تعريف بالإمام مسلم
مقدمة
تهافت على الدين الاسلامي العديد من المفسرين والمحللين للقرآن الكريم، وللأمور الفقهية بشكل عام، وذلك منذ عهد الرسول إلى يومنا هذا، ويشهد التاريخ الاسلامي كمية كبيرة من الشيوخ الذين اهتموا في هذا الجانب من جوانب الدين الاسلامي، وعند الحديث في هذا السياق يمكن ذكر أسماء عديدة، والتي من أهمها: البخاري، ومسلم، وابن كثير، والإمام أحمد بن حنبل، وغيرها الكثير الكثير من الأسماء، حيث إنّ الاهتمام بتعاليم الاسلام أمراً غاية في الأهمية، وكان لابد من الاهتمام بها بشكل مكثف.
واليوم سنتحدث عن أحد هؤلاء الأسماء اللامعة، وهو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم، وهو من أكبر علماء الحديث والسنة النبوية عند جموع شيوخ الفقه الاسلامي، كما أن اسمه مرتبط باسم كتاب صحيح مسلم، وهو أكبر وأصح وأفضل ثاني كتاب من كتب الحديث والذي تأتي مكانته بعد كتاب صحيح مسلم مباشرة.
ولادته ونشاته
الإمام مسلم من مواليد نيسابور واختلف تقدير المؤرخون للسنة التي ولد فيها الإمام مسلم بالضبط، فقد اتجه بعض العلماء إلى أن الإمام مسلم ولد في سنة 201هـ، أو 202، أو 204هــ، وترعرع الإمام مسلم في ظل الدين الإسلامي، حيث إنّ نيسابور في الوقت الذي ولد به الإمام مسلم، كانت من أكبر المدن الإسلامية، وبالتالي كان هذا الأمر من أهم الأمور التي ساهمت في إنجاحه في مهمته التي بدأ بها.
بدأ الإمام مسلم في دراسة الحديث الشريف وعلومه منذ نعومة أظافره، كان في صغره يتلقى التعليم من كبار الشيوخ والأئمة، كما أنه تتلمذ على يد أكبر الشيوخ وعلماء الفقه والسنة النبوية الشريفة، وكانت نشأة الإمام مسلم هي نشأة دينية، فقد نشأ في أسرة كريمة، وفي أسرة متوسطة الدخل، وكان والده أحد أهم الرجال الذين يتصدرون خلقات العلم، وحلقات الذكر التي يتم فيها طرح مجموعة من القضايا الفقهية من أجل النقاش فيها، وكانت هذه هي الفرصة الأولى للإمام مسلم في الالتحاق بالندوات الدينية، وكان يكبر في هذه الحلقات، ويتلقى العلوم من خلالها.
طلبه للعلم
كما ذكرنا بأن الإمام مسلم بدأ رحلة تلقي العلوم الإسلامية منذ صغره، حيث إنّه تمكن من الطواف على جميع الشيوخ والأئمة في لتلك الفترة، كما أن أول الشيوخ الذين سمعوا ما عند الإمام مسلم هو الشيخ يحيى بن محمد التميمي، واستمر في زيارة الشيوخ من أجل تلقي العلم عنهم، ولم يكل أو يتعب بل استمر على هذا الأمر، إلى أن اخذ كمية كافية من المعلومات التي يريدها.
كانت رحلة طلب العلم للإمام مسلم رحلة طويلة الوقت وطويلة المسافة أيضاً، فقد سافر من مكان لآخر من أجل الحصول على العلم.
مهنته
عمل الإمام مسلم في التجارة خلال حياته، فقد كان يمتلك دكان في خان محمش، وكانت هذه الدكان مخصصة لبيع الملابس والأقمشة، كما أن وضعه المادي كان جيد جداً، فقد كان يمتلك الكثير من الممتلكات مثل ضياع وثروات كبيرات، وكان الوضع المادي الجيد هو أحد أسباب نجاح الإمام مسلم في الوصول إلى مبتغاه والتنقل في المناطق المختلفة من أجل زيارة الشيوخ والأئمة، ولم يسمح لعلمه بأن يكون عائقاً أو حائلاً لأن يقوم بعمل رحلاته المستمرة من أجل طلب العلم، وزيارة الشيوخ والأئمة في مختلف الأماكن.
صفاته
من أهم صفاته التي امتاز بها، أنه كان أبيض الرأس، فقد كان الشيب يجتاح شعره ولحيته بالكامل، وكان يتصف بالحسن، فقد كان الأئمة يصفونه بأنه حسن الثياب والوجه، وتم اختياره ليكون إمام المسلمين في تلك الفترة بناءً على طلب وترشيح من العديد من الشيوخ له.
