-

دلائل وحدانية الله

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

تعريف الوحدانية

الوحدانية مصدر صناعي من الوحدة، وهي صفة من صفات الله تعالى، وتعني أن الله -تعالى- يمتنع أن يشاركه غيره في الخلق أو الملك أو التدبير أو الماهية،[1] ويمكن الاستدلال عليها بالعقل والشرع والفطرة.[2]والتوحيد الخالص والوحدانية الخالصة لا توجد إلا في الإسلام، فأصحاب الديانات السماوية الأخرى إنما حرّفوا وبدّلوا ولم يعد دينهم على التوحيد الخالص، وشابه الكثير من الشرك والبعد عن الوحدانية.[3]

دلائل وحدانية الله

الأدلة العقلية على الوحدانية

تعرّض القرآن الكريم للأدلة العقلية على وحدانية الله تعالى، ومن تلك الأدلة:

  • دليل التمانع: فلو افتُرِض وجود إلهين لهذا الكون، فأراد الإله الأول أن تطلع الشمس من المشرق، وأراد الإله الثاني أن تطلع الشمس من المغرب، فأيّ الإلهين يُمضي إرادته؟ فلو كان الأول فالثاني إذن ليس بإله؛ لأن قدرته ناقصة، والناقص لا يمكن أن يكون إلهاً، وإن تحقّقت إرادة الثاني فإن الأول ليس بإلهٍ كذلك، وهذا الدليل ورد ذكره في القرآن، حيث قال تعالى: (لَو كانَ فيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتا فَسُبحانَ اللَّـهِ رَبِّ العَرشِ عَمّا يَصِفونَ)،[4]، فدل هذا على أن تعدد الآلهة يوجب فساد الكون واختلال نظامه، حيث قال تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّـهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يَصِفُونَ).[5][6]
  • دليل الإتقان: خلق الله تعالى الكون وما فيه على أتم وأكمل هيئة، ولو كان في هذا الكون أكثر من إله لتعارض خلقهما، ولما كان الكون على هذه الهيئة من الحسن والجمال والدقة والإتقان، وقد قال تعالى: (اللَّـهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).[7][8]

دليل الفطرة على الوحدانية

إن من الأدلة على وحدانية الله -تعالى- ما هو مركوز في النفوس من لجوئها إلى الله -سبحانه وتعالى- عندما يصيبها البلاء والمشقة والحزن، فإنها تلجأ لمن يملك النفع والضر، ولا تلجأ لغيره لعلمها بأن النفع والضر بيد الله وحده وليس بيد غيره، وهي تحتاج إلى ملجأٍ واحدٍ فقط، فقد قال تعالى: (وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحرِ ضَلَّ مَن تَدعونَ إِلّا إِيّاهُ)،[9][10]فمعرفة الله تعالى من المعارف الضرورية، ومن هذا قوله تعالى: (قالَت رُسُلُهُم أَفِي اللَّـهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالأَرضِ)،[11] فالله -سبحانه وتعالى- خلق الخلق على فطرة الوحدانية، وإنما جاءت الرسل لتذكّر العباد بالفطرة، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربّه: (إنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وإنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عن دِينِهِمْ).[12][13]

دليل الشرع على الوحدانية

أرسل الله -سبحانه وتعالى- جميع الرسل وهم يدعون إلى رسالة واحدة، ألا وهي: رسالة التوحيد، والأنبياء الذين أيّدهم الله بالمعجزات أخبرونا أن الله -تعالى- واحد أحد، حيث قال تعالى: (وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّـهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ)،[14] وكذلك قوله تعالى: (وَما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ مِن رَسولٍ إِلّا نوحي إِلَيهِ أَنَّهُ لا إِلـهَ إِلّا أَنا فَاعبُدونِ)،[15] والتوحيد والوحدانية لم تذهب إلى نقيضه طائفة معروفة مشهورة، بل حتى من قال بعقيدة التثليث مع تناقضهم فإنهم يقولون بأن صانع العالم واحد، حيث يقولون: باسم الابن والأب وروح القدس إلهاً واحداً، وكذلك القائلون بوجود أصلين لهذا الكون وهما: النور والظلمة، فإنهم كذلك يقولون بأن النور أفضل من الظلمة، فهم يصلون في المآل إلى الوحدانية وعدم إمكانية أن يكون للكون صانعان متكافئان.[16]

كفار قريش وقضية الوحدانية

لم يكن كفار قريش ممن ينكر الوحدانية لله سبحانه وتعالى، فمن أقسام التوحيد؛ توحيد الربوبية، وهو يعني إفراد الله -سبحانه وتعالى- بالخلق والملك والتدبير، ولم يكن عند كفار قريش إنكار لهذا المعنى، ومن الأدلة على ذلك:[17]

