كيف يعرف الإنسان أن الله يحبه

كيف يعرف الإنسان أن الله يحبه
(اخر تعديل 2024-05-17 05:45:01 )

محبة الله

تعتبر محبة الله -تعالى- من أعظم الأمور التي ينبغي أن تشغل تفكيرنا في هذه الحياة الدنيا، فيجب على كل مسلمٍ أن يُحبّ الله محبةً صادقةً ويترجم هذا الحب في الدنيا، فيحبّ رسل الله وأولياءه من المؤمنين، كما يترتّب عليه بغض المشركين والكفّار؛ لأنّهم أعداءٌ لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، ويسعى من يحبّ الله -تعالى- إلى تطبيق أوامره سبحانه، واجتناب نواهيه، واستشعار مراقبته، فيكون الله أحب إليه من كل ما سواه، قال تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّـهُ).[1][2]

كيف يعرف الإنسان أنّ الله يحبه

الحب من أسمى المشاعر التي جُبل عليها الإنسان، فلولا الحب والألفة بين الناس لما رغبنا في العيش في هذه الحياة الدنيا، ولكن هناك الأسمى من حب البشر لبعضهم البعض؛ ألا وهو حب ربّ البشر، والسبل للوصول إلى محبته عديدة منها؛ الإكثار من الطاعات، والالتزام بالعبادات، والابتعاد عن المعاصي والمحرّمات، والإحسان إلى الناس، والتعلّق بالآخرة، والزهد بالدنيا، واتّباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء بسنّته، وعدم الغفلة عن أداء الفرائض، والتزوّد بالنوافل، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيما يرويه عن ربه: (من عادى لي وليًّا فقَد آذنتهُ بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عَبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضت عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافل حتَّى أُحِبَّه)،[3] بالإضافة إلى محبّة الصالحين بعضهم بعضاً، فيلقي الله لمن يحب القبول في الأرض فيحبّه الناس ويكسب ودَّهم، ويرزقه الله رفيقاً من عباده الصالحين يذكّره بطاعته إذا غفِل عنها، وبالتوبة إذا اقترف ذنباً، ومن ذلك أيضاً التحلّي بالصبر عند الشدائد، قال تعالى: (وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)،[4] وكذلك حُسن معاملة الخلق قال تعالى: (وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)،[5][6] فهذه الأفعال تدلّ على اتصاف صاحبها بمحبة الله تعالى.

وإنَّ الله إذا أحبّ عبداً ابتلاه، فالبلاء هنا منحةٌ لا بدّ أن يستقبلها العبد بالقبول بقضاء الله، وعدم السخط، ومن الجدير بالذكر أن الغنى وكثرة المال ليست من علامات محبة الله للعبد، لأنَّ الله -سبحانه- يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، والدليل على هذا أنّ الرسول حبيب الرحمن عاش حياة الفقر، فالرضى دائماً بقضاء الله هو الخير بالتأكيد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ عِظم الجزاء مع عِظم البلاء؛ وإنَّ الله تعالى إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم، فمن رضيَ فله الرِّضى، ومن سخِط فله السُّخطُ)،[7][6] ومن العلامات أيضاً أن ينال الشخص توفيق الله في كل شؤون حياته وحفظ الله ورعايته، وحمايته من الدنيا وأعراضها إن كانت تفسده، فيصرف الله عنه مشاغلها ليظلّ قلبه نقيّاً من سفاهات الدنيا، ويقبل على ربه طاهراً صفياً، قال عليه الصلاة والسلام: (إذا أحبَّ اللهُ عبداً حماهُ في الدنيا كما يحمي أحدُكُم سقيمهُ الماء).[8][9]

وينال من أحبه الله النصر على أعدائه، فيعينه الله ويؤيّده، ويحفظ له جوارحه فلا يستعملها إلا فيما يرضيه، فلا يسمع إلا ما يحلّ استماعه، ولا يرى ببصره إلا ما يحل رؤيته، وهكذا مع بقية حواسّه وجوارحه، ومن أحبّه الله يكون دعاؤه مستجاب ويتلذّذ بمناجاة الله في خلواته،[9] فمحبة الله هي المنزلة التي تحلو فيها المنافسة بين الصالحين للفوز بها، فهي زادٌ للقلوب، وغذاءٌ للأرواح، وراحةٌ للنفوس، وبها تكون للحياة لذّةٌ، فالمحبة هي الرأس، والخوف والرجاء هما الجناحان، والعبد يسير إلى الله بالمحبة والخوف والرجاء، فمن أحبّه الله دبَّر له كل أموره، ويسَّر له كل شؤونه من غير ذلٍّ للخلق، و زرع الإيمان في قلبه، وأسكن الطمأنينة في نفسه، وجعل حياته سهلة بطاعة الله، فينشغل لسان العبد بذكر الله، وتكون كل طرقه في هذه الحياة الدنيا بما يُرضي الله، بحيث يكون أكبر همٍّ له في هذه الحياة نيل رضا الله ومحبّته، فينشغل بمحبة الله عن كل شيء.[10]

