-

أسباب الهجرة النبوية الشريفة

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الهجرة

تُعرّف الهجرة لغةً بأنّها الانتقال من مكانٍ إلى مكانٍ آخر، أو الانتقال من حالٍ إلى حالٍ آخر، أو ترك شيٍ إلى آخر، وأمّا مفهوم الهجرة اصطلاحاً، فإنّ للهجرة مفهومين: أحدهما ماديٌ، والآخر شعوريٌ، فأمّا الهجرة المادية، فتعرف بأنّها الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام، وتُعرّف الهجرة الشعورية بأنّها الانتقال بالنفسية الإسلامية من حالٍ إلى حالٍ أفضل؛ كالانتقال من حالة التفرقة إلى الوحدة، ومن الجدير بالذكر أنّ الهجرة النبوية كانت هجرةً ماديةً، حيث انتقل رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- من مكة إلى المدينة المنورة، وتعتبر الهجرة النبوية هجرةً شعوريةً أيضاً، حيث انتقل المسلمون من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة.[1]

أسباب الهجرة النّبويّة الشريفة

يوجد عددٌ من الأسباب التي أدت إلى هجرة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأصحابه رضي الله عنهم، من مكة إلى المدينة، وفيما يأتي بيان ذلك:[2]

  • إيذاء كفار قريش للصحابة رضي الله عنهم: حيث إنّ الصحابة -رضي الله عنهم- ذاقوا أصناف العذاب على أيدي المشركين في مكة، ولكنّهم صبروا على ما أصابهم، فقد كان يُؤتى ببلال بن رباح -رضي الله عنه- في وقت الظهيرة، ويُسجى على رمال الصحراء الحارقة، ثم يُوضع على صدره صخرةً شديدة الحرارة، ويقال لبلال: إرجع عن دين محمدٍ، فيجيب بلال بن رباح: (أحدٌ أحد)، حتى قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (صبرًا آل ياسرٍ، فإنَّ موعدَكم الجنةُ)،[3] حتى إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- كان يناله من الأذى ما ينال أصحابه رضي الله عنهم، ففي أحد الأيام اشتد إيذاء المشركين للنبي عليه الصلاة والسلام، حتى كادوا يعتدون على النبي، فأقبل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- مسرعاً يدافع عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو يقول: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ)،[4] فتركوا النبي عليه الصلاة والسلام، وانهال المشركون على أبي بكر الصديق بالضرب، حتى أغمي عليه من شدة الآلم، وجاء أحد كفار قريش بسلا جزورٍ يوماً، ووضعه على ظهر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وهو ساجدٌ عند الكعبة.
  • حصار قريشٍ للمسلمين: بعد أن فشلت قريشٌ بصدّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن دعوته، بإيذاء أصحابه رضي الله عنهم، استخدموا أسلوباً في قمة الشدة، لم يستخدمه أحدٌ من قبلهم؛ ألّا وهو مقاطعة بني هاشم، وكتب المشركون صحيفةُ ظالمةُ مفادها؛ أن لا يتزوج المشركون من بني هاشم، ولا يزوجونهم، ولا يشترون منهم، ولا يبيعونهم، فوقع على بني هاشم حصاراً إجتماعياً واقتصادياً ظالماً، وساءت أحوال بني هاشم، حتى أصبحوا يأكلون أوراق الشجر من شدة الجوع، ولكنّ الله -تعالى- يسّر للمسلمين مجموعةً من كبراء قريش، عزموا على أن يلغوا تلك المقاطعة الظالمة، فلما أرادوا استخراج الصحيفة التي كُتبت عليها بنود المعاهدة، وجدوا الأرضة قد أكلتها، إلّا لفظ الجلالة، وانتهى بذلك حصار المسلمين.
  • شدة الإيذاء بعد وفاة أبي طالب: كان أبو طالب عمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، يحميه من أذى قريشٍ، على الرغم من شركه، وبعد وفاة أبي طالب نالت قريش من رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ما لم تنله في حياة عمّه، واشتد إيذاء قريش للنبي، مما دفع النبي -عليه الصلاة والسلام- للبحث عن بيئةٍ غير مكة؛ للدعوة إلى الله -تعالى- فيها، فخرج إلى الطائف، ولكنّ أهل الطائف لم يستجيبوا لدعوته، فعاد إلى مكة المكرمة بجوار رجلٍ مشركٍ.
  • تآمر المشركين على قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم: بعد أن نفذ ما في جعبة قريش من أساليب لصد رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- عن دعوته، اجتمع كبار قريشٍ في دار الندوة؛ ليضعوا كلّ ما في وسعهم لإنهاء أمر الإسلام في مكة، فكان من ضمن مقترحاتهم؛ سجن النبي صلّى الله عليه وسلّم، ومنها نفيه وإبعاده عن مكة، ومنها قتل النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكان رأي الشيطان الذي كان حاضراً على هيئة رجلٍ نجديٍّ؛ أن يأخذو من كلّ قبيلةٍ رجلاً قوياً، ويعطوه سيفاً، ثم يحيط الرجال ببيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ويضربوه عند خروجه ضربة رجلٍ واحدٍ؛ ليضيع دمه بين القبائل، وينتهي أمره، فأجمع الحضور على رأي ذلك الرجل، وبدأوا بالتنفيذ، وقد وصف الله -تعالى- تآمرهم بقوله: (وَإِذ يَمكُرُ بِكَ الَّذينَ كَفَروا لِيُثبِتوكَ أَو يَقتُلوكَ أَو يُخرِجوكَ وَيَمكُرونَ وَيَمكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيرُ الماكِرينَ)،[5] وأرسل الله -تعالى- جبريل عليه السلام، إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأمره بأن لا ينام في فراشه تلك الليلة، فخرج النبي صلّى الله عليه وسلّم، ونام عليٌ بن أبي طالب -رضي الله عنه- في فراش النبي.

