-

شروط الإحرام لغير الحاج

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الإحرام

شرع الله -سبحانه وتعالى- لعباده نُسُكاً وشعائر تجعل المسلم دائم الاتّصال بالله تعالى، والحجّ والعمرة من هذه المناسك المباركة، فجعل الشّرع لهما أركاناً، وأحكاماً، وشروطاً لصحّة أدائهما، والإحرام هو الركن الأوّل من أركانهما، وهو النُّسك الذي يبيّن نيّة الفعل، حيث يعقد الحاجّ أو المعتمر العزم والنيّة لأداء فريضة الحجّ أو العُمرة؛ ففي الحجّ ينوي في أيٍّ من شهور الحجّ أنّه يريد الإحرام، وشهور الحجّ هي: شوّال، وذو القعدة، والأيام التسعة الأولى من شهر ذي الحِجّة، أمّا في العمرة فيكون الإحرام قبل الدخول إلى مكّة في أيّ وقت من أوقات السّنة، فما هو الإحرام، وما هي شروطه وأحكامه، وما هو إحرام غير الحاجّ؟

الإحرام لُغةً واصطلاحاً

إنّ من أركان الحجّ والعمرة الإحرام، وبيانه كما يأتي:

  • الإحرام لُغةً: اسم للأصل الثلاثيّ حَرَمَ؛ الحاء والراء والميم أصلٌ صحيحٌ، يدلّ على التشديد والمَنع، والحرام ضدُّ الحلال، وسُمِّيت مكّة المكرّمة حَرَماً، وكذلك المدينة المنوّرة؛ لحُرمتهما عند الله تعالى، ويُقال: أحرَمَ الرّجل بالحجِّ أو العمرة؛ لأنَّه يُحرم عليه بعد الإحرام ما كان حلالاً عليه، مثل: الزواج، ولبس المَخيط من الثّياب.[1]
  • الإحرام اصطِلاحاً: هو مصطلح يُراد به عند الإطلاق الإحرام بالحجّ أو بالعُمرة، ويُقال للذي شَرَعَ بصلاته: أحرَم للصّلاة إذا كبّر تكبيرة الإحرام،‏ وفقهاء الشّافعيّة يُعرِّفون الإحرام بأنّه الدّخول في النُّسك، وعند الحنفيّة الإحرام هو الدخول في حُرُمات مخصوصة، ولا يتحقّق شرعاً إلّا بالنِّيّة مع الذِّكر،‏ والمُراد بالدّخول في الحُرُمات‏: التزام الحُرُمات، والمراد بالذِّكر: التّلبية ونحوها، والإحرام عند جمهور الفقهاء من ‏الشافعيّة والحنابلة والرّاجح عند المالكيّة، هو‏:‏ نيّة الدّخول في حُرُمات الحجّ والعُمرة‏.[2]

الإحرام لغير الحاجّ

إنّ من يريد أن يضحّي من المسلمين من غير الحُجّاج، فلا بُدّ لهم من أفعال مخصوصة يقومون بها قبل الأضحية، وبيان ذلك على النحو الآتي:

  • الإحرام لا يكون إلّا لِمن أراد أداء مناسك العمرة أو الحجّ، فلا إحرام في سواهما؛ سواءً لِمَن أراد الأضحية ولمن لم يُرِد؛ حيث إنّ المُضحّي لا يلبس ملابس الإحرام، ويحقّ له أخذ الطّيب، ومعاشرة زوجته، ويجوز له الصّيد، وغير ذلك ممّا يُمنَع على المُحرم بنُسُك الحجّ أو العُمرة.[3]
  • إنّ المُضحّي يمتنع من باب الاستحباب عن حلق شيء من شعره، أو قصّ شيء من أظافره في العشر الأُوَل من شهر ذي الحِجّة؛ وذلك لقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أُهِلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعْرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئاً حَتَّى يُضَحِّيَ)،[4] وهذا النّهي من باب التّنزيه؛ فلو فعل المُضحّي شيئاً من ذلك فأضحيته صحيحة ومقبولة بإذن الله تعالى.[5]

