من هو اليتيم
اليتيم
أصل اليتيم في اللغة من الانفراد، واليتيم من فقد أباه، وإن فقد أمه مع أباه كان يتيماً أيضاً، كرسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وفَقْد الأب ليس بالأمر الهيّن على الأولاد، فهو السبب في تحصيلهم لكلّ ما يحتاجون من طعامٍ ولباسٍ ورزقٍ، والأب هو الذي يتحمّل مسؤولية تربيتهم والعناية بهم، وهم جميعاً عائلةٌ فيشكّل فقدانه الخلل بينهم، وهذا الخلل لا يمكن له أن يجبر، وقد ذكر الله -تعالى- اليتيم في مواضعٍ كثيرةٍ من القرآن الكريم، منها ما يُوصي به، ومنها ما يبين رحمة الله به، فقال: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ)،[1] فقد جاء ذكر الأيتام مع المساكين وذوي الأرحام، ورغّب الأغنياء في الإنفاق على الأيتام كما هو الإنفاق على الوالدين والأقربين والمساكين وابن السبيل، ولقد أفرد الله -تعالى- بداية سورة النساء للحديث عن الأيتام وحالهم، والطريقة الأمثل في معاملتهم، وجعل لهم كذلك قسماً من أموال الغنائم بعد الحرب، وجعل إطعام اليتامى وحبّهم من صفات المؤمنين، وذمّ الله أهل الجاهلية لعدم إحسانهم إلى اليتيم، وأخبر النبي محمدٌ صلّى الله عليه وسلّم عن يتمه، حيث كان في صغره عند عمّه، ثمّ انتقل إلى جدّه، حتى بلغ الرشد، وبعد ذلك أوصاه باليتيم وبرعايته ومحبته، فقال: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)،[2] ثمّ أوصاه قائلاً: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ).[3][4]
فضل كفالة اليتيم
أمر الله -عزّ وجلّ- بالإحسان إلى الأيتام، وأخذ العهد من الأمم السابقة بالإحسان إليهم، وكان الحثّ على توفير ما يحتاجون وما يطلبون، والإنفاق عليهم من خير ما ينفق عليه المسلم، وينال به الثواب من عند الله، كما نهى عن إهانة اليتيم بأي شكلٍ من الأشكال، سواءً كان ذلك بالكلمة أم بالفعل، فقال: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)،[5] ثمّ ذكر الله ظلم اليتيم مع التكذيب بيوم القيامة في كتابه لمّا قال: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ)،[6] ويدخل في كفالة اليتيم تربيته، وتنشئته تنشئةً صالحةً على الفضائل ومكارم الأخلاق، فلمّا كان كافل اليتيم يقوم مقام الأب، كان لليتيم عليه مثل ما على الولد لأبيه، كما هو زكريا -عليه السلام- عندما تكفّل السيدة مريم، فكان كلّما دخل عليها ووجد عندها طعاماً سألها من أين حصلت عليه، وبالتالي فإنّ كلّ حق أوصى به الإسلام للإنسان فهو حقٌّ لليتيم، ويستمرّ ذلك إلى أن يصبح قادراً على الاعتماد على نفسه، وفيما يأتي بيانٌ لفضل كفالة اليتيم، وأثرها:[7]
- تساهم كفالة اليتيم في بناء مجتمعٍ يتميّز بخلّوه من الأمراض؛ كالحقد والكراهية، فيكون مجتمعاً تسوده المحبة والمودة بين أفراده جميعاً.
- إذا فقد اليتيم من يحنو عليه ويعوضه عمّا فقده من حنان أبيه، وعطفه عليه، وتأمين ما يحتاجه، فقد يشعر بالوحدة، ولن تصبح بينه وبين أفراد مجتمعه أي رابطةٍ، ممّا يؤدي لأن يكون اليتيم سبباً في فساد المجتمع الذي يعيش به.
- الإحسان إلى اليتيم سببٌ يؤدي إلى تحصيل البركة والخير، ودفع الضرر والبلاء عن صاحبه.
