أول من طاف بالكعبة
بناء الكعبة المشرفة
هناك خلافٌ واسعٌ بين العلماء في تحديد العهد الذي تم فيه بناء الكعبة المشرفة، فمنهم من قال أن بناء الكعبة المشرفة كان في عهد إبراهيم عليه السلام، حيث قام ببنائها بمساعدة ابنه إسماعيل عليه السلام، واستدلوا بقول الله تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)،[1] وبما رواه البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن إبراهيم -عليه السلام- قال لابنه إسماعيل: (إنَّ اللهَ أمرني أن أبني ها هنا بيتا، وأشار إلى أَكْمَةٍ مرتفعةٍ على ما حولها، قال: فعند ذلك رفعا القواعدَ من البيتِ، فجعل إسماعيلُ يأتي بالحجارةِ وإبراهيمُ يبني، حتى إذا ارتفعَ البناءُ، جاء بهذا الحجرِ، فوضعَهُ لهُ فقام عليهِ، وهو يبني وإسماعيلُ يُنَاوِلُهُ الحجارةَ).[2][3]
ومن العلماء من خالفهم الرأي فقالوا أن الكعبة المشرفة بُنيت في عهد آدم عليه السلام، وأن آدم -عليه السلام- بناها بنفسه، وقد أكد الأزرقي رحمه الله -تعالى- على هذا الرأي، واستدل بخبرين رواهما ابن عباس رضي الله عنه، حيث قال: (كان آدم عليه السلام أول من أسس البيت وصلى فيه)، وقال أيضاً: (أنه بناه من خمسة أجبل)، وذهب فريق ثالث من العلماء إلى أن بناء الكعبة المشرفة كان في عهد شيث ابن آدم عليه السلام، كما روى الأزرقي في كتاب أخبار مكة أن أبناء آدم عليه السلام قد بنوا الكعبة من الحجارة والطين بعد وفاة والدهم، وكذلك قال السهيلي في روض الأنف أن شيث ابن آدم عليه السلام أول من بنى الكعبة.[3]
وذهب آخرون إلى أن بناء الكعبة يرجع إلى ما قبل آدم عليه السلام، أي أن الملائكة هم الذين بنوا الكعبة، كما ورد في تفسير البغوي رواية عن علي بن الحسين: (أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وضع تحت العرش بيتاً، وَهُوَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ، ثم أمر الملائكة الذين هم سكان الأرض أَنْ يَبْنُوا فِي الْأَرْضِ بَيْتًا عَلَى مِثَالِهِ وَقَدْرِهِ، فبنوه واسمه الصرح، وَأَمَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ أَنْ يَطُوفُوا بِهِ كَمَا يَطُوفُ أَهْلُ السَّمَاءِ بِالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ. وَرُوِيَ: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَوْهُ قَبْلَ خَلْقِ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ، وَكَانُوا يَحُجُّونَهُ، فَلَمَّا حَجَّهُ آدَمُ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: بَرَّ حَجُّكَ يَا آدَمُ، حَجَجْنَا هَذَا الْبَيْتَ قَبْلَكَ بِأَلْفَيْ عَامٍ).[3]
أول من طاف بالكعبة
اختلف العلماء في تحديد أول من طاف حول الكعبة المشرفة، ويرجع السبب في ذلك إلى اختلافهم في أول من بنى الكعبة، وقد بين الإمام القرطبي رحمه الله -تعالى- أن في المسألة قولين: فالأول أن الملائكة هم الذين بنوا الكعبة المشرفة وهم أول من طاف بها، والقول الثاني أن آدم -عليه السلام- هو أول من أسس الكعبة المشرفة وطاف بها، وقد أكد ابن كثير رحمه الله -تعالى- على هذا القول، حيث بيّن في تفسيره أن الله -تعالى- أرسل جبريل -عليه السلام- إلى آدم -عليه والسلام- ليأمره ببناء الكعبة، فبناها، ثم قيل له أنت أول الناس، وهذا أول بيت وضع للناس، ثم أُمِر بالطواف حول الكعبة.[4]
الحكمة من الطواف حول الكعبة
يُعرف الطواف لغةً على أنه الدوران حول الشيء، أما اصطلاحاً فيُعرف بأنه عبادة لله -تعالى- تقوم على الدوران حول الكعبة المشرفة بصفة مخصوصة، ولا بُد من الإشارة إلى أن الله -تعالى- شرع الطواف في عدة مواضع من القرآن الكريم، حيث قال: (وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)،[5] وقال: ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)،[6] ومن الأدلة على مشروعية الطواف في السنة النبوية ما رُوي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: (أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان إذا طافَ، في الحَجِّ أو العمرةِ، أولُ ما يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أطوافٍ، ومشى أربعةً، ثم سجدَ سجدتيْنِ، ثم يطوفُ بينَ الصَّفا والمروةِ).[7][8]
