-

شروط الحج وأركانه

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الحج

إنّ الحجَّ في اللغةِ هو القصد إلى شيء معظّم، فيقال فلان حجّ بمعنى قدِمَ، أمّا شرعاً فهو قصدُ المُسلمين البيت الحرام لأداء أحد أركان الإسلام، ويُستدل على مشروعية الحجّ بالقرآن الكريم، والسُنة النبويّة الشريفة، والمعقول، والإجماع؛ حيث حثَّ القرآن الكريم على الحجِّ في العديد من الآيات الكريمة، ومنها قال الله تعالى (فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)،[1] ووردت العديد من الأحاديث في السُنة النبويّة الشريفة تحثُّ على الحجِّ، ومنها عن أبي هُريرة - رضي الله عنه - قال (سُئِل رسولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم أيُّ الأعمالِ أفضلُ أو أيُّ الأعمالِ خيرٌ؟ قال إيمانٌ باللهِ ورسولُه، قيل ثمَّ أيُّ؟ قال الجهادُ سِنامُ العملِ، قيل ثمَّ أيُّ؟ قال ثمَّ حجٌّ مبرورٌ)،[2] أمّا في المعقول فقد جاءت العبادات لتُظهر حق العبوديّة لله تعالى، وشكره على نعمه، وفي الحج إظهارُ العبودية وشكر النعمة. انعقد إجماع الأمة الإسلامية على مشروعيّة الحجّ بعد وفاة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى الآن من دون نكير له.[3]

شروط الحج

إن الحجّ فرض على كلّ مُسلمٍ وله عدّة شروط مُحدّدة، ويُطلق عليها اسم شروط الوجوب، وتشمل الشروط الآتية:[4]

  • الإسلام: إذ لا يجوز الحجّ إلّا للمسلمين، فالإسلام شرط أساسيّ من شروط صحة العبادات ووجوبها.[4]
  • التكليف: هو أن يكون الحاج مُسلماً عاقلاً وبالغاً؛ إذ لا يُعدّ الحجّ واجباً على الطفل الصغير في السن؛ لأنّه غير مكلّف، ولكن لو شارك في الحجّ لصح منه، ويُستدل على ذلك بالحديث الشريف الآتي عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - أن النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لقيَ ركبًا بالروحاءِ، (فقال: من القومُ؟ قالوا: المسلمون، فقالوا: من أنتَ؟ قال: رسولُ اللهِ، فرفعت إليهِ امرأةٌ صبيًّا فقالت: ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم ولكِ أجرٌ)،[5] إلّا أنّه من الواجب عليه الحجّ مَرّةً أُخرى عندما يصل لسن البلوغ، أمّا الشخص المجنون أي غير العاقل فلا حجّ واجب عليه؛ لأنّ الحجّ يعتمد على القصدِ والنية ولا يُمكن أن يمتلكهما المجنون.[4]
  • الاستطاعة: هي قُدرة المسلم في بدنه وماله على توفير جميع مُتطلبات الحجّ؛ إذ يجب أن يمتلك كفايته من المال، وأن يكون سليم الجسم ولا يوجد عنده أي عجزٍ أو مانعٍ لأداء جميع مناسك الحجّ، فإذا لم يكن المسلم المُكلّف قادراً ماليّاً أو صحيحاً جسديّاً فلا حجّ واجب عليه؛ لأنّه لم يتمكن من تحقيق الاستطاعة، ولكن في حال كان المُسلم قادراً ماليّاً ولكنه غير قادرٍ جسديّاً، فليزمه اختيار من ينوب عنه في الحجّ، ويُستدل على ذلك بالحديث الشريف عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - قالَ (كانَ الفضلُ بنُ عبَّاسٍ رديفَ رسولِ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم فجاءتْهُ امرأةٌ من خثعمَ تستفتيهِ فجعلَ الفضلُ ينظرُ إليْها وتنظرُ إليْهِ فجعلَ رسولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلّم يصرفُ وجْهَ الفضلِ إلى الشِّقِّ الآخرِ فقالت يا رسولَ اللَّهِ إنَّ فريضةَ اللَّهِ على عبادِهِ في الحجِّ أدرَكت أبي شيخًا كبيرًا لاَ يستطيعُ أن يثبتَ على الرَّاحلةِ أفأحجُّ عنْهُ قالَ: نعم. وذلِكَ في حجَّةِ الوداع).[6][4]
  • وجود مُحرم للمرأة؛ وهناك اختلاف في هذه المسألة بين العلماء، وبيانها أن الحنفية والحنابلة قالوا بوجوب وجود المحرم للمرأة عند ذهابها للحج أي يجب أن يُرافقها مُحرم لها كزوجها أو أخيها، والمرأة التي لا يوجد مُحرم لها فلا يجبُ عليها الحجّ؛ إذ لا يجوز سفر المرأة للحجّ دون وجود مُحرمٍ. واستدلوا في هذا القول بالحديث الشريف عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنه - ( قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لا تسافرُ المرأةُ إلَّا معَ ذي محرمٍ، ولا يدْخُلُ عليها رجلٌ إلا ومعَهَا محرمٌ)،[7] أمّا القول الثاني فاعتمده الشافعية والمالكيّة؛ حيث قالوا بجواز حجّ المرأة دون مرافقة مُحرمٍ لها، ولكن يجب أن تكون مع مجموعةٍ من النسوة الثقات أثناء أداء الحجّ، واستدلوا في هذا القول بالآية الكريمة قال الله تعالى: ( وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ).[8][9]

أركان الحج

توجد للحجّ أركان لو نقص أحدها يُعدّ الحجّ غير صحيح وهي:[10]

