فضل سورة يوسف
سورة يوسف
ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز عدداً من قصص الأنبياء التي كان في كلّ منها الكثير من العِبَر والآيات لذَوي الألباب، ومن بين تلك القصص كانت قصّة سيّدنا يوسف عليه السّلام، وقد ذُكِرت قصّته في سورة كاملة سُمِّيت سورة يوسف، أنزلها الله سبحانه وتعالى على نبيّه محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- في فترة الدّعوة المكيّة.[1] سورة يوسف هي السّورة الثانية عشرة في المصحف الشّريف من حيث ترتيب السّور، وهي بذلك تأتي بعد سورة هود وقبل سورة الرّعد، وعدد آياتها مئة وإحدى عشرة آيةً، وقد كانت قصّة سيّدنا يوسف هي المحور الأساسيّ في هذه السّورة التي اشتملت دروساً ومعانيَ عديدةً، أيّد الله بها سيّدنا محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- ونفع بها المؤمنين.
فضل سورة يوسف
سُوَر القرآن الكريم سورٌ عظيمة، تشتمل الأحكام، والآياتِ، والعِبر، والإعجاز، فيها شفاء لصدور المؤمنين، وقد جعل الله سبحانه وتعالىلبعض السّور والآيات أفضليّةً في تلاوتها وحفظها وتكرارها، وفي سورة يوسف لم يصحّ عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أيّ حديث يُفضّلها عن غيرها من السّور، إلّا أنّ فضل هذه السّورة قد ورد في بعض الأخبار من استنباط العلماء، أو من بعض الرّوايات الضّعيفة في فضلها، وقال بعضهم: إنّ مُعظم هذه الرّوايات موضوعة؛ وذلك لما اشتُهر من الوضع في أحاديث النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وخاصّةً في فضل سور القرآن الكريم، ومن هذه الرّويات: (علِّموا أرقَّاءَكُم سورةَ يوسُفَ؛ فإنَّه أيُّما مسلمٍ تلاها مُعلِّمَها أهلَهُ وما ملكتْ يمينُهُ، هوَّنَ اللهُ عليه سكَرات الموتِ، وأعطاهُ القوَّةَ ألَّا يحسُدَ مسلمًا).[2]
وورد فضل سورة يوسف في أحاديث شاملة لها ولغيرها من بعض السُّور، وذلك كما في حديث واثلة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (أُعطِيتُ مكانَ التَّوراةِ السَّبعَ الطِّوالَ، وأُعطِيتُ مكانَ الزَّبورِ المئين، وأُعطِيتُ مكانَ الإنجيلِ المثانيَ، وفُضِّلتُ بالمُفصَّلِ)،[3] وتُعدّ سورة يوسف من سور المئين، وسُمِّيَت سور المئين بهذا الاسم؛ لأنّ عدد آياتها تجاوز المئة.[4]
وكان نزول هذه السّورة العظيمة على النبيّ الكريم -صلّى الله عليه وسلّم- في عام الحزن، يوم فقد عمّه أبا طالب وزوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فكانت هذه السّورة ممّا أزال الهمّ والحُزن عن قلب النبيّ الكريم؛ لذلك يرى عددٌ من علماء المسلمين استحباب قراءة هذه السّورة العظيمة للمهموم والحزين؛ لأنّها تحمل كثيراً من أسرار الفَرَج بعد الشِّدة، واليُسر بعد العُسر.[5]
دلّ أيضاً على فضل هذه السورة أنّ عدداً من الصّحابة -رضي الله عنهم- كانوا يُحبّون قراءة سورة يوسف، خاصّةً في صلاة الفجر، وعلى مقدّمتهم عمر وعثمان رضي الله عنهما، فعن الفرافصة قال: (ما أخَذتُ سورةَ يوسفَ إلَّا مِن قراءةِ عُثمانَ بنِ عفَّانَ إيَّاها في الصُّبحِ، مِن كثرةِ ما كانَ يُردِّدُها)،[6] وقال علقمة بن وقاص رضي الله عنه: (كان عُمرُ بنُ الخطَّابِ -رضي اللهُ عنه- يَقرَأُ في العتمةِ سورةَ يوسفَ وأنا في آخرِ الصّفوفِ، حتّى إذا جاء ذِكرُ يوسفَ، سمِعتُ نشيجاً).[7]
الدّروس المُستفادة من سورة يوسف
تشتمل سورة يوسف كثيراً من الدّروس والعِبر، ومن هذه الدّروس ما يأتي:[8]
- قضاء الحاجات بالسرّ والكِتمان، وخاصّة الأخبار التي رُبّما تضرّ الإنسان؛ حيث أمر سيّدُنا يعقوب سيّدَنا يوسف -عليهما السّلام- بكتم الرُّؤيا التي رأى فيها سجود الشّمس والقمر والكواكب له؛ حتّى لا يكيد له إخوته كيداً يضرُّه.
- الثّبات على الحقّ ومُجابَهة الفِتن؛ فسيّدنا يوسف -عليه السّلام- بقي ثابتاً على دينه ودعوته ومنهجه أمام إغراءات امرأة العزيز وفِتَن السُّلطان، حتّى إنّه تحمّل في سبيل ذلك آلام السّجن، وقد كانت عاقبة ثباته على الحقّ أن مكّن الله له في الأرض يتبوّأ منها حيث يشاء.
