الحوار لغةً هو مصدر الفعل حاوَرَ، وهو النّقاش أو الجدال، وهو الحديث بين شخصين أو أكثر،[1] وأصل الحوار لغة يعني الرجوع عن الشيء أو إليه، والمحاورة هي المراجعة للكلام والمنطق في المخاطبة،[2] أما اصطلاحاً فيُعرف الحوار بأنه الحديث الذي يحاول كل طرف من الأطراف المشاركين فيه أن يقنع الآخر بما يريد، بينما يقوم الطرف الآخر بمراجعة ما قيل منطقياً ومن ناحية الأفكار والحقائق، حيث يحاول كل طرف من الأطراف أن يجد أفكاراً جديدة ليقنع بها الطرف الآخر،[3] أما الحضارة لغةً فهي مصدر الفعل حَضَرَ وتُجمع حضارات، وهي الإقامة في الحضر، وهي مرحلة من مراحل التطور الإنساني تقوم على التمدن وكل ما يُناقض حياة البداوة،[4]والحضارة في الاصطلاح هي جُّل ما اخترعه الإنسان من أمور تجعل الحياة أكثر رقياً في مختلف الجوانب العقلية، والنفسية، والمادية، والخلقية.[5]
كما يمكن تعريف الحضارة بأنها مجموعة من الناس المشتركين في عاداتهم، وتقاليدهم، وقيمهم، بالإضافة إلى طرق تنظيمهم للمجتمع الذي يعيشون فيه،[6] أما الحوار الحضاري فهو أداة مهمة تؤدي إلى تحقيق التفاهم بين الشعوب المختلفة، وهو أداة إيجابية تحقق التعارف والتآلف بين الشعوب، وتؤدي إلى حسم القضايا التي تتشارك الشعوب وتهتم بها،[7] ويمكن تعريف الحوار الحضاري بأنه التفاعل بين الشعوب المختلفة في الثقافة، أو العرق، أو الدين، وتُشاركها في معتقداتها وأحكامها، وهي ما يعبر عن قدرة الحضارات على التعامل مع مختلف الآراء والأفكار السياسية، والثقافية والدينية، والجدير بالذكر أن الحوار بين الحضارات يقوم على تجسيد القواعد التي تحكم العلاقات بين الشعوب على اختلافها.[6]
حوار الحضارات في تعريفه المنهجي يدل على آلية تبادل دول وشعوب العالم آرائها ومشكلاتها، وتعيين حلولٍ لهذه المشكلات، ومن ثم تطبيق القرار الذي ترى أغلب المجتمعات والشعوب بصحته، حيث إن لكل مجتمع حضارته الخاصة، وبالتالي فإن له مشاكله الخاصة به، إلّا أن المجتمعات بطبيعتها ليست بمعزل عن بعضها البعض، فكل حضارة تؤثر وتتأثر بغيرها، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث مشاكل مشتركة بينها، وهو ما يطلق عليها المشاكل العالمية، فكان من الحوار الحضاري والذي تقوم المجتمعات على أسسه أن يساهم في حل مثل تلك المشكلات والوصول إلى القرار السليم بصددها.[8]
يحرص المفكرون والباحثون المسلمون المعاصرون على تأكيد حقيقة أن الإسلام يقوم في مفهومه لحوار الحضارات على الأخذ والعطاء مع الغرب، كما يؤكدون على أنه ليس هناك ثقافة على وجه الأرض رفعت من شأن الثقافات الأخرى كالحضارة الإسلامية، ويرى الإسلام أن أي كيان حضاري يقوم في أساسه على أربع قواعد وهي القاعدة الإيمانية الأخلاقية، والقاعدة الفنية الجمالية، والثقافية المعرفية، وأخيراً التقنية الصناعية.[9]
وعليه فإن اختلاف الحضارات الإنسانية يكون بصدد تغير ترتيب وقواعد الكيان الحضاري من حضارة لأخرى، وفي الحضارة الإسلامية القاعدة الإيمانية والأخلاقية هي القاعدة السائدة التي تميزها عن غيرها من الحضارات، وإن حوار الحضارات في الفكر والثقافة الإسلامية ينبثق عن مبدأ الإقرار والتأكيد على التنوع الحضاري والثقافي، بالإضافة إلى تعدد اللغات، والعدل بين الناس وعدم تفضيل أحد على أحد بناءً على لون، أو جنس، أو عرق، أو أي من عوامل التفريق الأخرى، كما أن الفكر الإسلامي يقر بتداول الحضارات لآرائها وخبراتها، وأن التطور ليس ملكاً لأحد وليس حكراً على أحد فهو أمرٌ متاحٌ لجميع الشعوب.[9]
كي يحقق الحوار بين الحضارات أهدافه المرجوة والتي يعد تجاوز التصادم والصراع بين الحضارات أهمها لا بد من أن يحقق شروطاً معينة، ومن هذه الشروط:[7]