عوامل الطلاق
الطلاق
إنّ عقد النكاح من العقود التي لها شأنٌ كبيرٌ عند الله تعالى، وقد أمر الله بالوفاء به في جملة قوله عن العقود كافّةٍ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ)،[1] ووصفه بأنّه الميثاق الغليظ، فبسببه تقوم البيوت، ويُغضّ البصر، وتُحفظ الفروج، وتسكن النفس وتطمئن، وهو سبب الحصول على الولد، ولمّا شرع الإسلام الزواج، شرع ما يسبّب استمراره، فأوصى الرجال بالنساء خيراً، وأمر الرجل إن رأى من المرأة النشوز والعصيان، فلا يتسرّع في الطلاق، بل يعظها ويذكّرها، وجوّز له أن يهجرها في المضجع، وأن يضربها ضرباً يسيراً غير مبرّحٍ؛ لعلّ ذلك يردعها عن عصيانها، والمرأة كذلك مطالبةٌ بالصبر على زوجها، فطاعتها لزوجها سببٌ في دخولها الجنّة، وإن لم تتّعظ المرأة من الضرب اليسير أو الهجران في المضجع؛ فقد أمر الشرع بحكمين؛ حكمٌ من أهله وحكمٌ من أهلها، فإمّا أن يكون الحكم باجتماعهما أو بتفرّقهما، وقد شرع الإسلام الطلاق حين تتعذّر جميع أسباب اجتماع الزوج مع الزوجة، ولا يكون هناك خلاصٌ وانتهاء للمشاكل بينهما، فوجود المشاكل بين الرجل والمرأة سببٌ لشقاء كلٍّ منهما، ولكنّ هذا الطلاق لا يكون على حسب أهواء الناس، وإنّما على ما نصّ عليه كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وسلّم، فإن اتّبع المسلم في زواجه وطلاقه أحكام الشّريعة وتعاليمها كان على كلّ خيرٍ.[2]
عوامل الطلاق
هناك أسبابٌ متعدّدةٌ للطلاق استخلصها العاملون على قضايا الطلاق، أوالمحاولون للإصلاح بين الأزواج، وبيان بعضٍ من هذه الأسباب بشكلٍ مفصّلٍ على النحو الآتي:[3]
- تقصير أهل الزوجة في السؤال عن الزوج، وكتمان أهل الزوجة لبعض عيوبها وما فيها من خللٍ في دينها أو خُلقها أو جسدها، فالكثير من الزوجات تتفاجئ بالزوج بعد الزواج، وما كانت لترضى به لو علمت بذلك قبل الزواج، وكذلك الأزواج إذا فوجئوا بما بعد الزواج بأمورٍ ما كانوا ليرضوا بها لو علموها قبل الزواج، وما حصل ذلك إلّا نتيجةً لتقصير أهلها في السّؤال عنه، كما يجب على من سُئل عن أحدٍ ألّا يغشّ في جوابه عنه.
- عدم المساواة والتّكافؤ بين الزوجين في الدّين والأخلاق والمكانة الاجتماعية؛ فتجدها ذات دينٍ وهو منحرفٌ أخلاقيّاً، أو تجده ذا دينٍ وهي من المتساهلين في الوقوع في حرمات الله؛ فيقهر كلٌّ منهما الآخر، أو يكون أحدهما غنيّاً والآخر فقيراً، فكلّما كانا قريبين من بعضهما البعض في المستوى الدينيّ والاجتماعيّ والأخلاقيّ؛ كان ذلك أدعى لاستمرار العلاقة بينهما.
- التقصير في حقوق الله تعالى من القيام بالعبادات، وانتشار المنكرات في بيت الزوجية، ممّا يؤدّي إلى ضيق الصدور وسرعة افتعال المشاكل من أهون الأسباب، فقد قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (لا تجعلوا بيوتَكم مقابرَ، إنَّ الشيطانَ يِنْفِرُ من البيتِ الذي تُقرأُ فيه سورةُ البقرةِ).[4]
- الغيرة المفرطة التي تؤدّي إلى شكّ كلٍّ منها في الآخر، فتجدها تشكّ في تصرفاته وهو كذلك، ويفسّر كلٌّ منهما تصرّفات الآخر بحسب هذا الشكّ، وقد ضبط الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- الغيرة، فقال: (منَ الغَيرةِ ما يحبُّ اللَّهُ ومِنها ما يُبغِضُ اللَّهُ، فأمَّا الَّتي يحبُّها اللَّهُ فالغيرةُ في الرِّيبةِ، وأمَّا الغيرةُ الَّتي يُبغِضُها اللَّهُ فالغَيرةُ في غيرِ ريبةٍ).[5]
- جهل كلّ واحدٍ من الزوجين بحقوقه وواجباته؛ فيظن ما هو ليس بحقّه أنّه حقٌّ له، مع تقصيره في القيام بواجباته وعدم علمه بأنّها واجباتٌ عليه أن يؤدّيها، فيقوم النزاع بين الزوجين، ولو علم كلّ واحدٍ منهما ما له من حقوقٍ وما عليه من واجباتٍ؛ لما نشأت المشاكل.
