-

تعريف زحزحة القارات

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

توزيع القارات على كوكب الأرض

يبلغ عدد القارّات على سطح الكرة الأرضية سبع قارّات، وهي آسيا، وأفريقيا، وأمريكا الشمالية، وأمريكا الجنوبية، والقارة القطبية الجنوبية، وأوروبا، وأستراليا، مرتّبة حسب مساحاتها تنازليّاً، وتختلف هذه القارات عن بعضها البعض في التضارس والمناخ والمساحة والتوزيع؛ فالتوزيع الجغرافي للقارات لا يتم بالتساوي على سطح الكرة الأرضية، ويتبيّن عن طريق رسم خريطة لها، أنّ نصف الكرة الغربي يتمحور في شمال غرب أوروبا، حيث يمكن رؤية معظم مساحة الأرض في العالم في هذا النصف من الكرة الأرضية، ويُلاحظ أيضاً أنّ أكثر من ثلثي سطح الأرض يقع شمال خط الاستواء، وأنّ جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية تتّخذ شكل الوتد؛ أي أنّ مساحتها من جهة الشمال أكبر ممّا هي عليه في الجنوب.[1]

ومنذ وقت طويل كان توزيع القارات وأحواض المحيطات على سطح الكرة الأرضية وتوزيع سمات التضاريس الرئيسة من بين أكثر المسائل إثارةً للاهتمام بالنسبة لعلماء الجيولوجيا والتحقيقات العلميّة؛ حيث تمكّن الباحثون من وضع العديد من الفرضيات التي تقدم تفسيراً لهذه الظواهر، مثل نظريّات: التراكم، والانجراف القاري، والحمل الحراري، وتشير الأدلة الجيولوجية والبيولوجية التي وُضِعت في القرن العشرين إلى أنّ القارات تطفو على طبقة القشرة التي تغلف الأرض تماماً، كما أنّ لكلّ قارة منطقةً قديمةً جداً تُسمّى مناطق الدرع، وتُعدّ منطقة الدرع هذه أساس القارة، وعليها بدأ تراكم باقي الموادّ،[1] إلا أنّ شكل القارات لم يكن كما هو عليه الآن؛ إذ كانت القارات كلّها قارّةً واحدةً حسب افتراضات العلماء، إلا أنّها قُسِمت وتزحزحت أجزاؤها عن بعضها، فما هو مفهوم زحزحة القارات؟

زحزحة القارات

تُعرَّف زحزحة القارات أو ما يُعرَف بانجراف القارّات، بأنّها الحركات الأفقية واسعة النطاق للقارات نسبةً إلى بعضها البعض وأحواض المحيطات في أزمنة جيولوجيّة مختلفة. وقد توصّل العلماء إلى مفهوم زحزحة القارات تدريجياً؛ ففي عام 1800م، لاحظ عالم الطبيعة الألماني ألكسندر فون الملاءمة الواضحة بين تضاريس شرق أمريكا الجنوبيّة وتضاريس قارّة أفريقيا المجاورة للمحيط الأطلسيّ، وبعد 50 عاماً لاحظ العالم الفرنسي أنطونيو سنايدر وجود محتويات أحافير متطابقة في ترسّبات الفحم في كلٍّ من قارّتي أمريكا الشمالية وأوروبا، ممّا يدلّ على أنّ كلا القارّتين كانتا مرتبطتين سابقاً، وهناك الكثير من الأدلة التي توضّح وجود تشابه في تضاريس القارات ومحتواها من الأحافير.[2]

وفي عام 1912م، وضع عالم الأرصاد الألمانيّ ألفريد فيغنر أوّل نظرية مُفصَّلة وشاملة للانجراف القاريّ، حيث افترض وجود قارّة واحدة فقط خلال معظم التاريخ الجيولوجي، وفي أواخر العصر الترياسي القديم انقسمت هذه القارة، وبدأت أجزاؤها بالابتعاد عن بعضها البعض، بعد ذلك عدّل ألكسندر دو تويت -جيولوجي جنوب إفريقيّ- فرضيّة فيغنر، حيث افترض وجود قارّتين أساسيتين، هما: قارة لوراسيا في الشمال، وقارّة جندوانا في الجنوب، ومع الجدل الواسع حول هذه النظريّة ما بين مؤيّد ومعارض، ازداد الاهتمام بظاهرة الانجراف القاريّ في خمسينيّات القرن العشرين، وذلك عندما تطورت معرفة المجال المغناطيسي الأرضي والمعادن الحديدية المغناطيسية، مثل: معدن المغنتيت.[2]

نظريّة فيغنر في الانجراف القاريّ

وضع العالم ألفريد فيغنر نظريّته أثناء دراسته للمناخ القديم وتوزيع الأحافير، وقد بيّن فيها أنّ القارّات تحركت فوق سطح الأرض، واقترح أنّه قبل حوالي 200 مليون سنة تشكلت جميع القارات من كتلة أرضية واحدة كبيرة سمّاها بانجيا، وقد عرض مجموعةً من الأدلّة لدعم فرضيّته، أهمّها وجود نفس الصخور والأحافير في بعض القارات المنفصلة، ووجود الأحزمة المطويّة عبر المحيطات، وأنّ حركة القارات العمودية نتيجة التآكل والترسيب قد تدعم وجود الحركة الأفقية لها أيضاً، كما اقترح فيغنر ابتعاد القارات عن القطبين بسبب قوة الانتفاخ الاستوائي للأرض، وقد تبين أن هذه القوة غير كافية لتحريك القارات، فبدأ بالبحث عن قوة أخرى قادرة على تحريك القارات، إلى أن استنتج وجود قوى المدّ والجزر على قشرة الأرض ناتجةٍ عن قوة جذب القمر، لكن تبيّن له أن هذه القوة أيضاً غير كافية على الإطلاق لتحريك القارات، ممّا أدى إلى التشكيك في صحة نظريّته.[3][4]