مشايخه وتلاميذه
تلقى الإمام مسلم العلم عن الكثير من الشيوخ، والذين من أهمهم، يحيى بن يحيى التميمي النيسابوري، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن عبد الوهاب الفراء، واسحاق بن راهوية، ومحمد بن مهران الحمال، وغيرها الكثير الكثير من الأسماء التي تلقى عنها الإمام مسلم تعليمه، كما أن العديد من الشيوخ تلقوا التعليم منه بعد كبره في السن، ووصوله إلى مرحلة أن كان قد ألم بجميع الأمور الدينية والفقهية.
وفاته
كانت وفاة الإمام مسلم وانتهاء حياته في سنة 261 عن عمر يناهز الخمسة والخمسون عاماً، وتم ترجيح أسباب الوفاة إلى أنها كانت بسبب تناوله كمية كبيرة جداً من التمر في إحدى الليلة، وذلك بعد أن تم سؤاله عن حديث ما من قبل أحد التلاميذ، وأجابه أنه لا يعرف الإجابة، وعاد إلى البيت يبحث عن الإجابة وبقي مستيقظاً لساعات الفجر إلى أن عثر على الإجابة، وخلال فترة استيقاظه كان يتناول التمر من أجل الحصول على النشاط وعدم الخلود للنوم، فكان التمر سبباً في إصابته بمرض وهو الذي أودى بحياته في سن مبكرة من العمر.
كتاب صحيح مسلم
يعتبر كتاب مسلم أصدق ثاني كتب من الكتب التي اهتمت بالحديث عن بعض المسائل الفقهية، ويأتي في المرتبة الثانية من ناحية الصدق بعد كتاب صحيح البخاري، وقد تحدث الإمام في مقدمة كتابه عن سبب تأليفه للكتاب، فقال بأن الكتاب كان تلبية للب بعض الأشخاص.
هذا بالإضافة إلى أن الإمام مسلم كان قد لاحظ أن مجموعة من الأشخاص الذين كانوا قد اتخذوا من أنفسهم محدثين وأنهم كانوا يستخدمون دواعي فقهية ركيكة، وأحاديث موضوعة، وبالتالي كان هذا الأمر سبباً في أن يتجه الإمام مسلم إلى أن يكتب كتاب مسلم، من أجل نشر الأحاديث الصحيحة بين الناس بصورة سليمة.
قام الإمام يجمع دفاتره التي كان يستخدمها خلال فترة ترحاله بين المشايخ في عدة بلدان، وكان يقوم بتسجيل ملاحظاته على بعض الأوراق والدفاتر، ومن ثم قام بترتيب هذه الأفكار في كتابه صحيح مسلم، واتصف كتاب صحيح مسلم بأنه أحد أهم الكتب التي تمكنت من نقل المعلومات بصورة صحيحة وبسيطة، حيث إنّه تحدث باختصار بليغ وبإيجاز تام، ولكن قام بإيصال المعلومات بطريقة واضحة وصحيحة، كما أن كتابة صحيح مسلم استغرقت ما يقارب خمسة عشرة عاماً من الإمام مسلم، كان خلالها يحاول أن يقوم بعملية جرد لمعلوماته وتنقيتها والتأكد من سلامتها من أجل صياغتها ليتم تقديمها للناس بطريقة صحيحة وبسيطة.
كانت بداية صحيح مسلم عبارة عن مقدمة عن الكتاب وعن الإمام، وعن السبب وراء كتابة الكتاب، ومن ثم تحدث عن أصول الحديث، وقام بإيضاح المنهج الذي اتبعه في تصنيف الأحاديث، كما أنه ذكر بعض الشروط والصفات التي يجب أن تتوافر في الأشخاص الذين يروون الحديث، ومن ثم قام داخل الكتاب بتجزئة الأحاديث في أبواب وفصول، وأعطى كل فصل وكل باب عنوان، وكانت طريقة روايته للحديث طريقة بليغة، فقد تمكن أن ينقل جميع رواة الحديث في سند متقن، كما أن اهتم بالطريقة التي يصنف بها الحديث.
قام الإمام مسلم بتقسيم كتابه إلى عدة كتب أطلق على كل منها اسم، فقد قام بوضع كتاب الطهارة، وكتاب الصلاة، وكتاب الزكاة، وغيرها من الكتب الأخرى، وبلغ عدد الكتب ما يقارب 54 كتاباً، ومن ثم قام بتقسيم كل كتاب إلى عدة أبواب.