تعامل الرسول مع أصحابه
الرسول
ميّز الله تعالى محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- بالعديد من الخصائص، التي دلّت على عظم قدره، وعلوّ مكانته عند رب العالمين، وبيّنت عظيم فضله على البشر كافّةً، وعلى الأنبياء والمرسلين، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (أنا سيدُ القومِ يومَ القيامةِ)،[1] فالرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- خليل الرحمن، وسيّد الأنبياء والمرسلين، وصاحب المقام المحمود، وأول شفيعٍ، وأول من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، مصداقاً لقول الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ).[2][3]
تعامل الرسول مع أصحابه
ميّز الله -تعالى- نبيه محمّداً -صلّى الله عليه وسلّم- على سائر البشر بكمال الأخلاق، التي ظهرت جليّةً في حياته، وتعاملاته، ومواقفه مع أصحابه من تواضعٍ، ورحمةٍ، وإحسانٍ، وفيما يأتي بيانٌ لبعضٍ منها:
تواضع االنبي
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مثالاً يُقتدى به بحُسن الخلق، حيث ضرب أروع الأمثلة في التواضع لأصحابه رضي الله عنهم، فكان بعيداً كلّ البعد عن الكِبر، والبطر، وكان يخفض جناحه للصحابة رضوان الله عليهم، ولا يعلو عليهم، بل كان يجلس بينهم كواحدٍ منهم، لا يُميّز مجلسه من بين أصحابه، فقد كان يجلس حيث ينتهي به المجلس، ويجلس بين ظهرانيهم حتى إنّ الغريب لا يميّز الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من بينهم، فيسأل عنه، حيث روى أبو داوود عن أبي هريرة وأبي ذر -رضي الله عنهما- قالا: (كان رسولُ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم يَجْلِسُ بينَ ظهرَيْ أصحابِه، فيجيءُ الغريبُ، فلا يدري أيُّهم هو، حتى يسألَ، فطلَبْنا إلى رسولِ اللهِ صلّى الله عليه وسلّم: أن نَجْعَلَ له مجلساً يَعْرِفُه الغريبُ إذا أتاه)،[4] ومن أبرز صور تواضع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- مع أصحابه، تفقّده لأحوال أصحابه رضي الله عنهم، وزيارتهم، بل حتى خدمتهم في بعض الأحيان، بالإضافة إلى تفّقدهم في الغزوات والمعارك، فقد روى الإمام مسلم عن أبي بزرة أنّه قال: (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان في مغزًى لهُ فأفاء اللهُ عليهِ فقال لأصحابِه هل تفقدون من أحدٍ؟ قالوا: نعم فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال: هل تفقدون من أحدٍ؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال هل تفقدون من أحدٍ؟ قالوا: لا، قال: لكني أفقدُ جليبيباً).[5][6]
تعامل النبي مع المخطئ
كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالنسبة لأصحابه -رضي الله عنهم- النبي الهادي، والقائد العظيم، والمربي العطوف، حيث كثُرت الروايات التي دلّت على رفق النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه حتى عندما كانوا يخطئون، فقد رُوي أنّ أعرابياً دخل إلى المسجد والنبي -عليه الصلاة والسلام- جالسٌ بين أصحابه رضي الله عنهم، فقال ذلك الأعرابي: (اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً)، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لقد تَحجَّرتَ واسعاً)،[7] وبعدها بدقائقٍ شعر الأعرابي بالحاجة إلى قضاء حاجته، فذهب إلى زاوية المسجد وتبوّل داخل المسجد، ولمّا رأى الصحابة -رضي الله عنهم- فعلته الشنيعة أسرعوا إليه غاضبين، وكلّهم يريدون تأديبه، ولم يدركوا أنّه جاهلٌ بأحكام المسجد، وشروط صحة الصلاة، والطهارة، وعندما رأى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم موقف الصحابة رضي الله عنهم تجاه فعل الأعرابي، حيث كان النبي يعلم