أسرار قيام الليل والاستغفار
مشروعية قيام الليل ووقته
تواترت الأدلة من القرآن الكريم والسنّة النبوية على الحث على قيام الليل، والترغيب به، وبيان عظيم أجره وجزيل ثوابه، فهو سُنة مؤكّدة، تُعين المسلم على ترسيخ الإيمان، والقيام بجليل الأعمال، ودليل ذلك قوله تعالى: (قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا* نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا)،[1] وقد رَغَّب النبي -صلى الله عليه وسلم- بقيام الليل، وحثَّ عليه في أحاديثٍ كثيرةٍ منها قوله صلى الله عليه وسلم: (أفضلُ الصَّلاة بعد الفرِيضة صلاةُ اللَّيل)،[2][3] ويمكن أن تكون صلاة الليل في أول الليل، أو في أوسطه، أو في آخره، لكن أفضل أوقات قيام الليل على الإطلاق هو الثلث الأخير من الليل.[4]
أسرار قيام الليل
قيام الليل هو مدرسة المخلصين، وميّزة السابقين من الأولين والآخرين، الَّذين عرفوا أنّ الله -تعالى- يُوزّع عطاياه، ويُعطي من خزائن فضله في جوف الليل، فيصيب بها من تعرض لها، ويُحرم منها الغافلون النَّيام، والسبب الذي منع هؤلاء من ملذات الدنيا، وجعلهم يتركون راحة البدن بالنوم، هو معرفتهم بأسرار قيام الليل التي سيتم بيانها فيما يأتي:[5]
- قيام الليل سبب لجلب الرزق: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "وأربعة تجلب الرزق: قيام الليل، وكثرة الاستغفار بالأسحار، وتعاهد الصدقة، والذكر أول النهار، وآخره".
- قيام الليل سببٌ لاستجابة الدعاء ومغفرة الذنوب: ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (ينزلُ ربُّنا تبارك وتعالى كُلَّ ليلةٍ إلى السَّماء الدُّنيا حين يبقى ثُلُثُ اللَّيل الآخر، يقول: من يدعُوني؛ فأستجيب له، من يسألُني؛ فأُعطيه، من يستغفرُني؛ فأغفر له)،[6] ويُبيِّن الحديث أنّ الله -تعالى- يُحب من عباده القيام في الثلث الأخير من الليل، لأنّه أفضل الأوقات لطمأنينة القلب وعدم انشغاله بغير الله، ويُشجِّعهم على أن يسألوه من فضله، ويحثَّهم على القرب منه بمناجاته، حتى يُعطي كلاً منهم سؤله، ويَتفضَّل عليهم بإجابة دعائهم بكرمه وفضله جَلَّ في علاه، ويغفر ذنوبهم إذا استغفروه، فحرِيٌّ بمن تعاظمت ذنوبه، وكثُرت سيّئاته وظهرت عيوبه، أن يقف بين يدي ربه ويتلذذ بذكره، ويتمتع بالسجود بين يديه، فيترك فراشه، ويناجي وليّه وحبيبه، ويسأل الغفور أن يغفر له ويتوب عليه كما وعده.[7]
- قيام الليل علامة الصالحين وقُربَة إلى رب العالمين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهُو قربةٌ لكم إلى ربكم)،[8] وقد ورَد عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنّه كان يُقَسّم ليله إلى ثلاثة أجزاء؛ الأول منه يقرأ فيه القرآن، والثاني يُصلي فيه، والثالث ينام فيه.[7]
- قيام الليل يُبعد الأمراض عن الجسم: والتي من أهمها الكسل والعجز، كما إن المؤمن يجد بقيامه حلاوة في قلبه، ولذّة في نفسه.[9]
أمور تُعين المسلم على قيام الليل
هناك بعض الأسباب والأمور التي إذا قام بها العبد المؤمن يمكن أن تُعينه على قيام الليل، ومنها ما يأتي:[7]
- حب الله -تعالى- والشوق للقاءه ومناجاته.
- الإخلاص لله -تعالى- في العبادة.
- التعرف على أسرار قيام الليل وفضله.
- قراءة المعوذات الثلاث، وآية الكرسي، وأذكار النوم قبل النوم حتى لا يوسوس له الشيطان، وبذلك يستطيع الاستيقاظ لصلاة قيام الليل.
- مجاهدة النفس والشيطان حتى يتمكن من قيام الليل.
- تذكر الموت، وتقصير الأمل في الدنيا.
- اغتنام أوقات الفراغ والصحة.
- اجتناب الوقوع في المعاصي والذنوب، والحرص على النوم مبكراً ويكون على طهارة، ولا يشقّ على نفسه بالنهار بالإكثار من الأعمال.
