شروط التوبة النصوح
التوبة
التائب من الذنب كمن لا ذنب له، هذه هي حقيقة التوبة فهي تجبُّ ما قلبها من الذنوب والخطايا، ولذلك فمن رحمة الله بنا أن فتح لنا باب الإنابة إليه، والذي لا يغلق سوى في حالة الموت وطلوع الشمس من المغرب، فإن وقعت إحداهما أغلق باب التوبة أمام العبد مصداقاً لقوله تعالى: "وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً" النساء، وإن كان باب التوبة ما زال مفتوحاً أمامنا فحريٌ بنا أن نبادر ونسارع تائبين منيبين إلى ربّ العالمين.
شروط التوبة النصوح
- الندم على ما فات من الذنوب.
- ترك الذنب وعدم الإصرار عليه.
- عدم العودة إلى الذنب بعد أن خرج منه.
كيفية التوبة النصوح
التوبة النصوح: هي تلك التوبة التي يقر بها العبد الندم على فات من ذنوبه مع حرصه على عدم العودة إليها وهجر كل ماله علاقة بها، التي إذا ما صدّق قول العبد فيها فعله، والتزم بها كانت مكفرة لذنوبه وخطاياه حتى يُنسي الله الأرض كل ذنب عمله عليه، بل وتمحى من سجلات أعماله، ثم ينادي مناد من السماء :"أن هنؤوا فلاناً فقد اصطلح مع الله"، موقف عظيم إذ هل كان لله من الإنسان في حاجة حتى يفرح بتوبته وهو الغني عن كل مخلوق؟ كلا ولكنها تلك الرحمة الفريدة التي بها تفضّل الله وتكرّم على عباده ليطهّرهم مما علَق بهم من أدران ثم ليورثهم من بعد ذلك جنته.
هذا ومن جانب آخر وجدنا بعض العصاة الذين أسرفوا على أنفسهم بالخطايا والذنوب، قد نفث الشيطان في خلدهم بأنّهم إذا ما عادوا إلى ربهم تائبين نادمين بأنّ الله سيصدهم ويطردهم عن باب القبول، وينسون:" قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ "
من قصص التوبة
إن للتوبة والعودة إلى الله والإقبال عليه شأن عظيم، وآثار طيبة مباركة يخلفها الله على عبده في الدنيا قبل الآخرة، و لذلك سنذكر شيئاً من هذا بأسلوب قصصي فريد، لما فيه من العبرة ما فيه ومن ذلك:
- ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ يدور بِرَكِيَّةٍ بئر قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ زانية مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ" أرأيت ماذا فعلت ليتوب الله عليها؟ كل هذا فقط لأنها سقت كلباً فكيف بها لو قالت يارب تبت إليك وأنبت فكيف يكون المقام؟
- في نموذج ثالث نلمسه في خطاب الله عز وجل إلى داوود حيث قال:" يا داود، لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم لتقطّعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إلي، هذه إرادتي في المعرضين فكيف في المقبلين"، فكيف أنت وأنت تسمع هذا، وهو ليس بكلام صاحب أو حبيب إنّما كلام رب العالمين لك، ثم كيف بك لو علمت شوق الله لك ألا يكفيك هذا لتذوب حباً وشوقاً إليه، ولقد أيقن هذا قوم سابقون أطار الشوق سباتهم، وأسهر ليلهم تاقوا إلى الله وهاجرت إليه أرواحهم قبل نفوسهم، في رحلة الشوق هذه طالت غربتهم في تراب الدنيا فقصّروا أوقاتهم وزهدوا في انتظار لحظة الولوج إلى عالم الحب والقرب حين تسافر أرواحهم لربهم فيكتنفها برحمته شوقاً إليهم وفرحاً بهم.