جاء الإسلامُ بالعبادات والأعمال الصّالحة لتحقيقٍ غاياتٍ عظيمة وأهدافٍ جليلة؛ فهي تطهّر القلب وتزكّي النّفس، كما تزيد العبد قرباً من ربّه، وتشتركُ جميع العباداتِ ببعض المعاني إلّا أنّ كلّ عبادةٍ تختصُّ بمعانٍ لها دون غيرها، كعبادة الحجّ، حيثُ يُعدّ الحجُّ من أعظمِ العبادات التي تُربي المسلم على خشية الله وتعظيم حرماته وشعائره وتُعلي فيه خلق الرحمة والصبر، وغيره.[1]
شرعَ الله في الحجّ ثلاث صورٍ ليُيسّر على النّاس أداء هذه الفريضة العظيمة ويدفع الحرجَ عنهم، وتُسمّى الصّور الثّلاثة هذه بأنواع المناسك، وهي: التّمتعُ والقرانُ والإفراد، وسيتناول هذا المقال حجّ المفرد وشروطه.[2]
يُعرّفُ الحجّ في اللغة أنّه قصد الشيء المعظم وإتيانه، ويُعرفُ في الإسلامِ أنّه قيامُ المسلمِ بقصدِ بيت الله الحرام في زمنٍ معلومٍ حدّده الشّارع لأداء مناسك الحجّ وأعماله، قاصداً بذلك وجه الله تعالى بإخلاص لأنّ الحجّ عبادةٌ موجّهة لله وحده وبقصد عبادته ونيل ثوابه ورضاه.[3]
يعرفُ حجّ المُفرد بأنّه إحرام المسلمُ للحجّ وحده دون أن يُحرم للعمرة في أشهرِ الحجّ المعلومات، قائلاً: (لبيك حجًّا)، وحينَ وصوله إلى مكّة المكرّمة يطوفُ طوافَ القدوم، وإن أراد سعى للحجّ أو أخّره إلى بعدَ طوافِ الإفاضة كالحاجّ مُقرناً، وعليه أن يستمرّ في إحرامه الذي بدأ به الحجّ حتى يتحلّل منه في يوم العيد.[2]
تكون شروط الحج المفرد مشابهةً تماماً لشروط الحج بشكلٍ عام، حيثُ لا يصحُّ الحجّ إلا بها، كما أنّها إن لم تتوفر في المرء المسلم فلا يُكلّفُ بالحج، وفيما يأتي أهمّ شروط الحج:[4]
إنّ الإسلامَ هو شرطٌ أساسيّ لتكليف الإنسان بالعبادات وشرطٌ كذلك لقبولها وصحّتها؛ فلا تكليفَ لغير المسلم في صلاةٍ ولا صيام ولا حج ولا غيره، حيثُ قال تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ)[5][4]
يُقصد بسنّ التكليف ذلك السّن الذي يكونُ عنده المسلمُ ممتلكاً لصفتي البلوغ وصحة العقل، فلن يُكلّف الشّرع المجنون بالعبادات طبعاً ومن ضمنها الحج لكونِها تحتاجُ لنيّة وقصدٍ مسبق لأدائها، وهذا مما لا يملكه المجنون، كما أنّ الشرع لم يُكلّف الطفلَ الصّغير الذي لم يبلغ بعد، ولو حجّ صحّ حجه ولم تسقط عنه حجّة الفريضة بعد وصوله سنّ البلوغ؛ وذلك مصداقاً لحديثِ رواه جابر بن عبدالله رضي الله عنه، حيثُ يقول: (رفعت امرأةٌ صبيًّا لها إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقالت يا رسولَ اللهِ ألهذا حجٌّ؟ قال: نعم، ولكِ أجرٌ)،[6][4]
يُقصد بالحريّة هُنا أن لا يكون المسلمُ عبداً مملوكاً لغيره بل حُرّاً يستطيع أداء العبادات دون أن يتبع أحداً، ولم يُكلّف الشّرع غير الحُرِّ بالحجّ؛ لأنّه غير مستطيع عليه، وإن حجّ قُبل منه حجّه ونال به الأجر والثّواب، إلا أنّه يجبُ عليه حجّ حجة الإسلام مرّة أخرى بعد تحريره حال استطاعته.[4]
لم يُكلّف الشّرعَ بالحجّ وتبعاته إلّا من كان مستطيعاً عليه، حيثُ قال تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)،[7]، وتنقسمُ القدرة والاستطاعة إلى أمرين؛ قدرةٌ ماليّة، وقدرةٌ بدنيّة، إذ على الحاجّ أن يكون مستطيعاً مالياً على تكاليف الحجّ التي تشمل السّفر والإقامة والرّجوع للديار ولا يلزمه الاستدانة لتحقيق القدرة المالية، ومن المهمّ أنْ تكونَ هذه الأموال زائدةً عن حاجته فلا يذهبُ للحجّ قبل تسديد ديونه وتأمين نفقات عياله وأهله من أكلٍ وشربٍ وملبس ومسكن، كما عليه أن يكونَ بصحّة جيّدة تسمحُ له بأداء المناسك دون مشقّة قصوى.[4]
قد يحدُثُ لأحدهم أن تتوفّر لديه القدرة المالية دون الجسديّة، وهُنا عليه أنْ يُرسلُ إلى الحجّ من ينوب عنه، وقد وردَ في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما يُثبت هذا القول، لحديثِ الخثعمية التي جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسولَ اللهِ إنَّ فريضةَ اللهِ على عبادِه في الحجِّ أدرَكَت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيعُ أنْ يثبُتَ على الرَّاحلةِ أفأحُجُّ عنه ؟ قال: نَعم).[8][4]
اهتمّ الإسلامُ بالمرأة وشؤونها، وأقرّ العديد من الشّروط لحمايتها والحفاظ عليها ودفع الحرج عنها، ومن هذه الشّروط شرطٌ خامسٌ تختصّ به عن الرّجال في الحج، وهو أن يكون لديها محرمٌ يذهبُ معها للحجّ، وقد تعدّدت أقوال العلماء في هذا الشرط، وكانت كالآتي: [9]
ينوي المسلم في حجّ المُفرد الحج فقط دون العمرة، ويختلف حج المفرد عن حج القران الذي ينوي فيه المسلم الإحرام بقصد الحج والعمرّة معاً، حيث يؤدّي الحاج مناسك العمرّة ويبقى محرماً حتى اليوم الثامن أو بما بيعرف بيوم النَّحر لتأديّة مناسك الحج، وتتشابه أعمالُ المُفرد والقارن جميعاً عدا أنّ القران عليه ذبحُ هدي كونه قد أدّى النُّسكين؛ العمرة والحج، ولا يلزمُ ذلك المُفرد لأنّه لم يؤدِّ إلا نسكاً واحداً وهو الحج. [2]