-

أسباب انقطاع الرزق

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

أسباب انقطاع الرزق

حثَّ الله -تعالى- عباده على العمل في آيات القرآن الكريم، وفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وقوله في الكثير من الأحاديث النبوية، ويظهر هذا واضحاً عندما جاء رجلٌ من الأنصار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أما في بيتك شيءٌ)،[1] فقال الرجل: بلى لديّ في البيت كساءً نفرش بعضه ونلبس بعضه، ولدينا إناءً نشرب فيه الماء، فطلب منه النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يأتيه بهما، ففعل وأتاه بهما، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيعهما بدرهمين، وأعطاهما إياه، وطلب منه أن يشتري بأحدهما الطعام لأهله وبالآخر قدوماً؛ ليحتطب به، واتّفقا على أن لا يراه خمسة عشر يوماً، فجاءه بعد هذه المدة وقد أصاب عشرة دراهم، وفي هذا إشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم- على أنَّ العمل شرفٌ عظيمٌ يُغني الإنسان عن سؤال الناس.[2]

وعلى المسلمين إدراك أنَّ الرزق لا يقتصر على المال مع الحرص على التفريق بين أسباب الرزق ومسبّبها، فالله -تعالى- هو موجد الأسباب التي تتمثَّل بالوظائف والناس وغير ذلك، فمن اختلال العقيدة الركون إلى الأسباب ونسيان المسبّب لها، فقلب المؤمن لا يتعلّق بالأسباب، وإنَّما هو دائم التعلّق بالله -تعالى- ولا يعني هذا ترك الأسباب،[3] ومن الجدير بالذكر أنَّ ضيق الرزق وسعته يعود إلى تقدير الله -تعالى- وحكمته قبل خلق الكون بخمسين ألف سنة، كما إنَّ عجلة الإنسان تمنعه من التفريق بين ما مُنع عنه وما ادُّخر له، فيشعر الإنسان بانقطاع الرزق عنه جهلاً منه بحكمة الله تعالى، ولعلّ الإنسان يكره حدوث شيءٍ ولكن يكون في حقيقته خيرٌ كبير، ولا شك أنَّ الذنوب والمعاصي من الأسباب الجالبة لضيق العيش والرزق، فالمعاصي من شأنها أن تمحق البركة من الرزق والعمل، وبالتالي فإنَّ فعل الطاعات بجميع صورها يجلب البركة والرضا، وليست السعادة في كثرة المال، إنَّما هي في الرضا بما قسمه الله تعالى لعباده،[4] أمَّا عن الأسباب المانعة من الرزق فمنها ما يأتي:[5]

  • الوقوع في الزنا، فالزنا يورث الفقر وسخط الله -تعالى- علاوةً على ما يتسبّب به من الأمراض خطيرة، وقد جاء النهي عن كل ما يؤدّي إلى الزنا؛ كالخلوة، والاختلاط المحرم، وإطلاق البصر.
  • نقص المكيال والميزان، ومنع الزكاة، والتعامل بالربا، فقد توَّعد الله -تعالى- المُرابين بالمحق.
  • الكذب، والاحتكار، وهو حبس البضاعة لا سيّما المواد الغذائية التي يحتاجها الناس؛ بقصد رفع ثمنها، كما إنَّ الغش من أسباب الفقر.

أسباب حصول البركة

ليست العبرة في قلّة المال أو كثرته وإنَّما في مقدار وجود البركة فيه وحُسن تصريفه، فلا خير في مالٍ كتب الله -عزّ وجلّ- عليه المحق، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس الغنى عن كثرة العَرض، ولكنَّ الغنى غنى النَّفس)،[6] ويعدّ انتزاع البركة عقوبةً للناس على ما كسبت أيديهم من الذنوب والمعاصي، فما هلكت أُمّةٌ إلا بذنوبها وتفشِّي الظلم فيها، وهناك العديد من الأسباب الفرعية لانتزاع البركة؛ مثل انتشار الحلف من غير صدقٍ في البيع والشراء، والتهاون في تحصيل المال من الطرق المحرّمة، وفساد القلوب لكثرة ما فيها من التحاسد والتباغض، وكَثرة العبث بالمال والإسراف فيه حتى أصبح البعض يرمي الطعام في القمامة وهناك المئات من الناس يتضوّرون جوعاً.[7]

