صيام التطوع من السُنن والقُرب العظيمة التي يتقرّب بها العبد إلى خالقه، فمن رحمة الله -تعالى- بعباده أن شرع لهم مع كلّ فريضة نافلة من جنسها تكون جابرة لما قد يحدث من خللٍ، أو نقصٍ في أداء الفريضة، فمثلاً صوم رمضان فريضة فرضها الله على عبادة، وجعل لهم نوافل من جنسها كصيام يوم عرفة، وصيام الست من شوال، وصيام الأيام البيض، وغيرها من الأيام، ومن رحمته أيضاً بعباده أن جعل لهم هذه النوافل، موزّعة على مدار العام، فمنها ما يأتي بالعام مرّةً واحدةً؛ كصيام يوم عرفة، ومنها ما يكون كلّ شهر؛ كصيام الأيام البيض، ومنها ما هو أسبوعيّ؛ كصيام يومي الاثنين والخميس.
يوم عرفة هو اليوم التاسع من شهر ذي الحجّة، وقد أجمع العلماء على أنّ صومه من أفضل الصيام في الأيام، وأنّه يُستحبّ صيامه لغير الحاجّ، أمّا الحاجّ فلا يُستحبّ له صيام يوم عرفة، وعليه أن يتفرّغ للعبادة والدعاء، ودليل ذلك ما رواه عكرمة مولى ابن عباس، حيث قال: (دخلتُ على أبي هُرَيْرةَ في بَيتِهِ فسألتُهُ عن صَومِ يومِ عرفةَ بعرفاتٍ فقالَ: نَهَى رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- عن صَومِ يومِ عرفةَ بعرفاتٍ)،[1] وقد ذهب بعض العلماء إلى القول بحُرمة صوم يوم عرفة على الحاجّ، وذهب بعضهم إلى القول بكراهة صيامه للحاجّ، ونُقل عن ابن عمر رضي الله عنه: (لم يصمه النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولا أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، وأنا لا أصومه).[2]
ذكر العلماء في كتبهم فضائل ليوم عرفة، منها:[3]
كان حال السلف الصالح من الصحابة -رضي الله عنهم- ومن تبعهم في يوم عرفة متنوعاً؛ فمنهم من كان يغلب على حاله الخوف الصادق؛ وهو الخوف الذي يحول بين صاحبه وبين ما حرّم الله تعالى، ومنهم من كان يغلب على حاله الحياء، ومنهم من كان يغلب على حاله الرجاء المحمود؛ وهو رجاء العبد الذي عمل بطاعة الله، على نورٍ وبصيرةٍ من الله تعالى، يرجو الثواب منه، أو رجاء عبد أذنب ذنباً، ثمّ تاب منه، ورجع إلى خالقه ومولاه، فهو راجٍ لمغفرته وعفوه، قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).[11][12]
اختلف الفقهاء في حكم صيام التطوع قبل انتهاء العبد من قضاء ما فاته من شهر رمضان المبارك؛ فذهب فقهاء الحنفية إلى جواز صوم التطوع قبل قضاء رمضان، من غير كراهةٍ في ذلك، مدلّلين على قولهم بأنّ القضاء لا يجب على الفور، وإنّما هو على التراخي، أمّا فقهاء الشافعية وفقهاء المالكية فذهبوا إلى جواز صوم التطوع قبل قضاء رمضان، مع الكراهة في ذلك؛ لأنّه تأخير للواجب، أمّا فقهاء الحنابلة فذهبوا إلى حُرمة صوم التطوع قبل قضاء رمضان، وعدم صحة صوم التطوع، ولو اتسع وقت القضاء، ولا بدّ للعبد من أن يبدأ بالفرض حتى يقضيه، ثمّ يصوم التطوع، وإن كان على العبد يصومه أيضاً بعد قيامه بالفرض، وذهبت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء إلى أنّ من صام يوم عرفة بقصد التطوع وعليه أيام من رمضان فصيامه صحيح، ولكنّ المشروع ألاّ يؤخر القضاء؛ لأنّه لا يعلم ما يعرض له من أمور، فعليه المبادرة بالقضاء قبل التطوع؛ لأنّ القضاء حقّ لله تعالى، لا تبرأ به ذمة المسلم، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: ( اقضوا اللهَ، فاللهُ أحقُّ بالوفاءِ).[13][2]