صورة من التضحية في الهجرة

ضرب آل أبي سلمة أروع الأمثلة في التضحية والصبر في سبيل الله تعالى، وطاعة رسوله، حيث بدأت قصتهم عندما أمر رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- المسلمين جميعاً بالهجرة إلى المدينة المنورة، فخرج أبو سلمة، ومعه زوجته، وابنه، مهاجرين في سبيل الله تعالى، وتركوا خلفهم المكانة، والوضع الإجتماعي، والشرف، فقد كان آل أبي سلمة من قبيلة بني مخزوم، ولمّا خرجوا من مكة لحق بهم أهل زوجة أبي سلمة، وقالوا لأبي سلمة: (هذه نفسك غَلَبْتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه؟ علام نَتْرُكُك تسير بها في البلاد؟) فأخذوا زوجة أبي سلمة منه، وأعادوها إلى ديارهم، وانطلق أبو سلمة وحيداً إلى المدينة، فلمّا علم أهل أبو سلمة بالأمر، ذهبوا إلى أهل أم سلمة، وقالوا لهم: (لا نترك ابننا معها إذ نزعتموها من صاحبنا)، ولكنّ أهلها رفضوا أن يعطوهم سلمة، فتنازعوا عليه، حتى خُلعت يده بينهم، وأخذه أهل أبو سلمة، فأصبح كلّ فردٍ من آل أبي سلمة في مكانٍ، فأبو سلمة في المدينة، وسلمة عند أهل أبيه، وأم سلمة عند أهلها، فكانت أم سلمة تخرج كلّ يومٍ إلى الأبطح، تنظر في اتجاه المدينة، وتظل تبكي من الصباح حتى المساء، واستمرت على تلك الحالة سنةً كاملةً، فلمّا رأى أهلها ما أصابها من الحزن على زوجها وولدها، قال رجلٌ منهم: (ألا تطلقون هذه المسكينة، فرّقتم بينها وبين زوجها وولدها)، فتركوها تلحق بزوجها، فذهبت إلى أهل زوجها، وأخبرتهم بأنّها تريد اللحاق بأبي سلمة؛ فأعطوها ابنها، ولم تنتظر أم سلمة قافلةً، أو صحبةً أمنةً لتصحبها هي وولدها إلى المدينة، بل قررت قطع الصحراء القاحلة، لمسافةٍ تزيد عن خمسمئة كيلومترٍ لوحدها، وكلّ ذلك في سبيل الله تعالى، ولسان حالها يقول: (ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ غاليةٌ، ألا إنَّ سلعةَ اللَّهِ الجنَّةُ).[6][7]

المراجع

  1. ↑ "الهجرة النبوية .. معناها وأهدافها"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-10-2018. بتصرّف.
  2. ↑ عطية بن محمد سالم، دروس الهجرة، صفحة 14-16، جزء 3. بتصرّف.
  3. ↑ رواه الألباني، في فقه السيرة، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم: 103 ، حسن صحيح.
  4. ↑ سورة غافر، آية: 28.
  5. ↑ سورة الأنفال، آية: 30.
  6. ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2450 ، صحيح.
  7. ↑ "هجرة المسلمين إلى المدينة المنورة"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-10-2018. بتصرّف.