-

الثبات على الطاعة

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الثبات والاستقامة على طاعة الله تعالى

إن الوصية بالتقوى هي الوصية الجامعة والشاملة لكل الوصايا، وهي أساس السعادة، فقد أوصى الله -تعالى- بها للأوّلين والآخِرين من خلقه، فقال: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّـهَ)،[1] وهي من وصايا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لأمته، ومن وصايا السلف فيما بينهم، ثمّ إن من أعظم ما يجب على العبد أن يحرص عليه ويهتمّ به، هو استقامته وثباته على طاعة الله تعالى، وعدم الميل عن صراطه المستقيم، قال تعالى: (فَاستَقِم كَما أُمِرتَ)،[2] ولقد قال رسول الله لمن جاءه يطلب منه أن يقول له شيئا لا يسأل عنه أحداً بعده: (قل آمنت بالله ثم استقم)،[3] فالاستقامة هي أساس السعادة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة، وهي المحافظة على أوامر الله بفعل ما أمر به واجتناب ما نهى عنه، وهي مطلب عظيم يتطلب السعي إليها مجاهدة للنفس وطلب العون من الله تعالى.[4]

وللاستقامة قاعدتان أساسيتان لا تقوم إلا بهما، هما: استقامة القلب، واستقامة اللسان، فالإيمان لا يقوم إلا باستقامة القلب، واستقامة القلب متعلقة باستقامة اللسان، وتتحقق استقامة القلب بأن يملأ المسلم قلبه بالإيمان بالله، والتوكل عليه، وحسن الظن به، ومحبته ومحبة كل ما أمر به، فإن استقام القلب كانت الجوارح له تابعة في ذلك، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَتْ، فسدَ الجَسدُ كُلُّهُ، ألا وهِيَ القَلبُ)،[5] أما صيانة اللسان واستقامته فتكون بحفظه عن كل ما لا يرضي الله تعالى، وإشغاله بكل ما هو نافع ومفيد، وعدم النطق إلا بكل ما هو سديد، فإن استقام اللسان استقامت الجوارح، لأنه جزء منها وتابع لها، فالمسلم يشتغل أولاً باستقامة قلبه، ثم باستقامة لسانه، فمن كان هذا حاله، فقد استقام أمره كله، وصلح إيمانه، وتحققت له السعادة في دنياه وآخرته.[4]

فضائل المداومة على الطاعات وثمراتها

إن الاستمرار على الأعمال الصالحة والطاعات، له فضائل عظيمة وفوائد عديدة، فيما يأتي بيان لهذه الفضائل بشكلٍ مفصّل:[6]

  • زيادة الإيمان: فكل عمل صالح يقوم به المسلم يزيد من إيمانه، فالإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، والله -تعالى- يجزي عباده على ما يقومون به من الأعمال الصالحة سواء كانت قليلة أو كثيرة، صغيرة أو كبيرة، كما أن كل طاعة تجرّ فاعلها إلى طاعة أخرى، وكذلك المعصية تجرّ إلى معصية أخرى.
  • البعد عن الغفلة: فقد نهى الله -تعالى- عن الاتصاف بالغفلة وذمّ المتصفين بها، فقال: (وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ)،[7] فالمداومة على الطاعة تُبعد المسلم عن الغفلة التي تقوده إلى الهلاك، ونفس الإنسان إن لم يشغلها بالطاعة شغلته هي بالمعصية.
  • نيل محبة الله تعالى: فلا يزال المؤمن يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه، وهي سبب للنجاة في الشدائد، فسيدنا يونس لولا أنه كان من المسبّحين وهو في بطن الحوت للبث فيه إلى يوم الدين.
  • ثبات الأجر واستمراره: فيستمر الثواب في حال العجز عن القيام بما يداوم عليه المسلم من الطاعات، كمن كان مسافراً أو مريضاً، فإن الحسنات تُكتب عليه في هذه الأحوال كما لو كان صحيحاً أو مقيماً.
  • محو الذنوب: فالصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما، والعمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، وكذلك الجمعة إلى الجمعة، وتكون كفارة ما لم يقم العبد بكبيرة من الكبائر.
  • سبب لحسن الخاتمة: والتي يتمناها جميع الناس؛ حيث أن الأعمال بخواتيمها، فمن كان مستمراً على الطاعة توفّاه الله عليها، والمرء يُبعث يوم القيامة على ما مات عليه، والموت لا بدّ منه، والنّبيه من يحرص على تحسين خاتمته.
  • سبب لدخول الجنة: قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ...).[8]

