-

تعبير عن المدينة والقرية

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

المدينة والقرية بكلّ ما فيهما من تناقضات، تُشكّلان معًا وحدة تكامليّة لا يمكن فصلها، فالمدينة هي امتدادٌ للقرية، وهي الصورة الأخرى منها، الصورة الأكثر شبابًا والتي تضع على نفسها الكثير من الرتوش والمساحيق، لتواكب التطوّر والتقدّم، فالمدينة عالمٌ قائمٌ يغصّ بأشكال التطوّر والتقدّم، ويتلوّن بألوانٍ صناعية لا تُشبه ألوان القرية البسيطة الوضاعة، فالأخضر ولون التراب الذي يُغلّف القرية وشوارعها، يظهر في المدينة بلون الإسفلت والإسمنت، والعمارات الشاهقة في المدينة تتحوّل إلى بيوتٍ صغيرة وادعة في القرية، فالقرية أكثر خصوصية وأكثر اتساعًا، أمّا المدينة فهي أكثر إغراءً وصخبًا، وهذا ربّما من الأضواء الكثيفة التي تُزيّن شوارعها وبيوتها، بينما تكتفي القرية بالقليل من الأنوار والكثير من النجوم التي تُرصّع سماءها الصافية.

أكثر ما يُمكن أن يلفت الانتباه في المدينة أنّ كلّ شيءٍ فيها يمضي بسرعة، فالحافلات فيها سريعة، والشوارع تغصّ بالوجوه التي تركض خلف لقمة عيشها بين المكاتب ووراء الأجهزة، فالمدينة تستيقظ مفزوعةً من نومها، وتركض بسرعة من طلوع الشمس إلى غروبها، لكنّها لا تنام، بل يظلّ صخبها ممتدًا إلى ساعاتٍ متأخرة، أمّا في القرية فالشمس تُشرق فيها على استحياء، وتعيش طقس الشروق بكامل أناقته، وتمسح عن أوراق الورد ثقل النّدى، وتُدغدغ أوراق الأشجار بلطفٍ كبير.

النّاس في المدينة مختلفون، فالحياة تسير عندهم بطريقةٍ آلية، أمّا في القرية فالنّاس أكثر بساطةً من كل التعقيدات، وهم أيضًا أكثر راحة، ربّما لأن المدينة تجعل من سكّانها أشخاصًا يعيشون في ازدحامٍ لا ينتهي، فهي تُضيع الكثير من وقتهم بين إشارات المرور وانتظار الدّور، وقد لا يجدون الوقت الكافي لتأمّل نزول المطر أو لمراقبة نموّ زهرة وتفتّحها، على عكس أهل القرية التي تبدو هذه الأشياء بالنسبة لهم مألوفة جدًا، وعلى الرغم من كلّ التناقضات والاختلافات، لا يُمكن بأي حالٍ الاستغناء عن صخب المدينة أو وداعة القرية، فلكلٍ منهما جمال منفرد لا يُمكن إنكاره أبدًا.