- تهديد الزوج زوجته بالطلاق؛ ليردعها عن عملٍ معيّنٍ، فتأبى الزوجة إلّا أن تعاند، وترى الزوج من أجل عزّته يطلّقها مع عدم رغبته في ذلك، ويجب على الزوج حين يتّخذ قرار الطلاق أن يكون متأنّياً هادئاً في قراره، وألّا يكون الطلاق هو الحلّ الأوّل لجميع المشكلات.
أنواع الطلاق
للطلاق أنواعٌ كثيرةٌ باعتباراتٍ متعدّدةٍ، وهذه الأنواع بحسب اعتبارات تقسيمها، هي:[6]
الطلاق باعتبار الحلّ والحرمة
يقسّم الطلاق باعتبار الحلّ والحرمة إلى الطلاق البدعيّ والطلاق السنّيّ، والطلاق السنّيّ؛ هو الّذي يكون موافقاً لهدي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وله ضوابط، منها: أن يكون له سببٌ، وأن يقع في حالة طهرٍ للمرأة، وأن يكون مرةً واحدةٍ؛ فإن رمى كلمة الطلاق مرتين أو ثلاثة أو أكثر، فإنّ الطلاق يكون بدعيّاً، أمّا الطلاق البدعيّ فهو الطلاق المخالف لهدي النبيّ -عليه السّلام- في كيفيّة إيقاعه، وقد أجمع العلماء على حرمة إيقاعه، وضوابطه تُعرف من خلال عكس ضوابط الطلاق السنّي.
الطلاق باعتبار الرجعة وعدمها
وينقسم هذا الطلاق إلى طلاقٍ رجعيٍّ وطلاقٍ بائنٍ، فالطلاق الرّجعي؛ هو الذي يملك فيه الزوج أن يرجع زوجته إلى عصمته ما دامت في العدّة بمحض إرادته، دون موافقة الزوجة ودون عقدٍ ومهرٍ جديدين، ويصحّ في الطلاق الرجعي كلّ ما يصحّ بين الزوجين، أمّا الطلاق البائن فله قسمان، الأوّل: الطلاق البائن بينونةً صغرى؛ وهو الذي لا يملك فيه الزوج أن يعيد زوجته إلى عصمته إلّا بمهرٍ وعقدٍ جديدين، والثاني: الطلاق البائن بينونةً كبرى؛ وهو الذي لا يملك فيه الزوج أن يعيد زوجته إلّا بمهرٍ وعقدٍ جديدين، وبعد أن تتزوّج غيره زواجاً صحيحاً ويدخل بها، ثمّ يفارقها بموتٍ أو طلاقٍ وتنتهي من عدّتها به.
الطلاق باعتبار صيغته
يقسم الطلاق باعتبار صيغته إلى: طلاقٍ صريحٍ وطلاقٍ كنائيّ، أمّا الطلاق الصريح؛ فهو الذي يستخدم فيه الزوج الألفاظ الصريحة للطلاق، فهذا الطلاق يقع بمجرّد النطق به حتّى لو لم تكن نيّة الزوج فيه الطلاق، أمّا الطلاق الكنائيّ؛ فهو الذي يستخدم في الزوج ألفاظاً تحتمل الطلاق وغيره، فهذا يحتاج فيه إلى نيّة الطلاق حتّى يقع.
المراجع
- ↑ سورة المائدة، آية: 1.
- ↑ عبدالعزيز آل الشيخ (1-1-2008)، "الطلاق في الإسلام"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-9-2018. بتصرّف.
- ↑ إبراهيم الحقيل (3-8-2017)، "من أسباب الطلاق (1)"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-9-2018. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 780، صحيح.
- ↑ رواه الألباني ، في صحيح أبي داود، عن جابر بن عتيك، الصفحة أو الرقم: 2659، حسن.
- ↑ فارس العزاوي (4-9-2014)، "أقسام الطلاق"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-9-2018. بتصرّف.