- الحنو على الأيتام سببٌ لحصول رقّة القلب وذهاب قسوته؛ حيث شكى رجلاً لرسول الله قسوة قلبه، فأوصاه بأن يمسح على رأس اليتيم.
- الإحسان إلى اليتيم سببٌ للفوز بالجنة والنجاة من النار.
- كافل اليتيم قريبٌ في الجنة من رسول الله صلّى الله عليه وسلم؛ حيث قال: (أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابةَ والوسطى).[8]
ضوابط التعامل مع أموال اليتامى
اجتمعت النصوص من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة على وجوب الإحسان إلى اليتيم، والمحافظة على أمواله، وجاءت القاعدة العامة في الشريعة الإسلامية على أنّ التصرّف في أموال اليتيم مقيدٌ بالمصلحة العائدة عليه من وراء ذلك التصرّف، وبناءً عليه فالتصرفات الصادرة من الوصي على أموال اليتيم إن كان فيها ضرراً محضاً لليتيم فهي تصرفات باطلةٌ؛ كالهبة والصدقة والبيع أو الشراء بغبنٍ فاحشٍ، ولا تتوقّف على إجازةٍ من أحدٍ، أمّا التصرّفات التي يتحصّل بها نفعاً محضاً فله أن يتصرّف بها، وذلك كقبول الهبة والصدقة، وكذلك التصرّفات التي تدور بين النفع والضرر، إلّا إن كان فيها ضرراً ظاهراً، ومن أهم الضوابط التي ينبغى الالتزام بها بها أثناء التصرّف في أموال اليتيم ما يأتي:[9]
- الإنفاق على الأيتام من أموالهم، مع مراعاة الأولويات في الشريعة الإسلامية، فتكون الأولوية للضروريات، ثمّ الحاجيات، ولا ينتقل إلى الكماليات إلّا إذا وفّر له كلّ ما يحتاج من الضروريات والحاجيات، فالألوية للطعام والشراب والمسكن والتعليم والعلاج، ويجوز له أن يوسع عليه في الإنفاق في الأعياد ونحوها.
- يجب أن يكون الإنفاق ضمن دائرة المباح شرعاً، والذي يعود على اليتيم بالمنافع المعتبرة في الشرع مع مراعاة الأحوال والظروف، والحرص على تجنّب الإسراف والتبذير في أموالهم.
- في حال كانت اموال اليتيم زائدةً عن حاجته، فللوصي حينئذٍ أن يقوم باستثمارها؛ وذلك حفاظاً عليها من أن تُفنى بالإنفاق عليه، أو من إخراج زكاتها.
- يجوز للولي أن يقوم بالبيع والشراء لليتيم من أمواله، بشرط أن يكون هذا البيع والشراء ضمن ما تعارف عليه الناس.
- لا يجوز للوصي أن يقرض من مال اليتيم، حتى ولو كان لنفسه؛ لأنّ الإقراض من المال يؤدي إلى تعطيله عن النماء والاستثمار، والوصي مأمورٌ بتنمية أموال اليتيم قدر الاستطاعة.
- إيداع أموال اليتامى لا يكون إلّا في البنوك الإسلامية البعيدة عن التصرّفات الربوية، إلّا في حال وجود البنوك الربوية فقط، فيدعها فيها حرصاً منه على حفظها.
- يخضع مال اليتيم لإخراج الزكاة منه إن تحقّقت فيه شروط الزكاة؛ لأنّ الزكاة حقٌّ من حقوق الله في الأموال، بغضّ النظر عن مالكها.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 83.
- ↑ سورة الضحى، آية: 6.
- ↑ سورة الضحى، آية: 9.
- ↑ محمد الجنباز (23-10-2014)، "من هو اليتيم الذي أوصانا الله به؟"، www.alukah.net. بتصرّف.
- ↑ سورة الضحى، آية: 9.
- ↑ سورة الماعون، آية: 1-2.
- ↑ محمد أكجيم (30-7-2014)، "كفالة اليتيم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 1918، صحيح.
- ↑ حسام الدين عفانه (29-4-2013)، "الضوابط الشرعية للتعامل مع أموال الأيتام "، ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.