أمَّا عن أسباب تحصيل البركة فهي كثيرةٌ أوّلها تقوى الله تعالى، وفعل أوامره، والابتعاد عن نواهيه، بأخذ المال من وجوهه المشروعة، والأمانة في البيع والشراء، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ صلة الأرحام من أسباب حصول البركة في العمر والرزق، ويبقى العدل ونصرة المظلوم بإقامة شرع الله -تعالى- أهم هذه الأسباب، وقد شهد عهد عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- ذروة العدل وفيض البركة، فعاش الناس في رغدٍ من العيش، وعلى من فقد البركة في رزقه أن يعمد إلى التخلص من المعاصي والتوجه إلى الله -تعالى- بالدعاء وقرع أبواب السماء به، واستحضار هذا الأمر في صلاة الوتر بقول: "وبارك لنا فيما رزقتنا وأعطيت".[7]

اسم الله الرازق

يُطلق الرزق على العطاء المتجدّد الذي يحصل عليه صاحبه بشكلٍ دوريٍ بناءً على تقدير الله تعالى، يقول الحليمي في معنى الرزق: "المفيضُ على عباده ما لم يجعل لأبدانهم قواماً إلا بِه، والمُنعمُ عليهم بإيصال حاجتهم من ذلك إليهم، لئلا تُتنغَص عليهم لذَّةُ الحياة بتأخُّرِه عنهم، ولا يفقدوها أصلًا لفقدهم إِيّاهُ"، والله -تعالى- هو وحده الرزَّاق، وقد كتب أرزاق العباد ووعدهم بقضاء هذه الأرزاق بينهم، كما رتَّب في هذه المخلوقات أسباب الرزق، فجعل رزق الذئب في صيد الثعلب، ورزق الثعلب في صيد القنفذ، ورزق القنفذ في صيد الأفعى، وتتوالى فيما بعد هذه السلسلة كما رتَّبها الله تعالى، وعلى الإنسان أن يطلب ما عند الله -تعالى- من الأرزاق باتّباع أوامره واجتناب نواهيه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّ رُوح القُدس نفث في رُوعي أنَّ نفساً لن تموت حتَّى تستكمل أجلها، وتستوعب رزقها، فاتَّقوا الله، وأجملُوا في الطَّلب، ولا يحملنَّ أحدكم استبطاءُ الرِّزق أن يطلُبه بمعصية الله، فإنَّ الله تعالى لا يُنال ما عنده إلَّا بطاعته).[8][9]

ورزق الدنيا قليلٌ إذا ما قورن برزق الآخرة ونعيمها، والأرزاق نوعان هما؛ أرزاقٌ ظاهرةٌ في البدن والقوت، ويشترك في هذا النوع من الرزق المؤمن والكافر فلا يُستثنى منه أحد، وأرزاقٌ باطنةٌ محلّها القلوب والنفوس مثل: الإيمان، وقد اختصّ الله -تعالى- المؤمنين بهذا النوع من الرزق على اختلاف درجاتهم بحسب حكمته ورحمته، وقد أنكر الله -تعالى- على المشركين عبادة الأصنام التي لا ترزقهم وهو -سبحانه- مالكهم ومقدِّر أرزاقهم.[9]

المراجع

  1. ↑ رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3/3، حسن وقد يكون على شرط الصحيحين أو أحدهما.
  2. ↑ حسام إبراهيم، "قضية الرزق، وكيف نظر الإسلام إليها ؟"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2019. بتصرّف.
  3. ↑ "الخوف من انقطاع سبب الرزق، والتعلق بالأسباب، واقع ذلك، وعلاجه "، www.islamqa.info، 2008-6-22، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2019. بتصرّف.
  4. ↑ "المعاصي من أسباب ضيق الرزق ونكد العيش"، www.islamweb.net، 2010-2-28، اطّلع عليه بتاريخ 15-5-2019. بتصرّف.
  5. ↑ محمد النابلسي، "الخطبة : 1066 - أسباب زيادة الرزق4، الأسباب التي تقلل من الرزق - بركة المال الحلال"، www.nabulsi.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2019. بتصرّف.
  6. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6446، صحيح.
  7. ^ أ ب عبد الله العواضي (8-6-2014)، "البركة في الأرزاق"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-5-2019. بتصرّف.
  8. ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي امامة الباهلي، الصفحة أو الرقم: 2085، صحيح.
  9. ^ أ ب وحيد بالي (25-12-2019)، "معنى اسم الله الرزاق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-5-2019. بتصرّف.