تعريف الاستغفار ومشروعيته
الاستغفار يعني أن يطلب المسلم من الله أن يمحي ذنوبه ويستر عيوبه، ومن أسماء الله الحسنى الغفور؛ أي الذي يَتجاوز عن ذنوب عباده ويستر عيوبهم، وأصله في اللُّغة من المِغفر؛ أي: الساتر الحديدي الذي يضعه المقاتل على رأسه، ويجب على المستغفر أن يحرص على حضور قلبه وعقله عند الاستغفار، وقد ثبتت مشروعية الاستغفار والحث عليه في قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا).[10][11]
أسرار الاستغفار
الاستغفار من العبادات الخفيفة على اللسان، الثقيلة في الميزان، المطهِّرة من الخطايا والآثام، التي يتزوَّد بها المؤمن ليوم الحساب، لما لها من الفضائل، والفوائد، والأسرار التي سيتم بيانها فيما يأتي:[12]
- الاستغفار سبب لدخول الجنان: ودليل ذلك ذكر المستغفرون كصفة من صفات من يدخلون الجنّة في قوله تعالى: (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).[13]
- الزيادة في العقل والعلم والقوة عامةً: ودليل ذلك قوله -تعالى- على لسان سيدنا هود عليه السلام: (وَيا قَومِ استَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ يُرسِلِ السَّماءَ عَلَيكُم مِدرارًا وَيَزِدكُم قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُم).[14]
- البركة في الرزق ونزول المطر من السماء: إنّ المداومة على الاستغفار من شأنها أن تزيد الأرزاق من ثمرٍ ونَسلٍ وغيثٍ، كما قال الله -تعالى- على لسان نبيّه نوح عليه السلام: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا).[15]
- الحصول على المتاع الحسن: بمعنى أنّ الله -تعالى- يُمتِّع المستغفرين بنعمه بشكلٍ حسن؛ أي بدون منغّصات ومكدّرات، ويُبدِّل فقر المستغفر إلى غنى، وشقاءه إلى سعادة، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَأَنِ استَغفِروا رَبَّكُم ثُمَّ توبوا إِلَيهِ يُمَتِّعكُم مَتاعًا حَسَنًا).[16][17]
- تكفير الذنوب ومحو السيئات: ودليل ذلك قوله تعالى: (وَمَن يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّـهَ يَجِدِ اللَّـهَ غَفُورًا رَّحِيمًا)،[18] وتوضح الآية الكريمة أنّ المستغفر يجد نتيجة المغفرة في نفسه مباشرةً، وذلك بكراهية الذنب، والرغبة بالعمل الصالح الذي يُطَهِّر النفس، ولقد حثنا النبي -صلى الله عليه وسلم- على الإكثارمن الاستغفار، فقد كان يستغفر في اليوم مئة مرة، ونجد السَّلَف الصالح يحرصون على الاستغفار بالأسحار، وورَد عن بعضهم أنّه كان يستغفر لكل ذنب مئة ألف مرة.[17]
- سبب لدفع البلاء والحماية من العقوبة والعذاب: خاصةً إذا كان من قلب مؤمنٍ مخلصٍ موقن بوعد الله -تعالى- برفع النقم، والفتن، والمحن عن الأفراد والبلاد، بدليل قول الله تعالى: (وَما كانَ اللَّـهُ مُعَذِّبَهُم وَهُم يَستَغفِرونَ).[19][17]
- الاستغفار يكمل العبادات ويجبر النقص الحاصل فيها: لذلك نجد أنّ من السنة الاستغفار بعد العبادات، كالوضوء، والصلاة، والدخول والخروج من المسجد.[20]
المراجع
- ↑ سورة المُزَّمِّل، آية: 2-3.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1163، صحيح.
- ↑ "ثواب قيام الليل"، www.islamqa.info، 29-9-2006، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.
- ↑ د. سعيد القحطاني، قيام الليل، الرياض: سفير، صفحة 14. بتصرّف.
- ↑ أحمد الشيخلي، "أسرار قيام الليل"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1145، صحيح.
- ^ أ ب ت عبد الله الطيار (11-8-2010)، "قيام الليل والتهجد بالأسحار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 27-3-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح ابن خزيمة، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 1135، حسن.
- ↑ محمد الرومي (2013)، قيام الليل (الطبعة الأولى)، الرياض-السعودية: دار كنوز إشبيليا، صفحة 140. بتصرّف.
- ↑ سورة نوح، آية: 10.
- ↑ هشام المحجوبي، ووديع الراضي (3-9-2015)، "معنى الاستغفار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-3-2019. بتصرّف.
- ↑ هشام المحجوبي، ووديع الراضي (10-6-2014)، "استثمار العبد البار في الاستغفار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-3-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 18.
- ↑ سورة هود، آية: 52.
- ↑ سورة نوح، آية: 10-12.
- ↑ سورة هود، آية: 3.
- ^ أ ب ت محمد قشلان (11-11-2017)، "مناجم الأسرار في فضل الاستغفار"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 28-3-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 110.
- ↑ سورة الأنفال، آية: 33.
- ↑ "عجائب الاستغفار"، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 3-4-2019. بتصرّف.