الإيمان لغةً يعني التصديق، آمن بالشيء أي صدّقه، وهو مصدر آمن يؤمن إيماناً، وفي ذلك اتفاق بين اللغويين من أهل العلم أن الإيمان معناه التصديق، قال الله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)،[1] وقال إخوة يوسف لأبيهم: (وَما أَنتَ بِمُؤمِنٍ لَنا وَلَو كُنّا صادِقينَ)،[2] أي: ما أنت بمصدّق لنا، والأصل في الإيمان التصديق القلبي مع تصديق اللسان، وبذلك يُعرف حال المؤمن من المنافق، فالذي صدّق بلسانه ولم يصدّق بقلبه فهو منافق، أما من توافق قلبه مع لسانه تصديقاً فذلك حال المؤمن، أما من افترى وزعم أنه لا يلزم توافق القلب مع اللسان، وادّعى الاكتفاء بالقول فقط، فهو إما أن يكون منافقاً مناصراً لأهل النفاق، وإما أن يكون جاهلاً بما يقول معانداً للحق بغير علم.[3]
ويُعرّف الإيمان اصطلاحاً كما دلّت عليه آيات الله وسنة نبيّه -صلى الله عليه وسلم- وإجماع السلف الصالح؛ بأنه الاعتقاد في القلب والجنان، والقول باللسان، والعمل بالجوارح والأركان، يزيد بطاعة الرحمن، وينقص بطاعة الشيطان، قال تعالى: (وَيَزيدُ اللَّـهُ الَّذينَ اهتَدَوا هُدًى وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيرٌ مَرَدًّا)،[4][5] وبذلك يمكن أن نقول أن الإيمان له ثلاث حقائق؛ حقيقة في اللسان، وحقيقة في الجنان، وحقيقة في الجوارح والأركان، أما حقيقة اللسان فهي النطق بالشهادتين بشهادة أن لا إله الا الله، وأنّ محمدا رسول الله، وحقيقة القلب هي الاعتقاد الجازم بصدق ما جاء به الله -عز وجل- على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم، وحقيقة الأركان هي الخضوع والتسليم لأوامر الله -عز وجل- ونهيه، وفي ذلك قوله تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).[6][7]
رُوَي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الْمُؤْمِنُ القَوِيُّ، خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى اللهِ مِنَ المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ)،[8] ويُراد بالقوة هنا العزيمة، والإقدام، والتحمل، والجلد في سبيل الله، والمبادرة على الخير،[9] ومن صفات المؤمن القوي:[10]
إن كل من يحقّق أركان الإيمان فيه خير عظيم، ولكن الناس بالطبع يتفاوتون في الفضل والأجر، فكلما كان المؤمن أقوى كان لله أقرب وأعظم منزلة، ولذلك جاء الأمر بأخذ هذا الدين بقوةٍ وعزيمة، وذمّ التراخي، كما قال تعالى لنبيّه: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[16] والقوة هنا تشمل جميع جوانب المؤمن، فهو قوي في توحيده، وقوي في صلاته، فيحافظ عليها في وقتها، ويتبعها بالنوافل والصدقات، وقوي في دنياه في طلبه للكسب الحلال وتعامله مع مجتمعه المسلم كما يرضاه الله عز وجل،[17] وبذلك يكون تأثير المؤمن القوي أعظم عند الناس وأدعى للقبول في حال الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على خلاف المؤمن الضعيف الذي لا يستطيع أن يكون صاحب كلمةٍ عند غيره، فهو يغلب عليه طابع الاستسلام، فصاحب الصفّ الأخير لا يكون تأثيره كصاحب الطليعة وصاحب الكلمة المسموعة، فربما تطاولوا على الضعيف أو سخروا منه، فهو مسكين ضعيف لا حيلة له.[18]
وهو العلم المستمد من مصادره الصحيحة من الكتاب والسنة المشرفة الصحيحة، حيث يأخذ منهما مسائل العقيدة، والحلال، والحرام، والتفقه في دين الله عز وجل، فهذا من شأنه أن يرفع شأن صاحبه ويقربه إلى ربّه، قال تعالى: (يَرْفَعِ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)،[19] وقوله عليه الصلاة والسلام: (مَن يُرِدِ اللهُ به خيرًا يُفَقِّهْه في الدينِ)،[20] فمن وفّق لتلقّي هذا العلم فقد وُفّق إلى خير عظيم وكذلك إلى أهم أسباب زيادة الإيمان،[21] ومن العلم النافع تلاوة القرآن وتعلمه، وتدبّر معانيه، وتعلم أسماء الله الحسنى وصفاته، وتعلم سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- بما فيها من فضائل ومواقف وعِبر يُحتذى ويُقتدى بها، وتعلم سيرة السلف الصالح حملة الدين من الصحابة المقرّبين والذين اتبعوهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.[21]
إن التأمل في آيات الله الكونية ومخلوقاته من جبالٍ، وأنهارٍ، وتقلّب الليل والنهار، والمحيطات، وغيرها الكثير مما أبدع الله عز وجل، والتمعّن والنظر فيها ليس له إلا أن يقوي إيمان صاحبه؛ لأن هذا التفكّر يرسّخ الإدراك بعظمة خالق هذا الكون وقدرته، فيزداد القلب إجلالاً وتعظيماً وتقديراً لفضل الله ونعمه.[22]
إن من أعظم أسباب زيادة الإيمان وقوّته؛ التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، والمداومة عليها، والإكثار منها، فلا شك أن المؤمن المخلص لله -تعالى- في أعماله سينال الفضل العظيم والرفعة العالية، فالإيمان يزيد بكثرة العبادات وزيادة الأعمال الصالحة.[23]نسأل الله عز وجل أن يقوي إيماننا وينفعنا به ويستخدمنا ولا يستبدلنا.