-

حوار عن اخلاف الوعد

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

يعتبر الوفاء بالوعد من شيم الصادقين المخلصين، والأشخاص الناجحين في حياتهم، بينما إخلاف الوعد ما هو إلّا نزغٌ من النفاق إذا استمر فيه الإنسان فستكتسب شخصيته طابعًا سيئًا، وسيبتعد عنه الآخرون فهو مصدرٌ غير آمن. وقد ذكر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك جليًا في حديثه الشريف عندما قال: "آية المنافق ثلاث، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان)؛ فإخلاف الوعد هو من صفات المنافقين، وله أبعاد اجتماعية سلبية جدًا إذ أنّه يقلل من الثقة بين الأفراد، وهذا من شأنه أن يقلل الترابط بين أفراد المجتمع الواحد.

قال الأصمعي: "وصف أعربي قومًا فقال: أولئك قومٌ أدبتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تغرهم السلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التسويف الذي قطع الناس به مسافة آجالهم، فقالت ألينتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال".

كثيرة هي الحوارات التي تكون بين شخصين أو أكثر عن إخلاف أحدهم لوعد، وتكون بين الأصدقاء، وبين الشركاء، وبين موظف ومديره أيضًا عندما يعدهم بالتغيير وتحسين وضع عملهم وغيرها من الظروف. ولعلّ أكثر إخلاف الوعود تكون بين الشركاء والأصدقاء، والاستمرار في إخلاف الوعد يؤدي إلى نهاية العلاقة بينهم؛ لأنّه لم تعد الأجواء التي تجمعهم هي أجواء الثقة والأمان والاطمئنان؛ بل انقلبت عكس ذلك.

في حوارٍ بين صديقين كانا على اتّصالٍ وتواصلٍ دومًا، دأبهم العلم والصلاة، مجتمعين على طاعة الله دومًا، بعد فترة حدث بينهما حوار بعد أن حاد أحدهما عن طريق الصواب والصلاح الذي كانا يسيران عليه وكان حوارهما:

الأول: ما لي أراكَ يا أخي قد ابتعدت كثيرًا، وكأنك تهوى الجفاء؟ أما تذكر الوعود التي بيننا؟

وعدٌ بأن لا نترك الصلاة إلّا ونصلّيها سويةً، ووعد أن نبقى على تواصل، ووعد أن نذاكر دروسنا سوية.

الثاني: مالي وهذي الوعود التي تقيدني، أتريدني أن أكون في سجنٍ عنوانه وعود، ثمّ من قال أنّها ذات أهمية، أقول لك اليوم نعم وغدًا أقول لا، ما المانع في ذلك، فمزاجي ليس بيدي، هو متقلبٌ كل يومٍ كيف يشاء، وأنا على هواه أسير.

الأول: أتذكر يوم قطعنا وعدًا بأن نذهب لدار المسنين، واتفقنا على أن ندفع تكاليف زيارتنا سويّة، ثمّ تخلفت عن المجيء ووضعتني في موقف محرجٍ، وكان عليّ أن أوفي لأصحاب المحال بأموالهم؟ أنا لا أطالبك بالمال ولكن لو قلت لي مسبقًا لما حدثت مشكلة كبيرة يومها.

الثاني: ألا تعتقد أنّ هذا ممتعٌ قليلًا، ثمّ لماذا أتكبّل معك بكل هذه الأشياء، ومن قال بأنّي وافقت، لقد قلتها مزاحًا ثمّ أنت الذي أخذت الأمور بجدية.

الأول: ألم نتعاهد وضربنا أكفنا سوية في حماسٍ شديد.

الثاني: إنّها حركاتٌ طفولية أوَ تعتبرها شيء كبير، لا أرى في الوعد شيء مثير للاهتمام.

الأول: احذر يا صديقي أن تستمر في هذا الطريق، فهو سبيل النفاق والضياع، ثمّ إنّك لن تجني من هذا الإخلاف إلّا فقدان الأحبة من حولك.

الثاني: أوَتظن ذلك؟ إذن سأفكر في الموضوع ثانية، فربما ضائقة الصدر التي أعيشها مؤخرًا هي من هذه التصرفات، ولكن عِدْني أن تكون بجانبي

الأول: وعدٌ مني لن أخلفه، سأكون جوارك دومًا.