أنّ مثل هذا الأعرابي يجهل أحكام الصلاة، والمساجد، وأنّه لم يقصد إهانة المسجد، أو هتك حُرمته، قال لهم: (لا تُزْرِمُوه، دَعُوهُ)،[8] حتى لا يتضرّر ذلك الأعرابي بحبس بوله، ثمّ أرشدهم إلى حل تلك المشكلة، وأمرهم بأن يُريقوا مكان النجاسة دلواً من الماء، ثمّ ذكرهم بأنّهم بُعثوا ميسرين ولم يُبعثوا معسرين، وبعد أن أتمّ الرجل حاجته دعاه النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له: (إنّ هذه المساجدَ لا تَصْلُحُ لشيءٍ من هذا البولِ ولا القَذَرِ، إنما هي لِذِكرِ اللهِ عز وجل، والصلاةِ، وقِراءةِ القرآنِ)،[8] ومن أبرز المواقف التي تدلّ على رفق النبي -عليه الصلاة والسلام- مع المخطىء، ردّه على الشاب الذي جاء يستأذنه بأن يسمح له بالزنا، فلم يُعنّفه، ولم يوبّخه، ولم يضربه، ولم يهينه، على الرغم من بشاعة طلب الشاب، وهيبة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- وعظم مكانته، فقد علم الرسول أنّ مشكلة ذلك الشاب وانحرافه لا تُحلّ بالقسوة والعنف، فخاطب فيه الغيرة الممدوحة، حيث قرّبه إليه، ثمّ قال له: (أتحبُّهُ لأُمِّكَ؟ فتحركت مشاعر الغيرة عند ذلك الشاب وقال: لاواللَّهِ جعلَني اللَّهُ فداءَكَ، فقال له: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لأمَّهاتِهِم)،[9] ثمّ استمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- باستثارة كوامن الغيرة في صدر الشاب، إلى أن استطاع أن يُطهّر قلبه ممّا فيه من الدخن، ويطفىء نار شهوته، من خلال ذكر محارمه، بقول: (أتحبّه لأمك، أتحبّه لأختك، أتحبه لعمتك)، حتى استقبح الشاب الزنا، لمّا تصوّر وقوعه في أهله، وفي تلك اللحظة وضع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يده عليه، ودعا له قائلاً: (اللَّهمَّ اغفِرْ ذنبَهُ وطَهِّر قلبَهُ، وحصِّن فَرجَهُ)،[9] فلم يلتفت الفتى بعد ذلك إلى شيءٍ من المحرّمات.[10]
رحمة النبي
بُعث رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بالرحمة الشاملة للإنس والجن، حيث قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)،[11] ومن أبرز صور رحمته بأصحابه -رضي الله عنهم- أنّه كان يكره تعبهم، ومشقّتهم، فكان يشعر بالمشاقّ والمتاعب الواقعة عليهم كأنّها واقعةٌ عليه، فمن أجل ذلك كان إذا خُيّر بين أمرين إلّا واختار أيسرهما ما لم يكن فيه إثم، بالإضافة إلى أنّ الرسول كان يقضي ديون المدينين من أصحابه -رضي الله عنهم- من بيت مال المسلمين، وإذا نزلت في بعضهم مسغبةٍ أو نزلت بهم فاقة سارع لرفع ما حلّ بهم من الجوع، والفقر.[12]
المراجع
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3340، صحيح.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 6.
- ↑ "فضائل النبي -صلى الله عليه وسلم-"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي ذر وأبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4698، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أي برزة الأسلمي، الصفحة أو الرقم: 2472، صحيح.
- ↑ "نماذج مِن تواضع النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-"، dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 12/244، صحيح.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 285، صحيح.
- ^ أ ب رواه الوادعي، في الصحيح المسند، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 501، صحيح.
- ↑ "رحمة النبي في التعامل مع المخطئ"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الأنبياء، آية: 107.
- ↑ "من مظاهر رحمته -صلى الله عليه وسلم-"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-11-2018. بتصرّف.