شروط الإحرام

ذهب الفُقَهاء في مسألة شروط الإحرام إلى عدّة أقوال اتّفقوا في أغلبها، وبيانها على النحو الآتي:[2]

  • اشترط الشافعيّة والحنابلة والمالكيّة والحنفيّة لصحّة الإحرام شرطين، هُما‏:‏ الإسلام والنّيّة‏،‏ وزاد الحنفيّة شرط التّلبية أو ما يقوم مقامها، وهذا القول المرجوح في المذهب المالكيّ، واشترط الشّافعيّة والحنابلة تعيين النيّة للمُحرِم بتطوّع أو نذر، ولم يكن قد حجَّ حجَّ الفريضة، ولا يصحّ إطلاق النيّة عند الإحرم بتطوّع أو نذر لمن لم يحجّ حجّة الإسلام حتى لا تقع النيّة لحجّة الإسلام‏، واستدلّوا بأنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- عندما سمع رجلاً ينوي حجّاً عن شبرمة، قال: (هل حَجَجتَ عن نفسِكَ؟ قالَ: لا، قال: فاحجُجْ عن نَفسِكَ، ثمَّ احججَّ عن شبرمةَ)،[6] وحجّتهم أنّ النّفل والتّطوع والنّذر أقلّ رُتبةً من حجّة الفريضة؛ ولذا فلا يجوز تقديم المُستحَبّ على الواجب، والأضعف على الأقوى، مثل: الحجّ عن الغير، مع عدم الحجّ عن النفس.
  • التّلبية شرط في الإحرام في المذهب الحنفيّ، وعند بعض المالكيّة؛ إذ لا يصحّ الإحرام بالنّيّة المُجرَّدة، بل يُشترَط أن تُقرَن التّلبية بالنيّة، أو ما يقوم مقامها، كالذّكر، أو الدّعاء، أو الهدي‏، فإذا نوى المُحرِم النّسك تلزمه جميع أحكام الإحرام، ولكنّ الإحرام يثبت بالتّلبية، وقد نُقِل هذا الرأي عن بعض الصحابة، مثل: ابن مسعود، وابن عمر رضي الله عنهما، وبعض التّابعين، مثل: مجاهد وطاووس رحمهما الله، وذهب غيرهم من الفقهاء إلى عدم اشتراط التّلبية لصحّة الإحرام، فهو يُحرم بمجرّد انعقاد نيّته للإحرام، وتلزم أحكام الإحرام،‏ ولكنّ المالكيّة‏ قالوا:‏ النيّة واجبة في أصلها، ومن السُّنّة أن تُقرنَ بالإحرام‏، بل قالوا:‏ بلزوم الدّم إذا طال فصلها عن النّيّة‏، ويرى الشّافعيّة والحنابلة أنّ التّلبية سُنّة في الإحرام مطلقاً‏.‏
  • ‏صيغة التلبية التي لزمها النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في حِجّة الوداع، هي‏:‏ (لبّيك اللّهمّ لبّيك‏،‏ لبّيك لا شريك لك لبّيك‏،‏ إنّ الحمد والنّعمة لك والمُلك‏،‏ لا شريك لك)، وعند الحنفيّة تحصل التّلبية بما يحصل به تعظيم الله تعالى‏؛ فالمشروط عندهم في الإحرام اقتران النيّة بتعظيم الله تعالى، وعند جميع المذاهب تُشترَط التّلبية باللسان؛ سواءً أكانت شرطاً، أو واجباً، أو سُنّةً.
  • ذهب الحنفيّة إلى أنّ المُحرِم إذا جاوز الميقات دون تلبية باللسان بنيّة النّسك، صار مُجاوزاً للميقات بغير إحرام، وعند جمهور الفقهاء التلبية سُنّة، ويُستحَبّ البدء بها إذا ركب دابّته، بينما قال المالكيّة: إنّ المُحرِم يلزمه الدّم إن تجاوز الميقات المكانيّ دون تلبية، أو طال الفصل بين التلبية والإحرام.

