-

موضوع عن غزوة أحد

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

أسباب غزوة أحد

كان كفار قريش يحترقون في مكة غيظاً من المسلمين على ما فعلوه بهم في معركة بدر، فقد أُصيبت قريشٌ فيها بمأساة الهزيمة، وقُتل فيها صناديدها وساداتها، وكانت نفوس المشركين تشتعل بنار الانتقام، وأخذ الثأر لقتلاهم، حتى إن قريشاً منعت الناس من البكاء على قتلاهم، ومنعت الناس من الاستعجال في فداء الأسرى، حتى لا يشعر المسلمون بمدى ألمهم وحزنهم، واتّفقت قريشٌ على أثر غزوة بدرٍ أن تقوم بحربٍ شاملةٍ ضدّ المسلمين؛ حتى تشفي غيظها وغضبها، وتروي غليلها، وبدأت قريش بالاستعداد والتجهيز لقتال المسلمين، وكان أكثر زعماء قريش رغبةً في قتال المسلمين هم: عكرمة بن ابي جهل، وصفوان بن أمية، وأبو سفيان بن حرب، وعبد الله بن أبي ربيعة، وأول ما فعله زعماء قريشٍ أنهم احتجزوا القافلة التجارية التي نجا بها أبو سفيان بن حرب من المسلمين، والتي كانت السبب لمعركة بدر، وخاطبوا من كانت أموالهم في القافلة قائلين: إن محمداً قد وَتَرَكم، وقتل خياركم، فأعينونا بهذا المال على قتاله، لعلّنا أن نأخذ منه ثأرنا بمن قتلهم منَّا، فأجابهم الناس لذلك، وكانت قافلة قريش مكوّنةً من ألف بعيرٍ، إضافةً إلى خمسين ألف دينار، وأنزل الله -تعالى- في ذلك قوله: (إِنَّ الَّذينَ كَفَروا يُنفِقونَ أَموالَهُم لِيَصُدّوا عَن سَبيلِ اللَّـهِ فَسَيُنفِقونَها ثُمَّ تَكونُ عَلَيهِم حَسرَةً ثُمَّ يُغلَبونَ).[1][2]

تجهّزت قريش لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعثت أُناساً يسيرون في القبائل العربية يدعونهم إلى نصرتهم، والقتال معهم، وذهب صفوان بن أمية إلى أبي عَزَّة الجُمَحي فقال له: يا أبا عَزَّة إنك امرؤٌ شاعر، فأعِنَّا بشعِرك، واخرج معنا، فرفض وقال: تفضّل عليَّ محمدٌ يوم بدر، وعاهدته ألا أُناصر عليه عدواً أبداً، وإني حافظٌ عهده، فقال له صفوان: اخرج معنا، ولك عهدي إن عدت أن أُغنيك، وإن قُتلت أن أجعل بناتك مع بناتي، يُصيبهنَّ ما أصاب بناتي من خيرٍ أو شرٍّ، فانطلق أبو عَزَّة، ومُسافع بن عبد مناف، وهُبيرة بن أبي وهب يستنفرون قبائل بني كِنانة وأهل تِهامة بأشعارهم وقصائدهم، ويُحرِّضونهم ويدعونهم إلى قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا جُبير بن مُطعِم غلاماً له من الحبشة يُسمّى وحشياً، وكان يُجيد الرميَّ بالحربة، وقلَّما يُخطئ هدفه، فقال له: اذهب مع الناس، فإن قتلت حمزة عمَّ محمد؛ لأنه قتل عمِّي طُعيمة بن عدي يوم أحد، فأنت حرٌّ طليق.[3]

أحداث غزوة أحد

الاستعداد للقتال

بلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر استعداد قريش، وخروجها لقتال المسلمين من كتابٍ بعثه إليه عمّه العباس بن عبد المطلب الذي لم يخرج مع المشركين معتذراً بما أصابه يوم بدر، ولما وصلت الأنباء باقتراب جيش المشركين من المدينة المنورة، جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه وأخبرهم أمر قريش، وأشار عليهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن يبقوا داخل المدينة، وينتظروا دخول المشركين عليهم حتى يُقاتلوهم، وذهب إلى هذا الرأي شيوخ المهاجرين والأنصار، وكذلك عبد الله بن أُبي، وأما شباب المسلمين وخصوصاً من لم يشهد بدراً منهم فقد أشاروا بالخروج لقتال المشركين، ووافقهم على ذلك حمزة بن عبد المطلب، وما زال هؤلاء بالنبي -صلى الله عليه وسلم- حتى نزل على رأيهم.[4]

صلّى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالناس الجمعة في العاشر من شوال، ودعاهم في خطبته إلى الصبر والثبات، ثم دخل بيته، ولبس درعه، وحمل سيفه، وألقى ترسه وراء ظهره، ورأى بعض الصحابة أنهم استكرهوا النبي -صلى الله عليه وسلم- على الخروج، فقالوا له: يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نتّبع رأيك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ينبَغي لنبيٍّ أن يضعَ أداتَهُ بعدَ أن لبسَها حتَّى يَحكُمَ اللَّهُ بينَهُ وبينَ عدوِّهِ)،[5] وأعطى لواء المهاجرين لمصعب بن عمير، ولواء الخزرج للحبّاب بن المنذر، ولواء الأوس لأسيد بن الحضير، وخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- من المدينة بألف رجلٍ، فلمّا بلغ منطقة رأس الثنية ردَّ من كان معه من اليهود، وردَّ من كان صغير السنّ، ثم تخلَّف عبد الله بن أُبيّ مع ثلاثمئة من أصحابه، ثم سار جيش المسلمين حتى نزلوا الشِعب من أُحد، وجعلوا الجبل خلف ظهورهم، والمدينة في وجههم.[4]