وقد ورد العديد من الأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على فضل الطواف، ومنها ما رواه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من طاف بهذا البيتِ أسبوعًا فأحصاه، كان كعِتقِ رقبةٍ، لا يضعُ قدمًا، ولا يرفعُ أخرى، إلا حَطَّ اللهُ عنه بها خطيئةً، وكَتب له بها حسنةً)،[9] وتتمثل الحكمة من مشروعية الطواف في التقرب إلى الله -تعالى- من خلال ذكره -سبحانه- وتعظيمه، حيث إن الطواف عبادة لله -تعالى- تشمل التكبير، والدعاء، والذكر، بالإضافة إلى المشي، واستلام الحجر الأسود، والركن اليماني، والإشارة إلى الحجر، وكل هذه الأعمال من ذكر الله تعالى؛ لأنها تورث القلب تعظيم الله تعالى.[8]
شروط صحة الطواف
تنقسم شروط صحة الطواف إلى شروط عامة لكل عبادة، وشروط خاصة بالطواف، وفيما يأي بيانها:[10]
- الشروط العامة: وهي شروط لا بُد من توفرها في كل عبادة حتى تكون صحيحة، والشرط الأول هو الإسلام، إذ لا تُقبل العبادة من الكافر ما دام على كفره، مصداقاً لقول الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا)،[11] والشرط الثاني هو النية، فقد حصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبول الأعمال بصحة النية، كما رُوي عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (إنما الأعمالُ بالنياتِ، وإنما لكلِّ امرئٍ ما نوى)،[12] وأما الشرط الثالث فهو العقل، فلا عبادة من غير عقل؛ لأن العقل مناط التكليف، ولذلك رُفع القلم عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، والصبي حتى يبلغ.
- الشروط الخاصة بالطواف: وقد أجمع العلماء على عدد من الشروط الخاصة بالطواف، ومنها أن يتم الطواف حول الكعبة المشرفة، لقول الله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)،[13] وأن يكون الطواف من داخل الحرم لا من خارجه حتى وإن بعدت المسافة عن الكعبة المشرفة، إذ يصح الطواف في التوسعة، وأروقة المسجد، وعند أبوابه من الداخل، ودل على ذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث رُوي أنه كان يطوف داخل المسجد، ومن الشروط أيضاً دخول الوقت في حال كان للطواف وقت معين كطواف الإفاضة مثلاً، وأن يكون الطواف من وراء الحِجر، لأن الحِجر من الكعبة المشرفة، وقد دل على ذلك فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- فقد كان يطوف من وراء الحِجر، وثمة شروط أخرى لصحة الطواف ولكنها محل اختلاف العلماء، ومنها جعل البيت على يسار الطائف، وبدء الطواف من الحجر الأسود، وستر العورة، وإكمال سبعة أشواط، وتعيين نية الطواف حال وجوده في وقته، والموالاة في الطواف، والمشي فيه مع القدرة عليه، والطهارة من النجس والحدث.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 127.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 3364، صحيح.
- ^ أ ب ت علي السبحاني (13-9-2015)، "البناء الأول للكعبة"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 9-1-2019. بتصرّف.
- ↑ "أول من طاف ببيت الله الحرام"، 25-12-2003، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-1-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 125.
- ↑ سورة الحج، آية: 29.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 1616، صحيح.
- ^ أ ب "تعريفُ الطَّوافِ ومَشْرُوعِيِّتُه وفضائِلُه"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-1-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 6380، صحيح.
- ↑ سليمان العيسى، "شروط صحة الطواف"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 9-1-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الفرقان، آية: 23.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 1، صحيح.
- ↑ سورة الحج، آية: 29.