قصيدة للشافعي
محمد بن إدريس الشافعي، من أعظم الأئمة وأكثرهم قدراً، اشتهر بعلمه وذكاءه، ومن أبرز أخلاقه التواضع والكرم والورع، كتب العديد من القصائد المعبرة لهذا أردنا هنا أن نبرز جانب من هذه القصائد.
قصائد للشافعي
متى يكون السكوت من ذهب
إذا نطق السفيه فلا تجبهفخير من إجابته السكوت
فإن كلمته فرّجت عنهوإن خليته كمدا يموت
لا تيأسن من لطف ربك
إن كنت تغدو في الذنوب جليداوتخاف في يوم المعاد وعيدا
فلقد أتاك من المهيمن عفوهوأفاض من نعم عليك مزيدا
لا تيأسن من لطف ربك في الحشافي بطن أمك مضغة ووليدا
لو شاء أن تصلى جهنم خالداما كان أَلْهمَ قلبك التوحيدا
التوكل على الله
توكلت في رزقي على الله خالقيوأيقنت أن الله لا شك رازقي
وما يك من رزقي فليس يفوتنيولو كان في قاع البحار العوامق
سيأتي به الله العظيم بفضلهولو، لم يكن من اللسان بناطق
ففي اي شيء تذهب النفس حسرةوقد قسم الرحمن رزق الخلائق
السكوت سلامة
قالوا اسكت وقد خوصمت قلت لهم
إن الجواب لباب الشر مفتاح
والصمت عن جاهلٍ أو أحمقٍ شرف
وفيه أيضاً لصون العرض إصلاح
أما ترى الأسد تخشى وهي صامتة
والكلب يخسى لعمري وهو نباح
دعوة إلى التنقل والترحال
ما في المقام لذي عقل وذي أدبمن راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضا عمن تفارقهوانْصَبْ فإن لذيذ العيش في النَّصب
إني رأيت ركود الماء يفسدهإن ساح طاب وإن لم يجر لم يطب
والأسد لولا فراق الغاب ما افترستوالسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمةلملَّها الناس من عجم ومن عرب
والتِّبرُ كالتُّرب مُلقى في أماكنهوالعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرّب هذا عَزّ مطلبهوإن تغرب ذاك عزّ كالذهب
لما عفوت ولم أحقد
لَمَّا عَفَوْتُ وَلَمْ أحْقِدْ عَلَى أحَدٍأرحتُ نفسي من همَّ العداواتِ
إنِّي أُحَيي عَدُوِّي عنْدَ رُؤْيَتِهِلأدفعَ الشَّرَّ عني بالتحياتِ
وأُظْهِرُ الْبِشرَ لِلإِنْسَانِ أُبْغِضهُكما إنْ قدْ حَشى قَلْبي مَحَبَّاتِ
النَّاسُ داءٌ وَدَواءُ النَّاسِ قُرْبُهُمُوفي اعتزالهمُ قطعُ المودَّاتِ
فتنة عظيمة
فساد كبير عالم متهتكوأكبر منه جاهل متنسك
هما فتنة في العالمين عظيمةلمن بهما في دينه يتمسك
لما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبيجعلت الرجا منى لعفوك سلما
تعاظمنى ذنبي فلما قرنتهبعفوك ربي كان عفوك اعظما
فما زلت ذا عفوعن الذنب لم تزلتجود وتعفو منة وتكرما
فلولاك لما يصمد لا بليس عابدفكيف وقد اغوى صفيك ادما
فلله در العارف الندب انهتفيض لفرط الوجد اجفانه دما
يقيم اذا ما الليل مد ظلامهعلى نفسه من شدة الخوف مأتما
فصيحا اذا ماكان في ذكر ربهوفي ماسواه في الورى كان اعجما
ويذكر اياما مضت من شبابهوماكان فيها بالجهالة اجرما
قصار قرين الهم طول نهارهأخا الشهد والنجوى اذا الليل اظلما
يقول حبيبي انت سؤلى وبغيتىكفى بك للراجين سؤلا ومغنما
الست الذي غذيتنى وهديتنىولازلت منانا على ومنعما
عسى من له الاحسان يغفر زلتىويستر اوزارى وما قد تقدما
العيب فينا
نعيب زماننا والعيب فيناوما لزمانا عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنبولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئبويأكل بعضنا بعضا عيانا
الضرب في الأرض
سأضرب في طول البلاد وعرضهاأنال مرادي أو أموت غريبا
فإن تلفت نفسي فلله درهاوإن سلمت كان الرجوع قريباً
مناجياً رب العالمين
قلبي برحمتك اللهم ذو أنسفي السر والجهر والإصباح والغلس
ما تقلبت من نومي وفي سنتيإلا وذكرك بين النفس والنفس
