-

ما حكم تطويل الشعر

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

العناية بالشعر بين الإفراط والتفريط

يؤصّل الإسلام في تشريعاته الكثيرة الناظمة لحياة المسلم في مجتمعه لمفهوم النظافة والطهارة والزينة، ومن هنا كانت العناية بالشعر جزءاً من العناية بباقي أجزاء الجسم، على اعتبار أنّ تلك العناية بمفهومها العام تأخذ جانب الضرورة أحياناً والالتزام بالسُنّة أحياناً أخرى، ولكن تجدر الإشارة إلى الحذر من المبالغة في مظاهر الاهتمام والعناية التي تصل إلى ضياع الوقت والإسراف في المال، أو أنْ يؤدي هذا الاهتمام إلى جعل منظر المرء مثيراً للغرابة، والأولى بالمسلم أنْ يقدّر هذه الأمور قدرها؛ فلا إفراط ولا تفريط،[1] ومن المسائل الفقهية التي يُثار التساؤل عنها مسألة تطويل الشعر، وحكمه عند الفقهاء، وهذا الموضوع يسلّط الضوء على هذه المسألة بالبحث والأدلة الشرعية.

حكم تطويل الشعر

مسألة تطويل شعر الرأس لا تنحصر في حكم حِلٍّ أو حُرمةٍ، بل المسألة فيها تفصيلٌ عند أهل العلم، وعند استقراء آراء العلماء في المسألة يتبيّن ما يأتي:[2]

  • ذهب بعض المحقّقين للمسألة بأنّ تطويل الشعر ليس من السُّنة التي يُثاب المسلم على فعلها؛ بل يعدّ من أمور العادات، ومستندهم في ذلك أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- قد صحّ عنه أنّه أطال شَعره وأنّه حَلَقَه، ولم يذكر في تطويله أجراً كما أنّه لم يجعل في حلقه إثماً.
  • جاء الأمر عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بالعناية بالشعر والاهتمام بتسريحه؛ ففي الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن كان له شَعَرٌ، فَلْيُكرِمْهُ)،[3] كما صحّ أنّ السيدة عائشة -رضي الله عنها- كانت تعتني بشعر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، حيث قالت: (كنتُ أُرَجِّلُ رأسَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا حائضٌ)،[4] ويُقصد بالترجيل تسريح شعر الرأس.
  • جاءت الروايات الصحيحة تثبت أنّ شعر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- كان طويلاً، وكان يصل أحياناً إلى شحمة أذنيه، وأحياناً أخرى إلى ما بين أذنيه وعاتقه، بل كان يضرب منكبيه، وكان من شأن النبي -عليه السلام- إذا طال شعره أنْ يجعله أربع ضفائر، ومن تلك الروايات ما جاء عن أنس -رضي الله عنه-: (أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضرب شعرُه منكبيه)،[5] وعنه كذلك: (كان شعرُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجِلاً، ليس بالسَّبطِ ولا الجعدِ ، بين أُذْنَيه وعاتِقِه)،[6] أمّا عائشة -رضي الله عنها- فقد قالت: (كانَ شعرُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فوقَ الوَفرةِ، ودونَ الجمَّةِ)،[7] ويقصد بالوفرة: وصول شعر الرأس إلى شحمتي الأذن، أمّا الجُمَّة فتطلق على شعر الرأس إذا نزل على المنكبين، وتصف أم هانئ -رضي الله عنها- شعر النبي -صلّى الله عليه وسلّم- يوم فتح مكة المكرمة؛ فتقول: (قدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مكةَ وله أربعُ غدائرَ)،[8] والغدائر هي ضفائر الشعر.
  • جاء عن الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- أنّه استدلّ من عموم الروايات السابقة أنّ شعر النبي -عليه السلام- كان في غالب أحواله يصل إلى قرب منكبيه، وكان إذا طال يجعل منه ضفائر، وحمل ذلك على الحال التي ينشغل فيها المرء عنه شعره بسفر أو غيره.
  • ذهب بعض المعاصرين من أهل العلم في مسألة ضفائر الشعر للرجال إلى أنّ العُرف والزمان لهما اعتبارٌ في هذا الأمر، ففي حال اختلاف العُرف ونظرة الناس إلى فاعله باستغرابٍ أو ظنّاً منهم أنّه فعل أهل الفسق؛ فالأجدر به ألّا يفعله.
  • يرى الشيخ محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- أنّه لا بأس باتخاذ الشعر وإطالته؛ فهو فعلٌ ثابت عن النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، ولكن يُحسن بالمسلم أنْ يراعي عادات الناس وأعرافهم، وتظلّ المسألة تأخذ باب الإباحة لكنّها تخضع لأعراف الناس، وردّ على منكري هذا الرأي الذين تشبّثوا بفعل النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّ فعله -عليه السلام- لم يكن من باب التعبّد ولكنّه من أفعال العادات التي تتبع العرف السائد.
  • جاء عند ابن عبد البر -رحمه الله- في مصنّفه التمهيد أنّ مسألة النية في الحكم الشرعي مهمّةٌ، وهي معقد الأمر؛ فإنّ إطالة الشعر أو حلقه لا يغنيان عند لقاء الله شيئاً، إنّما الجزاء يكون على النية التي اقترنت بالعمل؛ فربّ صاحب شعر ينال السبق عند الله، وربّ حالقٌ لشعره نال الرضا.
  • يُحسن بالمسلم أنْ يتّبع العرف الدارج بين الناس، وأنْ يراعي العادة في هذه المسألة، وهذا من شأنه أن يقي نفسه من التعرّض للسخرية ووقوع الناس في غيبته.