الإحرام

الإحرام هو الرُكن الأول للحجّ، وعند الحنابلة والشافعيّة لا يُشترط تحقيقه بوجود هدي أو تلبية، أمّا الحنفية فاعتبروا الإحرام التزاماً خاصاً بحرمات مُحدّدة، ويعتمد تحقيقه على شيئين الأول هو النية، والثاني هو الاقتران بوجود تلبية، ورأى المالكية أن الإحرام يُشير إلى دخول المُسلمين في حُرمات الحجّ، ويعتمد تحقيقه على وجود نية فقط، سواء بالأقوال مثل التلبية أو تنفيذ فعل من أفعال الحجّ مثل التوجه.[10]

طواف الإفاضة

طوافُ الإفاضة هو ثاني رُكن في الحجّ، ويُعرف أيضاً باسم طواف الزيارة، واتفقت المذاهب الفقهيّة حول بطلان حجّ الحاج إذا لم يطُف طواف الإفاضة بسبعة أشواط، وأشار الحنفية إلى أن طواف الرُكن يكون أربعة أشواط، فإذا طافها الحاج يؤدي إلى حصول الرُّكن، أما الأشواط المُتبقية فلا تُعدّ رُّكناً بل واجباً.[10]

اختلفت المذاهب الفقهيّة حول وقت طواف الإفاضة؛ حيث يرى الحنفية أن الطواف يبدأ من فجر يوم النحر حتّى نهاية العمر بعد وقوف الحجاج بعرفة، وعندها يجب على الحاج طواف الإفاضة، أمّا المالكيّة فيعتبرون أن وقت الطواف يبدأ من يوم النحر إلى نهاية شهر ذي الحجّة، ولا يصح طواف الحاجّ قبل العيد، ويرى الشافعيّة أن طواف الإفاضة يبدأ بعد مُنتصف ليلة النحر، وأفضل وقتٍ له يكون في يوم النحر، أمّا الحنابلة فأشاروا إلى بداية الطّواف من منتصف ليلة النحر لكلّ حاجٍ وقف في عرفة، ولا يجوز الطّواف قبل ذلك، فمن طاف ولم يقف بعرفة يُعدّ حجّه باطلاً، أمّا نهاية وقت الطواف فلا حدود له.[10]

السعي بين الصّفا والمروة

يُعدّ السعي بين الصّفا والمروة من أركان الحجّ، فإذا لم يُنفّذه الحاجّ يُعدّ حجّه باطلاً عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة، أمّا الحنفية فقد خالفوا هذا الرأي؛ حيث اعتبروا السعي بين الصّفا والمروة واجباً من واجبات الحجّ وليس رُكناً من أركانه، وترك الحاج له لا يؤدي إلى بطلان حجّه ولكن عليه فدية.[10]

الوقوف بعرفة

إنّ وجود الحاج بأرض عرفة مهما كانت حالته، سواء سائراً أو واقفاً، أو قائماً أو قاعداً، أو نائماً أو مُستيقظاً الرُكن الرابع من أركان الحجّ، واختلفت آراء المذاهب الفقهيّة حول شروط الوقوف بعرفة، والآتي توضيح لرأي كلّ مذهب منها:[10]

  • الشروط عند الشافعية: وتشمل الوصول إلى عرفة في وقته من غياب شمس التاسع من شهر ذي الحجّة إلى وقت الفجر في يوم النحر، كما يُشترط أن يكون الحاج قادراً على العبادة.
  • الشروط عند الحنفية: ويُشترط أن يحضر الحُجاج في وقت عرفة الشرعي من غياب شمس التاسع من ذي الحجّة إلى فجر النحر، ودون وجود شرط للنية أو العقل أو العلم.
  • الشروط عند الحنابلة: وهي اختيارية حضور الحجاج إلى عرفة، فلا يجوز حضور المكرهين منهم، وأن يُعتبر الحاج أهلاً للعبادة، والوقوف في الوقت الشرعي لعرفة.
  • الشروط عند المالكية: وهي وقوف الحاج في عرفة مهما كانت حاله، سواء ظلّ فيها أو مرّ منها، وفي حال مرور الحاج منها يُشترط أن يكون عارفاً بأنها عرفة، وأن ينوي الوقوف بها عند مروره، أمّا غير المار الذي يظلّ في عرفة فلا يُشترط عليه أي شيء، ويكفيه أن يظلَّ فيها.

المراجع

  1. ↑ سورة آل عمران، آية: 97.
  2. ↑ رواه موفق الدين ابن قدامة، في الكافي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 4/256 ، حكم المحدث صحيح.
  3. ↑ د. عبد الحسيب عطية، ود. عبد المطلب حمدان (27-4-2014)، "الحج (التعريف والحكم وحكمة المشروعية)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-8-2017. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت ث ج "حكم الحج وشروط وجوبه"، islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 26-8-2017. بتصرّف.
  5. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1336، حكم المحدث صحيح.
  6. ↑ رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1809، حكم المحدث صحيح.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 1862، حكم المحدث صحيح.
  8. ↑ سورة آل عمران، آية: 97.
  9. ↑ الدكتور أحمد غالب الخطيب (26-9-2011)، "حج المرأة بغير مَحْرَم أو زوج"،دار الإفتاء العام - المملكة الأردنية الهاشمية، اطّلع عليه بتاريخ 28-8-2017. بتصرّف.
  10. ^ أ ب ت ث ج ح خ عبد الرحمن الجزيري (2003 - 1424)، الفقه على المذاهب الأربعة (الطبعة الثانية)، بيروت - لبنان: دار الكتب العلمية، صفحة 577، 578، 589، 590، 594، 597، 598، 599، جزء 1. بتصرّف.