لقد مننت على قلبي بمعرفةبأنك الله ذو الآلاء والقدس
وقد أتيت ذنوبا أنت تعلمهاولم تكن فاضحي فيها بفعل مسي
فامنن علي بذكر الصالحين ولاتجعل علي إذا في الدين من لبس
وكن معي طول دنياي وآخرتيويوم حشري بما أنزلت في عبس
الله حسبي
أنت حسبي وفيك للقلب حسب وبحسبي إن صح لي فيك حسب
لا أبالي متى ودادك لي صح من الدهر ما تعرض لي خطب
عدو يتمنى الموت للشافعي
تمنى رجال أن أموت، وإن أمتفتلك سبيل لست فيها بأوحد
وما موت من قد مات قبلي بضائرولا عيش من قد عاش بعدي بمخلد
لعل الذي يرجو فنائي ويدّعيبه قبل موتي أن يكون هو الردى
آداب التعلم
إصبر على مر الجفا من معلمفإن رسوب العلم في نفراته
ومن لم يذق مر التعلم ساعةتجرع ذل الجهل طول حياته
ومن فاته التعليم وقت شبابهفكبر عليه أربعا لوفاته
وذات الفتى والله بالعلم والتقىإذا لم يكونا لا اعتبار لذاته
الحكمة
دع الأيام تفعل ما تشاءوطب نفسا إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة اللياليفما لحوادث الدنيا بقاء
وكن رجلا على الأهوال جلداوشيمتك السماحة والوفاء
وإن كثرت عيوبك في البراياوسرك أن يكون لها غطاء
تستر بالسخاء فكل عيبيغطيه كما قيل السخاء
ولا تر للأعادي قط ذلافإن شماتة الأعدا بلاء
ولا ترج السماحة من بخيلفما في النار للظمآن ماء
ورزقك ليس ينقصه التأنيوليس يزيد في الرزق العناء
ولا حزن يدوم ولا سرورولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوعفأنت ومالك الدنيا سواء
ومن نزلت بساحته المنايافلا أرض تقيه ولا سماء
وأرض الله واسعة ولكنإذا نزل القضا ضاق الفضاء
دع الأيام تغدر كل حينفما يغني عن الموت الدواء
دعوة إلى التعلم
تعلم فليس المرء يولد عالماوليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عندهصغير إذا التفت عليه الجحافل
وإن صغير القوم إن كان عالماكبير إذا ردت إليه المحافل
أحب من الإخوان كل مواتي
أحب من الإخوان كل مُوَاتي
وكل غضيض الطرف عن عثراتي
يوافقني في كل أمر أريده
ويحفظني حيًّّا وبعد مماتي
فمن لي بهذا؟ ليت أني أصبته
لقاسمته مالي من الحسنات
تصفحت إخواني فكان أقلهم
على كثرة الإخوان أهلُ ثِقاتي
قلة الإخوان عند الشدائد
ولما أتيت الناس أطلب عندهمأخا ثقةٍ عند أبتداء الشدائد
تقلبت في دهري رخاء وشدةوناديت في الأحياء هل من مساعد
فلم أر فيما ساءني غير شامتٍولم أر فيما سرني غير جامد
إدراك الحكمة ونيل العلم
لا يدرك الحكمة من عمرهيكدح في مصلحة الأهل
ولا ينال العلم إلا فتىخال من الأفكار والشغل
لو أن لقمان الحكيم الذيسارت به الركبان بالفضل
بُلي بفقر وعيال لمافرق بين التبن والبقل
يا واعظ الناس عما أنت فاعله
يا واعظ الناس عما أنت فاعلهيا من يعد عليه العمر بالنفس
إحفظ لشيبك من عيب يدنسهإن البياض قليل الحمل للدنس
كحامل لثياب الناس يغسلهاوثوبه غارق في الرجس والنجس
تبغي النجاة ولم تسلك طريقتهاإن السفينة لا تجري على اليبس
ركوبك النعش ينسيك الركوب علىما كنت تركب من بغل و من فرس
يوم القيامة لا مال ولا ولدوضمة القبر تنسي ليلة العرس
الصديق الصدوق
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلفافدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحةوفي القلب صبر للحبيب وإن جفا
فما كل من تهواه يهواك قلبهولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعةفلا خير في ود يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليلهويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهدهويظهر سرا كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بهاصديق صدوق صادق الوعد منصفا