- متّبعاً إياه على الدوام.
- العبد الرباني محبّ للقرآن الكريم مقبلٌ عليه راضٍ به منهاجاً ودستوراً مسيراً لشؤون حياته.
- العبد الربانيّ كثير التوبة، طويل العبادة راكعاً ساجداً، آمر بالمعروف وناهٍ عن المنكر، وحافظ لحدود الله.
طريقة الإسلام في تربية العباد
يتبع الإسلام في تربية العبد الرباني منهجاً مكوناً من ثلاثة تدرّجات، إذا خطاها الإنسان وصل إلى الربانية التي يرضاها الله تعالى لعباده، وتأتي الخطوات التي رسمها الإسلام لتربية الفرد كما يأتي:[6]
- العلم الصحيح، فإنّه لا يكون عمل دون علمٍ صحيح يبعث على العمل، والله تعالى يقول: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ)،[7] فكان العلم قبل أي خطوة يخطوها الإنسان نحو ربه.
- الإيمان والعمل الصالح، وهما أمران مقرونان ببعضهما، فإن كان الإيمان هو المحرّك والمحفّز للعمل، فإن العمل يأتي في الدرجة الثانية ويصدّق الإيمان ويدلل عليه، يقول الله تعالى: (إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ*إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)،[8]
ولقد تدرّج الإسلام في بناء الربانية عند الفرد حين تدرّج ببناء المفاهيم والمراحل للتربية، فقسّمها إلى:[6]
- الإسلام: وهو الانقياد والطاعة لله تعالى، ويعرّف على شكلين هما:
- الإيمان: وهو التصديق، ويعرّف كذلك على شكلين هما:
- الإحسان: وهو إجادة العمل على أكمل وجه، ولقد فسره النبي -صلى الله عليه وسلم- بتحسين الظاهر والباطن على حدّ سواء بغية رضا الله تعالى.
- إذا أطلق مفرداً غير مقترن بالإيمان فيكون كلّ الدين من أصول وفروع، سواءً كانت اعتقادات أو أقوالاً أو أفعالاً.
- أن يطلق مقروناً بالاعتقاد ويراد به الأعمال والأقوال الظاهرة.
- إن كان غير مقترن بالإسلام فيقصد به حينها الدين كله.
- إن كان مقترناً بالإسلام فيقصد به حينها الاعتقادات الباطنة وهي أركان الإيمان.
ولقد ذُكرت تلك المفاهيم وتفسيرها على لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يذكر نزول جبريل -عليه السلام- أمام الصحابة ليعلمهم أمور دينهم، وهو: (وقال: يا مُحمَّدُ، أخبِرْني عنِ الإسلامِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: الإسلامُ أن تشهَدَ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وأن مُحمَّدًا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتُقِيمَ الصَّلاةَ، وتُؤتِيَ الزَّكاةَ، وتصُومَ رمَضانَ، وتحُجَّ البيتَ، إن استطَعْتَ إليه سبيلًا، قال: صدَقْتَ، قال: فعجِبْنا له، يسأَلُه ويُصدِّقُه، قال: فأخبِرْني عنِ الإيمانِ، قال: أن تُؤمِنَ باللهِ، وملائكتِه، وكُتبِه، ورُسلِه، واليومِ الآخِرِ، وتُؤمِنَ بالقدَرِ خَيرِه وشَرِّه، قال: صدَقْتَ، قال: فأخبِرْني عنِ الإحسانِ، قال: أن تعبُدَ اللهَ كأنَّكَ تراه، فإن لم تكُنْ تراه، فإنَّه يراكَ).[9] فخلاصة قول النبي -عليه السلام- أن يبدأ المسلم بالعيش بأركان الإسلام الخمسة، فهذه هي المرتبة الأولى، ثم إذا طبقها والتزم بها وداوم على ذلك بلغ المرتبة الثانية، ثم إذا استحضر العبد بأعماله الصالحة مشاهدة الله تعالى له كل حين بلغ مرتبة الإحسان، وهي أعلى المراتب التي قد يصلها العبد في علاقته مع ربه وهي مرتبة الربانية.[6]
المراجع
- ↑ سورة آل عمران، آية: 79.
- ↑ "معنى كلمة رباني"، www.almaany.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-8. بتصرّف.
- ↑ "الربانيون"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-8. بتصرّف.
- ↑ "كونوا ربانيين"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-8. بتصرّف.
- ↑ "هل تريد أن تكون عبدًا ربانيًّا؟"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-8. بتصرّف.
- ^ أ ب ت "منهج الإسلام في تربية العبد الرباني"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-8. بتصرّف.
- ↑ سورة محمد، آية: 19.
- ↑ سورة العصر، آية: 2،3.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 8، صحيح.