لا يقف حدّ الأحكام الشرعية المتعلّقة بالشعر عند حدود إطالته، بل قد توّسع العلماء في مسائله الأخرى حسب ما ورد من نصوصٍ شرعيةٍ، ومن ذلك:[9]

  • النهي عن القزع؛ والقزع هو أن يحلق المرء بعض شعره ويترك بعضه الآخر، سواءً كان الحلق من جانبٍ واحدٍ أو من كلّ الجوانب، سواءً في ذلك المقدمة والمؤخرّة والجانبين؛ ففي الحديث عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهى عن القزع)،[10] وقيل في علة النهي عن القزع عدّة أمورٍ، منها: لما فيه من تشويه الهيئة، وقيل: إنّه تشبّه بحال أهل الشر، وقيل هو من شأن اليهود.
  • جاء عن الإمام الغزالي -رحمه الله- في مصنّفه إحياء علوم الدين جواز حلق جميع الرأس لمن أراد بذلك النظافة، وجواز تركه لمن أراد أنْ يدهن ويترّجل.
  • عدّ أهل العلم تسريح الشعر من الزينة التي ندب إليها الشرع الحكيم، وقد ثبت هذا من فعل النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-، بل قالوا إنّه يستحبّ ترجيل الشّعر بدءاً بالجهة اليمنى، لقول عائشة -رضي الله عنها-: (أنّه كان يُعجِبُه التيمُّنُ ما استَطاع، في تَرَجُّلِه ووُضوئِه).[11]
  • ندب الشرع إلى تعاهد الشعر وإكرامه بالطّيب، ففي الحديث عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- تقول: (كأنّي أنظرُ إلى وَبيصِ الطِّيبِ في مَفارِقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو مُحرِمٌ).[12]

المراجع

  1. ↑ فريق الموقع، "الاعتناء بالشعر"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 4-1-2019. بتصرّف.
  2. ↑ محمد المنجد (25-4-2005)، "هل يجوز للرجل تطويل شعره وتضفيره؟ وهل يؤجر عليه؟"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 4-1-2019. بتصرّف.
  3. ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4163، سكت عنه، وكل ما سكت عنه فهو صالح.
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5925، صحيح.
  5. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5903، صحيح.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 5905، صحيح.
  7. ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4187، سكت عنه، وكل ما سكت عنه فهو صالح.
  8. ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أم هانئ بنت أبي طالب، الصفحة أو الرقم: 1781، حسن غريب.
  9. ↑ "من أحكام الشَعْر في الشرع الإسلامي"، www.alimam.ws، اطّلع عليه بتاريخ 4-1-2019. بتصرّف.
  10. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم: 5920، صحيح.
  11. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5926، صحيح.
  12. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 5918، صحيح.