الدولة العباسية
الدولة العباسية
قامت الدولة العباسيّة بعد إسقاط حُكم بني أُميّة على يد العبّاس بن عبد المطلب، وقد اعتمد العباسيون في إقامة خلافتهم ودولتهم على الفرس الناقمين على الدولة الأمويّة التي حرمتهم من الكثير من حقوقهم، وقد أخذت من العراق مركزاً لها منذ بداية توليها للحكم على أنقاض دولة بني أُمية عام 132هـ، وحتى نهاية حكمها واضمحلالها عام 565هـ، وفي هذا المقال سنقف عند أهم معالم العصر العباسيّ من نواحي متعددة.
ملامح الحياة في الدولة العباسية
الحياة الاجتماعية
ضمت الدولة العباسيّة أوطاناً كثيرة مع اتساع رقعتها، حيثُ كانت تعيش في ضمنها وتحت رعايتها الكثير من الشعوب والقبائل المختلفة في الجنس، والعرق، والثقافة، واللغة، والتي سرعان ما امتزجت مع العنصر العربيّ، وعاشوا في ظل الدولة العباسيّة بحرية تامة ودون قيود؛ لذا فقد ترك أبناء هذه القبائل والشعوب وخاصة الفرس منهم آثاراً واضحة في المجتمع العباسيّ، فقد أشاعوا في الحواضر التي يعيشون فيها عاداتهم وتقاليدهم وأنماط عيشهم في المأكل، والملبس، والمسكن، وكذلك بالاحتفال بالمناسبات والأعياد الخاصة بهم.
كما أسهم التسامح والحريّة التي منحتهم إيّاها الدولة العباسيّة في بروز الحركات والنزعات العنصريّة المناهضة للعرب، ومنها النزعة الشعوبيّة التي شاعت بين أفراد المجتمع العباسيّ، وخاصة عند الموالي من الفرس، فهي في حقيقتها تُخفي الحقد الدفين على العرب ومآثرهم، مُحاوِلةً الحطّ من مكان ومنزلة القيم والأخلاق العربيّة، إلاّ أنّ الأدباء والعلماء تصدوا لها مُدافعين عن الإسلام وعن العرب، ناشرين الوعي بين أبناء الشعب عن خطورتها على الأخلاق والدين، ومنهم الجاحظ وابن قتيبة.
ناهيك عن الحركات والنزعات الأخرى كالزندقة والمجون التي شاعت وانتشرت في العصر العباسيّ، ولكن هذا لا يعني أن المجتمع العباسيّ كان مُنحلاً أخلاقيّاً، على العكس فقد كانت أخلاق الإسلام تسري عند الكثير من أبناء هذا المجتمع، وطبقاته المختلفة.
الحياة العقليّة
تميّز العصر العباسيّ بالازدهار من الناحية العلميّة والعقليّة وخاصة في العصر العباسيّ الأول، وكان من مظاهر هذه الحياة التالي:
- الإقبال على حلقات العلم في الجوامع والمدارس، بهدف أخذ العلم من المشايخ والعلماء، وقد كان طلاب العلم يلتحقوا بما يُشبه المعهد في الوقت الحاضر دون شروطٍ أو قيود.
- استخدام الورق في الكتابة والتدوين، وقد نشأ أول مصنع لصناعة الورق على يد الفضل بن يحيى البرمكيّ، مما ساعد ذلك على إثراء المكتبات التي كانت منتشرة في أرجاء الدولة العباسيّة ومنها مكتبة درا الحكمة في بغداد.
- ترجمة ذخائر نفيسة ومُهمة من لغات أخرى كالهنديّة، والبابليّة، والفارسيّة، وقد ظهر عدد من المترجمين وأشهرهم: حُنين بن إسحاق، وثابت بن قُرَّة.
- اهتمام الخلفاء العباسيين بالثقافة والاحتفال بها، وذلك بوضع جوائز ماديّة لمن يؤلف كتاباً أو يُترجم مخطوطة.
الحياة الأدبية
بلغ الشعر في العصر العباسيّ مبلغاً كبيراً من التطور والازدهار، ففي هذا العصر ظهر الكثير من أبلغ وأصفح شعراء العربيّة، وذلك بدعمٍ من الخلافة العباسيّة التي وفرت جميع مقومات العيَشْ المُترف، وتأسيس المجالس الأدبيّة التي وفرت للشعراء جواً جيداً للقول الشعر، إضافةً إلى تطور المعايير التى يُقاس عليها الشعر، وهو ما يُعرف بالبحور الشعريّة التي وضعها الخليل بن أحمد الفراهيديّ، كما تعددت الأغراض الشعريّة التي نظموا، فهناك الوصف الذي أبدعوا فيه كوصف حوانيت الخمر، ووصف القيان والجواري المُغنيات.
إلى جانب المدح، والذي شاع في هذا العصر من أجل الكسب الماليّ وخاصةً للخلفاء العباسيين الذين أغدقوا الشعراء المدَّاحين بالعطايا والهدايا، ناهيك عن الأغراض الشعريّة الأخرى والمعروفة، ومن شعراء هذا العصر: المتنبيّ، وأبو العلاء المعريّ، وأبو تمام، وأبو نُواس، والبحتريّ، وأبو العتاهيّة، وبشار بن بُرد، وغيرهم الكثير من فحول الشعر العربيّ.