-

موضوع عن غزوة بدر

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

أسباب غزوة بدر

عندما هاجر الرسول -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون إلى المدينة المنورة؛ بدأوا في تأسيس الدولة إسلامية في ظلّ مخاطر وتهديداتٍ متتابعة من أهل الكفر والطغيان من قريش الذين كانوا يُحرّضون العرب كلّهم ضدّ المسلمين في المدينة المنورة، وفي هذه الظروف أذِن الله -تعالى- للمسلمين بالقتال؛ لإزاحة الباطل وإقامة شعائر الإسلام، وقد كانت البداية حينما خرج المسلمون للقاء قافلة أبو سفيان، لكنّهم لم يكونوا خارجين للقتال، ولكن أراد الله -سبحانه- لهم النصر والعزّة للإسلام واستئصال شوكة الكفر، فكانت غزوة بدر التي عُرفت بيوم الفرقان؛ لأنّها أوّل غزوةٍ وقعت بين الحق والباطل في الإسلام، وقد وقعت هذه المعركة العظيمة في السابع عشر من شهر رمضان من العام الثاني للهجرة، وكان قد اتّبع النبي -صلى الله عليه وسلم- سياسةً حكيمةً في القتال تقوم على ما يأتي:[1]

  • إضعاف القوة الاقتصادية لقبيلة قريش: وذلك من خلال الإغارة على قوافلها التجارية المتّجهة إلى الشام، حتى إنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- اشترك ببعض هذه السرايا بنفسه منها؛ غزوة الأبواء، وبواط.
  • استخدام سلاح الاستخبارات، وبثّ العيون: لتنقل له أخبار حركة القوافل التجارية، وقد نقلت له هذه الاستخبارات أنّ قافلة أبي سفيان راجعةٌ من الشام، وهي محمّلةٌ بثروةٍ هائلة تقدّر بألف بعير، فحثَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين على الخروج معه وأخذ هذه القافلة، حتى تكون ضربة تقصم قريش، لكنه لم يُجبر أحداً على الخروج، ومع ذلك اجتمع عنده ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً معظمهم من الأنصار، ولم يكن من بينهم سوى فارسين هما الزبير والمقداد، وباقي الجيش يسيرون مشياً على الأقدام يتعاقب كل ثلاثةٍ منهم على بعيرٍ واحدٍ، بينما بلغت أعداد جيش المشركين ألف وثلاثمئة، من بينهم مئة فارس، وستمئة درع.

أحداث غزوة بدر

قبل أن يبدأ النبي -صلى الله عليه وسلم- في خوض المعركة استشار أصحابه، فتكلّم المهاجرون، وأحسنوا القول، ثمّ استشارهم ثانيةً، فتكلّموا وأحسنوا القول أيضاً، ثمّ استشارهم ثالثةً، ففهمت الأنصارُ أنّه يَعنيهم، فبادر سعد بن معاذ -رضي الله عنه- وأجاب جواباً حسناً، ثمّ أجاب المقداد بأنّهم لن يقولو له كما قال قوم موسى لسيدنا موسى عليه السلام كما في قوله تعالى: (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ)،[2] ولكنهم سيقاتلون معه، ويكونون معه عن يمينه وعن شماله، ومن بين يديه ومن خلفه، فاستبشر وجه النبي -صلى الله عليه وسلم- بما سمعه، وبشّرهم بأنّ الله قد وعده إحدى الطائفتين، وأنّه قد رأى مصارع المشركين،[3] وسار الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل في مكانٍ قريبٍ من مياه بدر، وقال: (أشيروا عليَّ في المنزل)،[4] فأشار عليه الصحابي الحباب بن المنذر رضي الله عنه -وكان عالماً بالمنطقة- أن ينزلو في مكانٍ يُمكّنهم من التحكّم بمصادر المياه.[5]

وقد كانت المبارزة أوّل شيءٍ بدأ فيه القتال في بدر حيث عادة العرب في المعارك، فخرج من المشركين عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة يطلبون المبارزة، وبرز إليهم من المسلمين عليٌّ بن أبي طالب، وحمزة بن عبد المطلب، وعبيدة بن الحارث رضي الله عنهم، فقتلوهم، ثمّ أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه أن يتبعوا طريقةً جديدةً في القتال وهي الرمي بالنُبُل قبل المقاتله بالسيوف، حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إِذا أكثبُوكُم فَارمُوهُم، واستبقُوا نبلكُم)،[6] وقد اشتدّ القتال، وأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء والابتهال حتى أرشده جبريل -عليه السلام- بأن يأخذ قبضةً من التراب وينثرها في وجوه المشركين، فلم يبقَ منهم أحدٌ إلا أصابه هذا التراب في عينيه، فولّوا مدبرين.[7]

