-

التعريف بالقرآن الكريم

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الكتب السماوية

يُعدّ الإيمان بالكتب السماوية ركناً من أركان الإيمان الستة، فقد قال الله -تعالى- في محكم التنزيل: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)،[1] ومن مقتضيات الإيمان بالكتب السماوية التصديق بأن تلك الكتب منزلة من عند الله -تعالى- إلى رسله لهداية البشر، وإقامة العدل في الأرض، مصداقاً لقوله تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ)،[2] والإيمان بأن بعض الكتب قد عُلم أسماؤها كالتوراة، والإنجيل، والزبور، وبعضها لم يُعلم، إذ إن الله -تعالى- استأثر بعددها وأسمائها في علم الغيب عنده.[3]

وللإيمان بالكتب السماوية آثار عظيمة؛ منها استشعار رحمة الله -تعالى- بخلقه، لا سيّما أنه أنزل لكل قوم كتاباً يهديهم إلى الحق، والعلم بأن الله -تعالى- أقام الحجّة على الأمم السابقة بإنزال الكتب وإرسال الرسل،[3] فقد أنزل الله -تعالى- الصحف على إبراهيم عليه السلام، والزبور على داود عليه السلام، والتوراة والصحف على موسى، والإنجيل على عيسى، وكانت آخر الكتب نزولاً القرآن الكريم الذي أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نُسخت به جميع الكتب السماوية السابقة.[4]

التعريف بالقرآن الكريم

اختلف العلماء في أصل تسمية القرآن الكريم، حيث قال بعضهم بأنه مهموز، أي من أصل كلمة فيها همزة، واختلف أصحاب هذا القول؛ فمنهم من قال أن أصل التسمية من القرء أي الجمع، كما تقول العرب: قرأت الماء في الحوض أي جمعته، ويرجع السبب في التسمية إلى أن القرآن الكريم جمع ألون العلوم، وجمع ثمرات الكتب السماوية السابقة، ومنهم من قال بأن أصلها من قرأ، وذهبت جماعة أخرى من أهل العلم إلى أن أصله ليس مهموزاً، وهو مشتق من قرن، حيث تقول العرب قرنت الشيء بالشيء أي ضممت أحدهما للآخر، ويرجع السبب في التسمية إلى أن آيات وسور القرآن الكريم تتلاحم فيما بينها ويقرن بعضها بعضاً.[5]

وقيل إن القرآن ليس مشتق من جذر لغوي، وإنما اسم علم لكتاب الله تعالى، كالإنجيل المنزل على عيسى عليه السلام، والتوراة المنزلة على موسى عليه السلام، ومن الجدير بالذكر أن كلمة القرآن قد تستخدم للدلالة على كتاب الله -تعالى- كله، وقد تستخدم للدلالة على أقصر آية في كتاب الله تعالى، وقد ذكر أهل العلم الكثير من أسماء القرآن الكريم، حيث تم اشتقاقها من الصفات التي وُصف بها القرآن الكريم في كتاب الله -تعالى- ومنها: الذكر، والفرقان، والكتاب، ووصل بها الإمام السيوطي لخمسة وخمسين اسماً،[5] ويُعرّف القرآن الكريم اصطلاحاً على أنه كلام الله -تعالى- المعجز، والموحى به إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- بواسطة جبريل عليه السلام، وهو المتعبد بتلاوته، المنقول إلينا بالتواتر، المكتوب في المصحف، والمفتتح بسورة الفاتحة، والمختوم بسورة الناس.[6]

ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم مُعجزة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الكبرى، فعلى الرغم من فصاحة العرب وبلاغتهم إلا أنهم وقفوا عاجزين أمام فصاحة القرآن الكريم وبلاغته، وما احتواه من أخبار الأمم السابقة، وأنباء الغيب، والإعجاز العلمي، والتشريع الذي يعتبر في غاية الدقة والكمال، الصالح لكل مكان وزمان، وقد تحدى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قومه بأن يأتوا بمثله، فلم يستطيعوا، مصداقاً لقول الله تعالى: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)،[7] ثم تحدّاهم بأن يأتوا بعشر سور، حيث قال تعالى: (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ)،[8] ثم تحداهم بسورة واحدة، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ).[9][6]

خصائص القرآن الكريم

أنزل الله -تعالى- القرآن الكريم على محمد -صلى الله عليه وسلم- ليكون نوراً وهدى للمؤمنين، ومنهج حياة، وطريق للعزّ والتمكين، وقد ميّز الله -تعالى- القرآن الكريم بالعديد من الخصائص، وفيما يأتي بيان بعضها:[10]