بعد وفاة فيغنر استمرّ العلماء والجيولوجيون في البحث عن أدلة أكثر جديّةً لدعم نظرية انجراف القارات؛ عن طريق البحث في المحتوى الصخري لها، فعلى سبيل المثال، أظهر التاريخ النظائري لصخور عصر ما قبل الكمبري أنّ الكتل البلوريّة في جوانب متقابلة من جنوب المحيط الأطلسي تتشابه بشكل كبير من حيث العمر والتكوين، ممّا يدلّ على أنّها نشأت كصفيحة صخرية واحدة، وتعرّضت فيما بعد لقوى أدّت إلى إزاحتها.[4]

المناخ وانجراف القارات

واجه العلماء والباحثون صعوبات كثيرة في تفسير حركة القارات وإثباتها، لذا ظهرت الحاجة للبحث عن أدلّة تدعم فرضيّاتهم، وعلم المناخ كان واحداً من هذه الأدلة، حيث تُظهِر الحفريات والدلائل الجيولوجيّة أنّ معظم القارات كانت تعاني من مناخات مختلفة بشكل مذهل عمّا كانت عليه اليوم، ويعتقد عالم الرصد الألمانيّ ألفريد فيغنر أنّ الانجراف القاري هو مفتاح هذه الألغاز المناخية، لذلك خطّط الصحارى والأدغال والمناطق الجليدية على الخرائط القديمة، واستطاع من خلالها إظهار صورة نمطية بسيطة عن المناخات الماضية؛ فعلى سبيل المثال، كان هناك تشتت على سطح الأرض الجليدي المصنوع من الكربون على نصف الأرض تقريباً، وقد عدّ فيغنر أنّ هذا التحقق من العصر القديم هو أحد أقوى الأدلة على نظرية انجراف القارات.[5]

المجال المغناطيسي وانجراف القارات

لكوكب الأرض مجال مغناطيسي يوجّه إبرة البوصلة دائماً نحو القطب المغناطيسيّ الشمالي الموجود قرب محور الدوران؛ حيث إنّ المجال المغناطيسي يتكوّن من خطوط قوة تُسمّى خطوط المجال المغناطيسي، وهذه الخطوط تتقاطع مع سطح الأرض بزاوية تُسمّى زاوية الميل المغناطيسي، وتختلف قيمة هذه الزاوية من مكانٍ إلى آخر تبعاً لتضاريس سطح الأرض، في حين تكون درجتها صفراً عند خط الاستواء المغناطيسيّ، و90° عند الأقطاب المغناطيسية، وبناءً على ذلك يمكن للمرء معرفة الموقع على الأرض بالنسبة للأقطاب المغناطيسية، عن طريق قياس الميل وزاوية القطب المغناطيسي.[3]

وفي خمسينيات القرن الماضي، تبيّن أنّه عند درجة حرارة معينة تُسمّى درجة حرارة كوري، فإنّ المجال المغناطيسي للمعادن يُصبح ذا اتّجاه موازٍ لأي حقل مغناطيسي خارجي عند نفس درجة الحرارة، ونتيجةً لذلك، يمكن تحديد اتجاه المجال المغناطيسيّ الموجود وقت احتواء الصخر على المعدن المبرّد تحت درجة حرارة كوري، وبهذا يصبح من الممكن تحديد موضع القطب المغناطيسي في ذلك الوقت؛ حيث أجرى الباحثون دراسات أولية حول كيفية اختلاف موقع القطب المغناطيسي للأرض مع الوقت في أوروبا، وأظهرت الدراسات التي أُجرِيت على الصخور من مختلف الأعمار في أمريكا الشمالية أنّ القطب المغناطيسي قد تحرك مع مرور الزمن؛ حيث تمّ العثور على مسار مختلف لاتجاه القطب المغناطيسي، بناءً على ذلك يوجد احتمالان، إمّا أنّ الأرض لديها أكثر من قطب مغناطيسي وهذا مستحيل، وإمّا أن القارات المختلفة قد تحركت نحو بعضها البعض، وقد أكّدت الدراسات التي أُجرِيت على مواقع القطب القديمة للقارات الأخرى الفرضية الثانية، ويبدو أنّها تؤكد نظرية الانجراف القاريّ.[3]

المراجع

  1. ^ أ ب "Continent GEOGRAPHY", www.britannica.com, Retrieved 14-3-2018. Edited.
  2. ^ أ ب "Continental drift GEOLOGY", www.britannica.com, Retrieved 14-3-2018. Edited.
  3. ^ أ ب ت "The Earth's Magnetic Field and Paleomagnetism", www.tulane.edu, Retrieved 14-3-2018. Edited.
  4. ^ أ ب "Alfred Wegener and the concept of continental drift", www.britannica.com, Retrieved 22-4-208. Edited.
  5. ↑ "continental drift", earthobservatory.nasa.gov, Retrieved 14-3-2018. Edited.