محظورات الإحرام

محظورات الإحرام هي الأفعال التي لا يجوز للمُحرِم فعلها، رغم أنّها تحلّ في غير أوقات الإحرام، وبيانها فيما يأتي:[7]

  • حلق شعر الرأس أو تقصيره: لقول الله تعالى: (وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)،[8] وتلزم الفدية لمن حلق أو قصّر من شعر رأسه، وذهب جمهور العلماء إلى منع إزالة كلّ شعر غير شعر الرأس، مثل: شعر الإبط، وشعر العانة، خلافاً للظاهريّة الذين أجازوا ذلك.
  • تقليم الأظافر: جاء عن ابن قدامة أنّ أهل العلم أجمعوا على أنّ تقليم الأظافر ممّا يُحظَر على المُحرم، والمسألة فيها خلاف، والأحوط أن يلتزم المُحرم بما هو أدعى لسلامة النُّسك.
  • تغطية الرأس: وهو محظور خاصّ بالرجال دون النّساء.
  • ارتداء ملابس الحِلّ: يُقصَد بها ما كان مُفصّلاً ومخيطاً، مثل: القميص، والسّروال، والعمامة، والخُفّ ونحوها، وليس من ذلك ما يسدّ رقعة بالإزار أو بالرّداء، وكذلك ليس منه لبس النّعل؛ لأنه ليس خُفّاً، بينما لا يصحّ لبس ما كان مُفصّلاً حتى لو لم يكن مخيطاً، لكنّ المرأة تلبس ملابسها كالمعتاد بالحلّ، ويَحرم عليها لبس القفّازين، والنقاب، على أنّه يجوز لها أن تغطِّي وجهها من غير نقاب، كأن تسدِل الثوب من رأسها؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها، حيث قالت: (كان الرُّكبانُ يَمُرُّون بنا ونحن مع رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- مُحْرِماتٌ، فإذا حاذُوا بنا أَسدَلَتْ إحدانا جِلْبابَها من رأسِها على وجهِها).[9]
  • التّطيُّب: يُعدّ مَن طيّب بدنه أو ثوبه مرتكباً لمحظور من محظورات الإحرام، أمّا إن أصابه طيب، أو شمّه من غير قصد فلا حُرمة عليه.
  • عقد النِّكاح أو الخِطبة للرجال والنّساء: فقد جاء في الحديث أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لا ينكِحُ المحرِمُ، ولا يُنكِحُ، ولا يخطُبُ، ولا يُخطَبُ عليه)،[10] بينما يجوز للمُحرِم أن يعيد زوجته المُطلّقة إلى عصمته شرط أن تكون في عدّتها، ويجوز للمُحرم كذلك أن يشهد على عقد نكاح؛ لأنّ الحديث لم يُشِر إلى حُرمة الشهادة على النّكاح.
  • مباشرة الجِماع: هو من أشدّ المحظورات على المُحرِم.
  • صيد الحيوان البرّي دون البحريّ: والحيوان المأكول إن صاده المُحرم لزمته الفدية، خلافاً لغير المأكول، ويجوز له أن يقتل ما كان مؤذياً من الحيوانات، مثل: السّباع، ونحوها.

المراجع

  1. ↑ ابن فارس، مقاييس اللغة، بيروت: دار الفكر، صفحة: 45، جزء: 2. بتصرّف.
  2. ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية (1404-1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة: 128-129، جزء: 2. بتصرّف.
  3. ↑ محمد المنجد (10-12-2007)، "ما الذي يمتنع عنه من أراد أن يضحي؟"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-1-2018. بتصرّف.
  4. ↑ رواه الإمام مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سلمة هند بنت أبي أمية، الصفحة أو الرقم: 1977، صحيح.
  5. ↑ دائرة الافتاء (11-11-2013)، " حكم قص الشعر والظفر لمُريد التضحية"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 30-1-2018. بتصرّف.
  6. ↑ رواه ابن حجر العسقلاني، في الفتوحات الربانية، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4/356، صحيح.
  7. ↑ عادل العزازي (24-10-2013)، "محظورات الإحرام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-1-2018. بتصرّف.
  8. ↑ سورة البقرة، آية: 196.
  9. ↑ رواه الألباني، في حجاب المرأة، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 32، صحيح.
  10. ↑ رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عثمان بن عفان، الصفحة أو الرقم: 4124، أخرجه في صحيحه.