  • الحفظ من التحريف والضياع: فقد تعهّد الله -تعالى- بحفظ القرآن الكريم من النقص، أو الزيادة، أو التحريف، أو الضياع، حيث قال عز وجل: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)،[11] ولذلك فقد سخّر الله -تعالى- الأسباب لحفظ القرآن، حيث جعله سهلاً ميسراً للحفظ، وأنزله عى أمّة معتادة على الحفظ، فقد كان العرب يحفظون القصائد والخطب الطويلة بمجرد سماعها لمرة واحدة، ويسّر للأمة علماء بذلوا جهدهم في حفظ القرآن الكريم وتعليمه وتحفيظه للأجيال اللاحقة من بعدهم.
  • آخر الكتب السماوية والمهيمن عليها: حيث إن القرآن الكريم شاملٌ لكل ما جاء في الكتب السماوية السابقة، وحاكمٌ عليها، بل وفيه ما هو زائد عنها، فكلّ ما وافقه هو الحق، وكل ما خالفه منسوخ أو محرّف، فقد قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ).[12]
  • بكل حرف حسنة: فقد روى عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (مَن قرأَ حرفًا من كتابِ اللَّهِ فلَهُ بِهِ حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها، لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ وميمٌ حرفٌ)،[13]

مراحل جمع القرآن الكريم

مر القرآن الكريم في عدة مراحل إلى أن جُمع في مصحف واحد، وفيما يأتي بيان تلك المراحل:[14]

  • المرحلة الأولى: كانت أول مرحلة لجمع القرآن الكريم في عهد النبي عليه الصلاة السلام، فقد تم حفظ القرآن الكريم في الصدور، فحفظه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والصحابة رضي الله عنهم، مصداقاً لما رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: (جَمع القُرْآنَ علَى عَهْدِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَرْبَعَةٌ، كُلُّهُمْ مِنَ الأنْصَارِ: مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وَزَيْدُ بنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ).[15]
  • المرحلة الثانية: وكانت المرحلة الثانية في عهد الخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه، حيث جُمع القرآن الكريم في مصحف واحد على الترتيب المعهود، مصداقاً لما رُوي عن أحد كتاب الوحي وهو زيد بن ثابت الأنصاري -رضي الله عنه- أنه قال: (أَرْسَلَ إلَيَّ أبو بَكْرٍ مَقْتَلَ أهْلِ اليَمَامَةِ وعِنْدَهُ عُمَرُ، فَقالَ أبو بَكْرٍ: إنَّ عُمَرَ أتَانِي، فَقالَ: إنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ يَومَ اليَمَامَةِ بالنَّاسِ، وإنِّي أخْشَى أنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ بالقُرَّاءِ في المَوَاطِنِ، فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ إلَّا أنْ تَجْمَعُوهُ، وإنِّي لَأَرَى أنْ تَجْمع القُرْآنَ...)، وفي أخر الحديث قال زيد: (فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ أجْمَعُهُ مِنَ الرِّقَاعِ والأكْتَافِ، والعُسُبِ وصُدُورِ الرِّجَالِ).[16]
  • المرحلة الثالثة: كانت المرحلة الثالثة في عهد الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه، حيث جمع الناس على حرف واحد ومصحف واحد، وكان سبب الجمع اختلاف الناس في القراءات، فمنهم من كان يقرأ بقراءة ابن مسعود، ومنهم من كان يقرأ بقراءة أبي بن كعب، فتنازعوا في ذلك.

المراجع

  1. ↑ سورة البقرة، آية: 285.
  2. ↑ سورة الحديد، آية: 25.
  3. ^ أ ب د. أمين الشقاوي (23-12-2014)، " الإيمان بالكتب السابقة وآثاره"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-3-2019. بتصرّف.
  4. ↑ "ترتيب الكتب السماوية حسب النزول"، www.fatwa.islamweb.net، 2003-8-18، اطّلع عليه بتاريخ 13-3-2019. بتصرّف.
  5. ^ أ ب "سبب تسمية القرآن الكريم"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 11-3-2019. بتصرّف.
  6. ^ أ ب مصطفى ديب البغا ( 1418 هـ - 1998 م)، الواضح في علوم القرآن (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الكلم الطيب، صفحة 15-23 بتصرّف.
  7. ↑ سورة الإسراء، آية: 88.
  8. ↑ سورة هود، آية: 13.
  9. ↑ سورة البقرة، آية: 23.
  10. ↑ علي بن عبد العزيز الراجحي، "خصائص القرآن الكريم وحقوقه"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 13-3-2019. بتصرّف.
  11. ↑ سورة الحجر، آية: 9.
  12. ↑ سورة المائدة، آية: 48.
  13. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم: 2910، صحيح.
  14. ↑ "مراحل جمع القرآن الكريم"، www.islamqa.info ،11-12-2010، اطّلع عليه بتاريخ 13-3-2019. بتصرّف.
  15. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2465، صحيح.
  16. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 4679، صحيح.