التعلق بالله

إن من الأمور الملازمة لمحبّة الله التعلّق به سبحانه، فلا بدّ أن تكون محبّتنا لله محبةً صادقةً، وكذلك لا بدّ أن تكون علاقة العبد الضعيف بربّه القوي كالطفل الصغير، فإذا أراد العبد أمراً يهرع إلى ربّه بالدعاء والمناجاة إليه، وإذا تعسّر عليه أمراً توسّل إليه، حيث يستشعر بوجوده معه في كل محنةٍ يتعرّض لها، فالله -سبحانه- لا يردّ الأيدي التي ارتفعت إليه بالدعاء، قال تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَـهٌ مَّعَ اللَّـهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)،[11] وقد خسر الدنيا وما فيها من ترك قلبه بعيداً عن حب الله ولم يعلّق قلبه بمحبّته، فمن أعجب الأمور أن يعرف الإنسان أنّ الله بيده تدبير أمره، وتيسير عُسره، وأنّه على كل شيءٍ قدير، وبيده مقاليد السماوات والأرض، وله الأسماء الحسنى والصفات الفضلى، ثمّ بعد كل هذا لا يحبّه، فالمتعلق بحبل الله ووصاله يعمل على رضاه من غير مقابل.[12]

ومن تعلّق بالله رفعه وأعزّه، وكان الله وليّه، وناصره، ووكيله، وحفيظه من كل شرٍّ ومكروهٍ، أما إذا تعلّق الإنسان بغير الله ذلَّت نفسه، فالمؤمن المتعلّق بالله يذكر الله بكل أحواله عندما يصبح وحين يمسي، ويتقرّب إليه -سبحانه- بالطاعات في جميع أوقاته حين يقوم وحين يرقد، فأولئك يكون سيماهم في وجوههم يشرقون نوراً وإيماناً، قال بعض العلماء: "ما أحب مؤمن ربه إلا تعلق بالله في كل شيءٍ يفعله ويقوله"، فيكون الله حسبه ووكيله، قال تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّـهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)،[13] وحتى يكون المرء ملتزماً بهذا لا بدّ أن تكون لديه همّةٌ عاليةٌ، فبها يكون العبد بجسده على الأرض وروحه وقلبه معلّقان بالله، ولا يلتفت إلى أمور الدنيا بما فيها؛ لأنَّ همّه أكبر من ذلك ألا وهو حب الله، ورضاه، والفوز بجنّته، ونيل رحمته ومغفرته.[14]

المراجع

  1. ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
  2. ↑ "معنى محبة الله"، www.binbaz.org.sa. بتصرّف.
  3. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
  4. ↑ سورة آل عمران، آية: 146.
  5. ↑ سورة آل عمران، آية: 134.
  6. ^ أ ب خالد البليهد، "علامات محبة الله لعبده"، www.saaid.net. بتصرّف.
  7. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2292، حسن.
  8. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن قتادة بن النعمان، الصفحة أو الرقم: 354، صحيح.
  9. ^ أ ب د. طه فارس (16-8-2017)، "علامات محبة الله للعبد"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2019. بتصرّف.
  10. ↑ خالد أبو شادي (25-1-2016)، "أعمال القلوب - (20) المحبة- علامات حب الله للعبد "، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-5-2019. بتصرّف.
  11. ↑ سورة النمل، آية: 62.
  12. ↑ "فوائد السلوك إلى الله"، www.nabulsi.com. بتصرّف.
  13. ↑ سورة الطلاق، آية: 3.
  14. ↑ "التعلق باللـه تعالى وحده"، www.knowingallah.com، 2012-8-25، اطّلع عليه بتاريخ 13-6-2019. بتصرّف.