- حقيقة الغيرة بين الإخوة التي قد تؤدّي إلى الضُّر، وأحياناً محاولة القتل كما فعل إخوة يوسف؛ حيث قالوا: (اقتلوا يوسف).[9]
- الفرَج بعد الشِّدّة واليُسر بعد العُسر سُنّة إلهيّة للأنبياء والصّالحين؛ فقد صبر يعقوب -عليه السّلام- على بُعد ابنه وفقدانه، وكانت عاقبة الصّبر الجزاء الحسَن في الدّنيا؛ حينما جمع الله شمل العائلة من جديد مع ما ينتظرها من الجزاء الحسَن في الآخرة.
- خطورة الخُلوة المُحرَّمة بالمرأة؛ فإنّها أولى خطوات الشّيطان إلى الزّنا، قال تعالى: (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ).[10]
- تعبير الرُّؤيا بمثابة الفتوى؛ وذلك لِما ورد في السّورة في قوله تعالى: (قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ)،[11] ولذلك قال العلماء لا يجوز لِمن لا يعرف في تعبير الرُّؤى أن يتكلّم فيما لا يعلم.
- السّعي إلى اتّخاذ الأسباب الجائزة للنّجاة من المصائب؛ حيث قال يوسف عليه السّلام: (اذْكُرْنِي عِندَ رَبِّكَ)؛[12] حتّى يذكر من خرجَ من السّجن القصّة للملك، ويُجري الملك تحقيقاً في الموضوع، فيكون هذا هو سبب خروج سيّدنا يوسف من السّجن بريئاً.
- جواز طلب التّمكين من المنصب؛ إذا كان هذا المنصب يخدم شرع الله ويُبيَّن قدرات يوسف -عليه السّلام- للملك دون أن يضُرّ نفسه، على أن تكون نيّته خالصةً لله، وقد ورد هذا في قوله تعالى:(قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ)،[13] أمّا من طلب المنصب لنفسه، فيوكِله الله -جلّ جلاله- إلى نفسه ولا يُعينه، فيكون المنصب له فِتنةً.
قميص يوسف
ذكر الله قميص سيّدنا يوسف في هذه السّورة في عدّة مواضع، وهي:
- حاول إخوة يوسف أن يُثبتوا صدقهم بقميص يوسف عليه السّلام، قال تعالى: (وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ).[14]
- كان قميص سيّدنا يوسف سبب براءته من فِتنة امرأة العزيز، وشهد الطّفل وهو في المَهد أنّ علامة صِدق سيّدنا يوسف أو كذبه هي ذلك القميص، وقد ورد ذلك في قوله تعالى: (وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ*قال هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَإِن كَانَ*قَمِيصُهُ*قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ*فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ).[15]
- ردّ الله بصر سيّدنا يعقوب عندما ألقى أبناؤه على وجهه قميص سيّدنا يوسف عليه السّلام، قال تعالى: (اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَٰذَا فَأَلْقُوهُ عَلَىٰ وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيرًا وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ).[16]
المراجع
- ↑ عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (1424هـ-2003م)، الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور ، مصر: دار هجر، صفحة: 175، جزء: 8.
- ↑ رواه الزيلعي، في تخريج الكشّاف، عن أبيّ بن كعب، الصفحة أو الرقم: 2/179 ، ضعيف، وقيل موضوع.
- ↑ رواه الألباني، في بداية السول، عن واثلة بن الأسقع الليثي أبي فسيلة، الصفحة أو الرقم: 59 ، صحيح.
- ↑ الشيخ إسماعيل الشرقاوي (14-5-2013)، "معنى الطوال والمثاني والمفصل والمئين"، alukah، اطّلع عليه بتاريخ 11-5-2017.
- ↑ د.عمر عبد الكافي (09-07-2015)، "د.عبد الكافي: سورة يوسف توضح أن القرب من الله أساس تفريج الكربات"، بوابة الشرق الإلكترونية، اطّلع عليه بتاريخ 06-05-2017.
- ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن الفرافصة بن عمير الحنفي، الصفحة أو الرقم: 3/414 ، إسناده صحيح.
- ↑ رواه الإمام النوويّ، في الخلاصة، عن علقمة بن وقاص، الصفحة أو الرقم: 1/497، إسناده صحيح.
- ↑ فضيلة الشيخ محمد صالح المنجد، جمعَهُ وخرَّجَ أحاديثه وآياته: أبو يوسف/هاني فاروق، [المكتبة الشاملة 100فائدة من سورة يوسف]، صفحة: 1-43.
- ↑ سورة يوسف، آية: 9.
- ↑ سورة يوسف، آية: 23.
- ↑ سورة يوسف، آية: 41.
- ↑ سورة يوسف، آية: 42.
- ↑ سورة يوسف، آية: 55.
- ↑ سورة يوسف، آية: 18.
- ↑ سورة يوسف، آية: 25-28.
- ↑ سورة يوسف، آية: 93.