علامات قبول الطاعة

أنعم الله -تعالى- على عباده بأن وفّقهم للعمل الصالح، وهي نعمة عظيمة، لكنها لا تتم إلا بنعمة أخرى أعظم منها، ألا وهي قبول هذا العمل، وإذا علم العبد أن كثيراً من الأعمال قد ترد على صاحبها يوم القيامة، كان حريصاً على معرفة أسباب وعلامات قبول الأعمال الصالحة التي يقوم بها، وفيما يأتي بيان أسباب وعلامات قبول الأعمال عند الله بشكلٍ مفصّل:[9]

  • عدم العودة إلى الذنب مرة أخرى: لأن العودة علامة المقت والخسران، ومن استغفر بلسانه وقلبه معقود على العودة إلى المعصية، فباب القبول أمامه مغلق، فالتائب يعزم من لحظة توبته على عدم العودة إلى الذنب.
  • الخوف من عدم قبول الطاعة: فالله -عزّ وجل- غني عن عباده وهم الفقراء إليه، والمؤمن مع شدة حرصه على فعل الطاعات والإكثار منها، إلا أنه يخاف على عدم قبولها عند الله، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)،[10] فعلى الرغم من حرصهم على العمل الصالح، إلا أن افتقارهم إلى الله يملأ قلوبهم.
  • التوفيق إلى أعمال صالحة بعدها: وهذا من فضل الله على عباده، وإن الطاعة تنادي فتقول: أختي أختي، فمن رحمة الله -تعالى- أنه يفتح من الطاعة باب لطاعة أخرى، فهي كالشجرة المثمرة تحتاج إلى عناية وسقاية لتنمو وتؤتي ثمارها.
  • استصغار العمل وعدم العجب والغرور به: فالعبد المؤمن مهما يقدم من أعمال صالحة، يعلم أنها لن ولم توفّي شكره لله على نعمة واحدة من النعم التي وهبها إياه سبحانه، وعليه فالمؤمن يستصغر ما يقوم به حتى لا يكون ذلك سبباً في إحباط العمل وضياع أجره.
  • حب الطاعة وكره المعصية: فالذي يقوم بالطاعات يأنس قلبه بها ويطمئن، محققاً قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)،[11] كما يكره المعصية وكل ما يقرب إليها من قول أو عمل، ويدعو الله على الدوام أن يبعده عنها.

المراجع

  1. ↑ سورة النساء، آية: 131.
  2. ↑ سورة هود، آية: 112.
  3. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن سفيان بن عبدالله الثقفي، الصفحة أو الرقم: 4395، صحيح.
  4. ^ أ ب عبدالرزاق البدر (25-9-2010)، "الاستقامة على طاعة الله"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-1-2019. بتصرّف.
  5. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن النعمان بن بشير، الصفحة أو الرقم: 1599، صحيح.
  6. ↑ عادل عبد الماجد (13-7-2015)، "المداومة على الطاعات: فضائلها - ثمراتها - أسبابها "، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-1-2019. بتصرّف.
  7. ↑ سورة الأعراف، آية: 205.
  8. ↑ سورة آل عمران، آية: 133-136.
  9. ↑ أمير المدري، "علامات قبول الطاعة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-1-2019. بتصرّف.
  10. ↑ سورة المؤمنون، آية: 6.
  11. ↑ سورة الرعد، آية: 28.