-

تعريف تفسير القران

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

فضل تفسير القرآن الكريم

علم تفسير القرآن الكريم من أشرف العلوم وأعلاها منزلةً بين علوم الشريعة، ولا شكّ أنّ حاجة الأمة إليها ماسّةً، يقول المولى -سبحانه-: (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّـهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّـهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)،[1] وقد حاز أهل التّفسير على غاية الفضل من الله -تعالى-؛ إذ شرّفهم بالانشغال في فهم كلامه -سبحانه-، ومعرفة مُراده في آيات القرآن الكريم، وقد جاء في الأثر أنّ فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، وأمّا فضائل علم التفسير فكثيرةٌ بحيث يصعب حصرها في مقال، وأوّل أصل في باب فضائل علم تفسير القرآن الكريم أنّه معينٌ على استيعاب معنى كلام الله -تعالى- وفهم مراده، والاشتغال بعلوم القرآن والتفسير اشتغالٌ بأحسن الكلام، ومن شغل نفسه بتفسير القرآن فقد فتح على نفسه أبواب العلم الشرعي جميعها، حيث إنّ العقيدة ومسائلها مبينةٌ في القرآن الكريم، وكذلك أصول الأحكام الفقهية في أبواب العبادات، والمعاملات، والمواريث، والأحوال الشخصية، وغيرها، مطروقةٌ في ثنايا القرآن الكريم تفصيلاً وإجمالاً، ولا يخفى كم احتوت سور القرآن الكريم من حديث في أصول القيم، والسلوك، والتزكية، والأخلاق الرفيعة، والآداب الحسنة، وغير ذلك من الأخبار والقصص التي اختلف فيها قبل الإسلام كثير من الأمم، يقول الله -عزّ وجلّ-: (إِنَّ هَـٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)،[2][3] وبعد هذه الإطلالة على أهمية وفضل علم التفسير يتناول هذا المقال تعريف علم التفسير، وأنواع ومناهج التّفسير عند العلماء وأهل الاختصاص.

تعريف تفسير القرآن ومناهجه

إنّ بيان المقصود بتفسير القرآن الكريم يقود الباحث للكشف عن أنواع التّفسير، ومناهجه، ومدارسه المعتبرة عند أهل هذا العلم، حيث إنّ علم التفسير مرّ بمراحلٍ وتطوّراتٍ حتى استقرّ به الأمر إلى أن أصبح علمٌ خاصٌّ له فنونه وأحكامه، وفيما يأتي بيانٌ لبعض هذه المسائل:

تعريف تفسير القرآن

عرّف التفسير في اللغة والاصطلاح الشرعي، وفيما يأتي بيان ذلك، وبيان المصطلحات المتعلّقة بالتفسير، والعلاقة بينها:

  • تعريف تفسير القرآن: التفسير في لغة العرب يعني الكشف والإيضاح، وهو في الاصطلاح لا يبتعد عن معناه اللغوي، إذ إنّ هذا المصطلح غلب عليه عند إطلاقه تفسير القرآن الكريم، وعرّفه الإمام الجرجاني بأنّه توضيحٌ لمعنى الآية، وبيانٌ لشأنها، وكشفٌ لقصّتها، ومعرفة سبب نزولها، ويكون كلّ ذلك بألفاظٍ تدلّ على المقصود دلالةٌ بيّنةٌ واضحةٌ.[4]
  • التأويل: يعدّ مصطلح التّأويل من الألفاظ ذات الصّلة بمصطلح التّفسير، ويُقصد به في الاصطلاح: الانتقال باللفظ من معناه الظاهر المتبادر إلى الذّهن ابتداءً، إلى معنىً آخر يحتمله السّياق شريطة ألّا يعارض كتاب الله -تعالى- وسنة النبي -عليه السلام-.[4]
  • الفرق بين التفسير والتّأويل: الفرق بين المصطلحين هو أنّ التفسير أعمّ من التّأويل، فأكثر عمل المفسِّر في الألفاظ والمفردات، غير أنّ المأوِّل يعمل على المعاني والجمل، ورأى بعض المحقّقين أنّ المعنى البيّن الواضح في كتاب الله والمحدّد في سنة رسوله يسمّى تفسيراً؛ لأنّ معناه ظاهرٌ وجليٌّ، ولا يخضع لاجتهادٍ أو تأويلٍ، أمّا التّأويل فمجاله في الآيات التي تحتاج إلى استنباطٍ من العلماء العالمين بفنون التّأويل.[5]

مناهج التّفسير

تعدّدت مناهج التفسير للقرآن الكريم، واستقرّ أمر هذا العلم على اتّجاهين في أخذه، وهما: التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي، وشكّل كل اتجاهٍ مدرسةً لها أصولها وفنونها وسماتها وأتباعها، ومجمل ذلك فيما يأتي:[6]