  • أنهم كانوا إذا سُئِلوا عن خالق السماوات والأرض والرازق والمدبر لأحوالهم قالوا: الله، حيث قال تعالى: (قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ* قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ* سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ* قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ* سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ).[18]
  • أنهم كانوا يعبدون الأصنام لتقرّبهم إلى الله تعالى، فهم مقرّون بوجود الله وأنه المتفرّد بالخلق، وإنما كان أصل الخلل والإشكال في توحيد العبادة وصرفهم إياها لغير الله تعالى، فقد قال تعالى: (أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَى).[19]
  • أنهم كانوا يحلفون بالله -سبحانه وتعالى- حلفاً مؤكَّداً، مما يدل على إيمانهم بوجود خالق متفرّد للكون.

ثمار الإيمان بالوحدانية

إذا أيقن المسلم بأن الله -سبحانه وتعالى- وحده المدبّر والمتصرّف في هذا الكون، وأنه لا يعجزه شيء وهو قادر على كل شيء، أنست نفسه واطمأنت روحه، وكان ثابتاً في مواجهة مصاعب الحياة وفتَنها، كما إنه بذلك يزداد تعلّقه بالله -تعالى- فيكثر من الدعاء والالتجاء إليه وحده والإكثار من ذكره، بل ويخاف من الذنب والمعصية؛ لأنه يعلم أن الله قادرٌ عليه ولا يعجزه شيء، وأن المسلم تحت سلطان الله -تعالى- وقهره، فالعبد بين يدي ربّه في كل وقت، والله قادرٌ عليه في كل حالٍ، وفي هذا يقول صلى الله عليه وسلم: (ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا).[20]

كما إن المسلم إذا أيقن بأن الله هو الرازق وهو المعطي والمانع وهو النافع والضار؛ لم يتوكّل إلا عليه، ولم يعتمد إلا عليه، ولم يخاف إلا منه، ولم يوجّه عبادته إلا إليه، ولم يدعو إلا الله -تعالى- دون أحد سواه، فتوحيد الربوبية موصلٌ إلى توحيد الألوهية.[21]

المراجع

  1. ↑ مجمع اللغة العربية (2004)، المعجم الوسيط (الطبعة الرابعة)، القاهرة: مكتبة الشروق الدولية، صفحة 1017. بتصرّف.
  2. ↑ ابن تيمية (2004)، مجموع الفتاوى، المدينة المنورة : مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 37، جزء 2. بتصرّف.
  3. ↑ بركات دويدار (2006)، الوحدانية (الطبعة الأولى)، القاهرة: دار الآفاق العربية، صفحة 417. بتصرّف.
  4. ↑ سورة الأنبياء، آية: 22.
  5. ↑ سورة المؤمنون، آية: 91.
  6. ↑ أحمد مصطفى كامل (23-5-2009)، "دليل التمانع والتوارد وإثبات وحدانية الإله الواحد"، www.majles.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-4-2019. بتصرّف.
  7. ↑ سورة الزمر، آية: 62.
  8. ↑ محمد بن إبراهيم التويجري (1414)، أصول الدين الإسلامي (الطبعة الأولى)، الرياض: دار العاصمة، صفحة 15.
  9. ↑ سورة الإسراء، آية: 67.
  10. ↑ سعود بن عبد العزيز العريفي (1419)، الأدلة العقلية النقلية على أصول الاعتقاد (الطبعة الأولى)، مكة المكرمة: دار عالم الفوائد، صفحة 309. بتصرّف.
  11. ↑ سورة إبراهيم، آية: 10.
  12. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عياض بن حمار، الصفحة أو الرقم: 2865، صحيح.
  13. ↑ محمد جمال الدين القاسمي، دلائل التوحيد، صفحة 18-19.
  14. ↑ سورة النحل، آية: 36.
  15. ↑ سورة الأنبياء، آية: 25.
  16. ↑ ابن أبي العز الحنفي، شرح العقيدة الطحاوية (الطبعة الثانية)، بيروت: مؤسسة الرسالة، صفحة 21-27.
  17. ↑ محمد أحمد علي المدني (10-4-2016)، "إقرار المشركين للربوية"، www.majles.alukah.net ، اطّلع عليه بتاريخ 24-3-2019.
  18. ↑ سورة المؤمنون، آية: 84-89.
  19. ↑ سورة الزمر، آية: 3.
  20. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن العباس بن عبد المطلب، الصفحة أو الرقم: 34، صحيح.
  21. ↑ أكرم غنام إسماعيل تكاي (24-11-2013)، "آثار توحيد الربوبية وثمراته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 15-4-2019. بتصرّف.