المواجهة والقتال بين الكفار والمسلمين

لما أصبح يوم السبت استعدّ النبي -صلى الله عليه وسلم- للقتال، ومعه سبعمئة رجلٍ، منهم خمسون فارساً، وجعل عبد الله بن جبير أميراً على الرماة، وأمرهم أن يلزموا مكانهم، ولا يُفارقوه أبداً، وكانوا خلف الجيش، وأمرهم أن يرموا المشركين بالنبل؛ حتى لا يأتوا المسلمين من ظهورهم، وتعبّأت قريش للقتال، وهم ثلاثة آلاف رجلٍ، وفيهم مِئَتا فارسٍ، وجعلوا على ميمنة الجيش خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل، ثم بدأ القتال، واشتدت المعركة، وأبلى الصحابة -رضوان الله عليهم- بلاءاً حسناً، وكانت الغلبة في أوّل النهار للمسلمين على الكفار، وانهزم المشركون، وولّوا مدبرين، فلمّا رأى الرماة انهزام المشركين وفرارهم؛ تركوا مكانهم الذي أمرهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحمايته، وانطلقوا يطلبون الغنيمة، فذكّرهم قائدهم بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يستجيبوا، وظنّوا أن ليس للمشركين رجعة، فانكشف المسلمون من خلفهم، والتفّ خالد بن الوليد بمن معه فصعدوا على جبل الرماة، وقتلوا من بقي من الصحابة عليه، وأحاطوا بالمسلمين من خلفهم، وكثُر القتل في المسلمين.[6]

وصل المشركون إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فجرحوا وجهه الكريم، وكسروا رباعيّته، ورموه بالحجارة، وسقط في حفرةٍ أعدّها أبو عامر الفاسق، ودخلت حلقتان من حِلق المِغفر في وجهه الكريم، فانتزعهما أبو عبيدة بن الجراح بأسنانه حتى سقطت ثنيتاه، ودافع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نفرٌ من الصحابة، وحالوا بين المشركين وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصرخ الشيطان بأعلى صوته: إن محمّداً قد قُتل، فوقع ذلك في قلوب كثيرٍ من المسلمين، ورجع كثيرٌ منهم إلى المدينة، واجتمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بمن معه من المسلمين في إحدى شُعب جبل أحد، ولمّا هدأت الحرب، وانطفأ سعيرها، أقبل أبو سفيان بن حرب فنادى في المسلمين قائلاً: يومٌ بيوم بدر، والحرب سجال، فأجابه عمر بن الخطاب: لا سواء، قتلانا في الجنة، وقتلاكم في النار.[6]

نتائج غزوة أحد

بلغ عدد الشهداء من المسلمين في غزوة أحد نحواً من سبعين، وأمَّا المشركين فقد بلغ عدد قتلاهم ثلاثة وعشرين قتيلاً، وكان من بين الشهداء في هذه المعركة حمزة بن عبد المطلب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد مثّلت به هندٌ زوجة أبو سفيان بن حرب، واستخرجت قلبه ومضغته، فلما رأت طعمه مُرّاً لفظته، وقد حزن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمشهد موت عمّه حزناً شديداً، وقال: لئن أظهرني الله على قريشٍ في موطنٍ من المواطن لأمثلنَّ بثلاثين رجلاً منهم، ولكن الله سبحانه نهى نبيّه -صلى الله عليه وسلم- عن المُثلة.[7]

وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعمّه حمزة بن عبد المطلب، فغُطِّيَ ببُردة ثم صلّى عليه، فكبّر سبع تكبيرات، ثم أُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بمن قُتل من الصحابة فوُضعوا بجانب حمزة، فصلّى عليهم وعلى حمزة معهم حتى صلّى عليه ثنتين وسبعين صلاة، وأقبلت صفية بنت عبد المطلب تنظر إلى أخيها، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ابنها الزبير بن العوام أن يُرجعها حتى لا ترى ما حلَّ بأخيها، فقالت: بلغني أن قد مُثِّل بأخي، وذلك في سبيل الله، فما أرضانا بما كان من ذلك! لأحتسبنَّ، ولأصبرنَّ إن شاء الله، فأخبر الزبيرُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بقولها فأذن لها برؤيته، فأتت فنظرت إليه، وصلَّت عليه، واسترجعت، واستغفرت الله له، ثم أُمر به فدُفن.[8]

المراجع

  1. ↑ سورة الأنفال، آية: 36.
  2. ↑ صفي الرحمن المباركفوري، الرحيق المختوم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الهلال، صفحة 224. بتصرّف.
  3. ↑ موسى العازمي (2011)، اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون (الطبعة الأولى)، الكويت: المكتبة العامرية، صفحة 265-266، جزء 2. بتصرّف.
  4. ^ أ ب محمد الباجوري (1425)، نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (الطبعة الثانية)، دمشق: دار الفيحاء، صفحة 120-121. بتصرّف.
  5. ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في تغليق التعليق، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 5/331، إسناده صحيح.
  6. ^ أ ب السيد الجميلي (1416)، غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بيروت: دار ومكتبة الهلال، صفحة 48-53. بتصرّف.
  7. ↑ مصطفى السباعي (1985)، السيرة النبوية - دروس وعبر (الطبعة الثالثة)، لبنان: المكتب الإسلامي، صفحة 86. بتصرّف.
  8. ↑ ابن هشام (1955)، السيرة النبوية (الطبعة الثانية)، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، صفحة 97، جزء 2. بتصرّف.