  • التفسير بالمأثور: ويُقصد به تفسير القرآن الكريم بالاعتماد على ما جاء في آيات القرآن من بيانٍ وتفصيلٍ لبعض آياته، وبما ثبت أيضاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وما صحّ نقله عن الصحابة الكرام والتابعين -رحمهم الله-، ومثاله في تفسير القرآن بالقرآن في بيان المراد بالذين أنعم الله عليهم في قول الله تعالى: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)،[7] حيث ذهب أهل التّفسير بالمأثور إلى أنّ المولى سبحانه كشف عنهم بقوله: (وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا)،[8] ومن أشهر ما صنّفه علماء التفسير بالمأثور: تفسير الطبري المسمّى بجامع البيان في تفسير القرآن، والمحرّر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير.
  • التفسير بالرأي: ويُقصد به تفسير آيات القرآن الكريم عن طريق الاجتهاد الناتج عن معرفة المُفسّر لطرائق كلام العرب، ومعرفته لألفاظ ومعاني ودلالات اللغة العربية، فضلاً عن معرفته بعلوم القرآن الكريم الأخرى، مثل: أسباب النزول والناسخ والمنسوخ، ومثال هذا المنهج في التفسير ما جاء عند الإمام الرازي في تفسيره لقول الله -عزّ وجلّ-: (مَن كانَ يُريدُ الحَياةَ الدُّنيا وَزينَتَها نُوَفِّ إِلَيهِم أَعمالَهُم فيها وَهُم فيها لا يُبخَسونَ)،[9] حيث ذهب إلى أنّ سياق الآية يستوعب أنْ يندرج فيه المرء المؤمن والكافر، على اعتبار أنّ كلاهما يرغبُ إلى التّمتع بملذات الدنيا والانتفاع بخيراتها، ثمّ رجّح أنّ المقصود الأقرب يدلّ على أنّ المراد بقوله تعالى: (مَن كانَ يُريدُ الحَياةَ الدُّنيا) هو الكافر، لأنّه -سبحانه- قال بعدها: (أُولـئِكَ الَّذينَ لَيسَ لَهُم فِي الآخِرَةِ إِلَّا النّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعوا فيها وَباطِلٌ ما كانوا يَعمَلونَ)،[10] وهذا خطابٌ لا يليق إلّا بأهل الكفر، ويكشف هذا المثال عن المنهج العام للتفسير بالرأي اعتمد الإمام الرازي في تفسير الآية على إعمال العقل الذي يسنده الدليل النقلي، ومن أهم ما حوته المكتبة الإسلامية من كتب التفسير بالرأي: البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، وروح المعاني للآلوسي.

شروط المفسّر

المفسّر لكتاب الله تعالى يلزم أن تتحقّق فيه جملةٌ من الشروط بينها أهل العلم، وقد جمعها الأستاذ أحمد محمد معبد رحمه الله في كتابه: نفحات من علوم القرآن، وفيما يأتي بيان بعضها:[11]

  • صحة العقيدة وسلامة إيمان المفسّر، وتجرّده عن الهوى.
  • على المفسِّر أنْ يشرع في طلب تفسير القرآن بالقرآن نفسه، ثمّ يُطلب تفسير آي القرآن بالسنة النبوية، حيث إنّ السنة مبينةٌ وموضّحةٌ ومؤكّدةٌ على ما جاء به القرآن الكريم، وفي هذا يقول المولى -سبحانه-: (إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّـهُ وَلَا تَكُن لِّلْخَائِنِينَ خَصِيمًا)،[12] ثمّ بأقوال الصحابة، فهم الأخبرُ بمراد الله -تعالى- حيث عايشوا نزول الوحي وشاهدوا القرائن والأحوال، فضلاً عمّا حباهم الله من صفاء القريحة وغزير العلم وخالص العمل، ويلجأ المفسّر إلى أقوال التابعين عندما لا يجد مراده في القرآن، ولا في السنة، ولا في أقوال الصحابة.
  • على المفسّر أن يكون عالماً باللغة العربية، ومفرداتها، وأصولها، وفروعها.
  • ضرورة العلم بالعلوم المرتبطة بالقرآن الكريم وأصول التفسير، وأنْ يراعي دقّة الفهم على نحوٍ يُمكّنه من ترجيح معنىً على آخر.

المراجع

  1. ↑ سورة المائدة، آية: 15-16.
  2. ↑ سورة النمل، آية: 76.
  3. ↑ عبد العزيز المطيري (21-5-2016)، "فضل علم التفسير وحاجة الأمة إليه"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-12-2018. بتصرّف.
  4. ^ أ ب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية (1404 - 1427 هـ)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 92، جزء 13. بتصرّف.
  5. ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويتية (1404-1427)، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 93، جزء 13. بتصرّف.
  6. ↑ المقالات (13-10-2016)، "التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2018. بتصرّف.
  7. ↑ سورة الفاتحة، آية: 7.
  8. ↑ سورة النساء، آية: 69.
  9. ↑ سورة هود، آية: 15.
  10. ↑ سورة هود، آية: 16.
  11. ↑ محمد المنجد (1-5-2017)، "أفضل العلوم وبيان شروط المفسر لكتاب الله"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 7-12-2018. بتصرّف.
  12. ↑ سورة النساء، آية: 105.