نتائج غزوة بدر

ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة للقائد الناجح في غزوة بدر، فقد استشار جنده، وبشّرهم بالنصر، وبثّ الثقة فيهم، ودعا لهم، واحترم آراءهم الخبيرة والمفيدة، حيث انتهت الغزوة بانتصار المسلمين، وقد قُتل منهم أربعة عشر شهيداً، وقُتل من جيش المشركين سبعون، وأُسِر منهم سبعون، وقد افتدى الأغنياء من المشركين أسراهم بالمال ونحوه، وأصدر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عفواً عن الأسرى الفقراء، وجعل فداء المتعلمين منهم تعليم أطفال المسلمين القراءة والكتابة، ونزلت بعد ذلك آيات في سورة الأنفال تتناول غزوة بدر، وتستنكر على الصحابة -رضوان الله عليهم- اختلافهم على الأنفال، وتُركّز على سلبيات غزوة بدر ليحاول المسلمون تفادي هذه السلبيات في المعارك القادمة.[8]

دروس وعبر مستفادة من غزوة بدر

كانت غزوة بدر آيةً وعلامةً دالة على قدرة رب العالمين في إحقاق الحق وإبطال الباطل، وهدم موازين البشر التي تقول: أنّ الغلبة للقوة والعُدّة فقط، لذلك يستطيع المسلم أن يستفيد من غزوة بدر الدروس والعبر الآتية:[9]

  • حقيقة النصر من عند الله تعالى: فالله -سبحانه- هو الناصر والنصير، ولا يكون النصر إلا من عند الله دون غيره، فهو ذو العزة التي لا تُرام، والحكيم فيما شرعه من قتال الكفار مع قدرته على تدميرهم، وإهلاكهم بحوله وقوّته سبحانه، وكل ذلك من شأنه أن يُعلّم المسلم أن يعتمد على الله وحده، ويفوّض أمره له وحده دون أن يُهمل الأخذ بالأسباب.
  • عقيدة الولاء والبراء من فقه الإيمان: فقد تجلّت هذه الحقيقة في ميدان غزوة بدر؛ حيث التقى الآباء مع الأبناء والإخوة مع إخوانهم، والأبناء مع أعمامهم وأخوالهم، فلم يمنعهم ذلك من نصرة الحق والدين؛ لأنّ الرابطة التي تربطهم لم تعد رابطة الوطن، والعرق، والدم، واللون، واللغة كما كانت في الجاهلية، وإنّما أصبحت رابطة الإيمان بالله تعالى.
  • الدعاء من أعظم أسباب النصر على الأعداء: فقد قال تعالى: (إِذ تَستَغيثونَ رَبَّكُم فَاستَجابَ لَكُم أَنّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفينَ)،[10] وقد علَّمَّنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ندعو الله تعالى، ونستغيث به في حالة الكرب، كما فعل -صلوات الله عليه- في غزوة بدر.
  • الإخلاص والصدق من أسباب النصر على الأعداء: لأنّ الله -تعالى- ينصر من ينصره، وهذا ما حدث في غزوة بدر، فإنّ المؤمنين لمّا صدقوا مع الله، وأخلصوا له كان النصر حليفهم.
  • الشيطان يزيّن للإنسان المعاصي، ويحسّنها له، فإذا وقع فيها تخلّى عنه: وهذا ما فعله مع المشركين في غزوة بدر، فقد زيّن لهم الخروج لحرب النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمّ تولى عنهم.
  • الوفاء بالعهد من صفات المؤمنين: وقد حثّ عليه الله، ورسوله صلى الله عليه وسلم.
  • قد يكره المؤمن الشيء ويكون خيراً له: وهذا ما حدث في غزوة بدر، حيث كره فريقٌ من المؤمنين المواجهة مع المشركين في المعركة، ولم يتهيّؤوا لها لا بالعدد ولا بالعدة، وقد جعل الله فيها خيراً كثيراً، فقد كانت ضربةً قاصمةً لقريش.
  • النصر بالملائكة ليس خاصاً بغزوة بدر وأهلها: وإنّما هو عامٌ لكل من جمع شروط النصر بالملائكة وهي؛ الإيمان، والصبر، والتقوى.
  • الانتصار يكون للمتّقين: لكن عند غياب التقوى، فيكون الانتصار للأقوى.

المراجع

  1. ↑ "غزوة بدر الكبرى .. يوم الفرقان"، www.islamstory.com، 12-1-2011، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019. بتصرّف.
  2. ↑ سورة المائدة، آية: 24.
  3. ↑ ابن قيم الجوزية (1994)، زاد المعاد في هدي خير العباد (الطبعة السابعة والعشرون)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 156، جزء 3. بتصرّف.
  4. ↑ رواه ابن العربي، في أحكام القرآن، الصفحة أو الرقم: 1/391، ثابت.
  5. ↑ ابن هشام (1955)، السيرة النبوية (الطبعة الثانية)، مصر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، صفحة 620، جزء 1. بتصرّف.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي أُسيدٍ، الصفحة أو الرقم: 3984، صحيح.
  7. ↑ أحمد باوزير (1980)، مرويات غزوة بدر (الطبعة الأولى)، المدينة المنورة-السعودية: مكتبة طيبة، صفحة 200-217. بتصرّف.
  8. ↑ محمد ياقوت، "غزوة بدر الكبرى .. وعلاقة القائد بجنده"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019. بتصرّف.
  9. ↑ مراد سلامة (23-6-2016)، "معجزات ودروس غزوة بدر (خطبة)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 24-5-2019. بتصرّف.
  10. ↑ سورة الأنفال، آية: 9.