خواطر حب لا ينتهي
تمنت حباً لا ينتهي
استيقظت ذات صباح فأدركت أنّ عمر قلبها يتضائل من سقم حبّه وعقلها ينوح بشغف عشقه، فوجدت أنّ واقعها وأحلامها أصبحت مريرة برحيله، فتمنّت أنّها أبقته سراً بين ضلوعها ليبقى خيبتها وحدها، نظرت إلى نافذتها فرأت أنّ الغيوم قرّرت مشاركتها حزنها فتلبّدت كما قلبها بحبّه، لم تشأ أن تقرّ بخيانته، ورغم ذلك رضيت بأن تعيش كذبة برائته، لم يستأذن قلبها بدخوله فغزاه وتمركز حبّه في منتصف قلبها رافعاً أعلامه منتصراً بفوزه غير آبه بما سبّبه من دمار، رمت بجسدها المنهك تحت المياه البارده لتثلج قليلاً ممّا أصابها من خذلان، حاولت أن تتناساه رغم أنّ قلبها وعقلها وكل خليةً فيها تأبى نسيانه، حاولت أن تستجمع قواها أن تعيد بنائها أن تنجو بنفسها، لكنّها لم تستطع، ألم تحاول بما فيه الكفاية؟ أم أنّها لم تكن فعلاً تريد أن تنجو بما تبقّى من روحها الساذجة، ليست واثقة من رغبتها في محوه من أركان ذاكرتها، إنّها تجوعه جوعاً سماوياً، تتمنّى أن تضمّه إلى قلبها فتلتقي نبضاتها بنبضاته مكوّنة موسيقى تتراقص عليها الشموس والأقمار، يا رحمة للعاشقين! حيّهم ميت وميّتهم منسيٌّ وجديدهم ضائع، يمشون كما يمشي بنو الإنسان ويأكلون كما يأكلون ويتنفسون كما يتنفسون، ولكنّهم يعيشون في دنيا لا يعرفها البشر ولا يجدون إليها صلة، سلو المحبين عن شقاهم، يحلفون لكم أنّهم لا يطلبون إلّا نظرة تروي الظمأ وبسمة يفنون فيها يعرفونها في سبحات التأمل في ليالي الوحدة، يهمس العاذلون: انسَ ليلاك، ففي الأرض ليلات كثر، واستبدل بها، وما يدري العاذلون ماذا يلاقي، لا..ولا نظروا إلى ليلى بعينيه ولا شعروا بها بقلبه، فيا رحمة للعاشقين ممّا تقول العواذل.
انقطع حبل أفكارها بدخول صديقتها عليها، حاولت إخفاء وجهها الذي تآكلت بهجته ومسحت ما سال من ينابيع مقلتيها، سألتها صديقتها: ما الذي أصابك ولماذا عينيك قد أحلّها التعب؟، أجابت والدنيا تخنقها بحبال الشوق: عندما تضيق بي دنياي لا أريد سوى صوته، رغم أنّه لم يسعدني، لا بل زاد بخذلاني إلّا أنّ حبّه باقٍ لم يمت بداخلي لم يهمل ولم يهمّش، علم بأنّي أحبّه أعيشه وأشعر به، فتركني للأوجاع تركني أصارع النزف الذي زرعه فيَّ، بقيت وحيدة مع الشرخ الذي أحدثه في عمري أردته أن يضمّده أن يجمع ما تناثر من شظايا أيّامي الضائعة، لكن لا مجيب لندائي، أجابتها صديقتها: لا تدعي شيء يوقفكِ يا لانا، راكمي تلك التصرفات التي تزيد من حزنك فتجعل منه حزناً استثنائياً، زلزالاً مدمراً! أيعقل أن شخصاً يحب ويفعل بمن يحبه هكذا؟، لو تأملتي قليلاً فقط لعلمتي أنّ بعض البشر بمجرد أن نحبهم لا يعني ضرورة إبقائهم في حياتنا، ولا تواجدهم في أحداثها، لا وإنّما بين طيات ذكرياتنا الناعسة، فبعض النفوس تكون جميلة عند خلق مسافه بينها.
هل وقعت ضحية من ضحايا الحب
وما أنا إلّا مُريئةٌ حُبست في قُليب عشقك البنفسجي...تليق بي عتمة موهنٍ من الليل في أواسطك...أبلدتني بل غَزَوْتني واستعمرتني كما لم يفعل الأسود والأحمر...تتصفحني وكأنّي قصة تقرأها قبل المنام...أرأيتني كعذرية كتاب مغلقٍ على سره؟...رواية لم تفصل أوراقها عن بعضها البعض...بل ضللتُ كتاب من تلك الكتب القديمة...التي ما عاد المرء يتوقّع مصادفتها في حياته!
يقول العاذلون: أما وجدتي حباً أخنع من حبه؟...أم أنّ أزفلة من البشر هّزوا كيانك وقلبوا موازينك بما يسمّونه بالعشق؟!...وما يدري العاذلون ماذا ألاقي...لا ولا ذاقوا خمر عشقه ولا شعرو به بقلبي!...فيا رحمة لقلبي ممّا تقول العواذل...
لم يكن من بني الإنسان!...بل كان كائناً ملائكياً مسّ قلبي وهزّ كياني... أجوعه جوعاً سماوياً فلا أريد إلّا أن أدخله بين ضلوعي واستنشقه كأكسجين...منذ عرفته!...لم تلمس ريشة الضوء محبرة الليل إلّا لتكتب على جبين الصبح حكايات من السهر...ينام الناس وأسهر ليلي، أساير النجوم في مسالكها...لا أرى حينما أنظر غيره ولا أبصر سواه، أراه بين سطور الكتب إن قلّبت نظري بين صفحاته...أراه في كل شيء ألمحه فإن أغمضت عيني أرى طيفه في ثنايا الأحلام...
إلهي! ...من أين لي أن أروي هذا الظمأ الروحي؟...إنه كالخل للعطشان، يشربه فيحرق أمعاءه ويزيد ظمأه...فهل وقعت ضحية من ضحايا الحب؟...كما قال الطنطاوي: هذه الكلمة المؤلفة من حرفين اثنين، الحاء التي تعبّر عن الحنان والباء الساكنة التي ترى الفم وهو ينطق بها مجموع الشفتين وكأنّه متهيء لقبلة!
لا يهم!...فكل ما أعرفه...أنّني متيمةٌ بحبك لا محالة...وسلامٌ على قلبي من بعدك!