تاريخ عيد البربارة في سوريا
عيد البربارة
ذكرت العديد من المصادر عيد البربارة، ومن ضمنها المصادر العربيّة القديمة، وهو عيد مسيحي يحتفي به المسيحيّون في شتّى أرجاء العالم، وعلى وجه الخصوص في سوريا وبنان وفلسطين والأردن.
يحتفل المسيحيون عادة في بلاد الشام بالعيد مساء يومي الثالث والرابع من شهر كانون الأول من كل عام بتقاليد خاصة، حيث يخرج الأطفال والشباب في المساءً بأزياء تنكريّة، ويطوفون على بيوت الجيران والأصدقاء والأقارب ويعايدونهم، ويتم إعطاؤهم بعض الحلويات خلال رحلة طوافهم.
طقوس عيد البربارة في سوريا
يصنع المحتفلون بهذا العيد العديد من المأكولات، حيث يتمّ إعداد القمح المسلوق مع إضافة المنكهات اليه مثل: اليانسون، والقرفة، والسكر الخفيف، وحبات الجوز، ويرمز القمح المسلوق إلى الابتهاج والفرح بانتصار القدّيسة بربارة وثباتها، وإلى القدّيسة بربارة عند هروبها من والدها راكضة بين حقول القمح التي نمت بشكل سريع لتخبئها عن عيونه، وبالإضافة إلى القمح فإنّه يتمّ إعداد القطايف المحشوّة بالقشطةِ أو الجوز، والمغمسة بالقطر، حيث إنّ لهذه الحلوى دلالةً دينيّة قديمة، حيث تشير إلى جسد القدّيسة الذي تناثر أشلاء بين الدّماء، تماماً كما يحدث للقطايف لحظة رميها في الزيت.
مظاهر الاحتفال بعيد البربارة
ترافق احتفالات عيد البربارة مجموعة من الأغاني والأناشيد حيث يخرج الناس إلى الساحات حتى ينشدوا الأناشيد والأهازيج الدينيّة، حيث يقولون في بعض الأمثال:
- في عيد البربارة بتطلع الميّ من قدوح الفارة؛ بسبب غزارة المطر في هذا الوقت من العام.
- في عيد البربارة يتناول المحتفلون القمح والقطايف، ويتنكرون بمجموعة من الأزياء الغريبة، والسبب الرئيسي الذي من أجله يُقام هذا الاحتفال وهو تضحية القدّيسة بربارة بنفسها في سبيل دينها ومسيحيتها حسب ما اشار إليه الكهنة من خلال عظاتهم للمناسبة، وذلك في محاولة منهم لتصحيح بعض المفاهيم عن القدّيسة بربارة، حيث لفتوا إلى انّ سبب أكل الجميع للقمح بهذا العيد، بسبب أنّ القدّيسة بربارة بينما كانت تحاول الهرب من والدها الذي أراد قتلها بسبب تركها دينها واعتناقها للمسيحية مرّت بحقل فيه بذور من القمح، ولكي يخفيها الرب نمت تلك البذور وتحوّلت إلى سنابل قمح وغطتها، أمّا التنكر فيُعتبر تقليداً متّبعاً في العيد وإن كانت الكنيسة لا ترفضه فهي أيضاً لا تحبذه، بل تدعو لإقامة الصلوات والابتهالات في هذا العيد وليس الاتكال على القشور المتمثلة بتقاليد الاحتفال.
من هي القديسة بربارة
تقول المصادر إنَّ القدّيسة برابارة ولدت لأبوين وثنيين وقد توفيت والدتها وهي صغيرة، حيث تنتمي القدّيسة إلى الطبقة الأرستقراطية في قرية (جاميس) التابعة لمدينة ليوبوليس بنيقوميدية في قارة آسيا الصغرى، وفي أوائل القرن الثالث للميلاد، وفي عهد الملك الطاغي (مكسيمانوس) الذي تولّى المُلك عام 236م، كانت بربارة وحيدة والدها، وكان يخاف عليها لأنها كانت تتمتّع بجمالٍ فائق، إذ بنى قصراً فخماً لها يحتوي على كافة وسائل الترفيه والراحة ومحاط بالعسكر من كافّة جهاته.
كان والدها (ديسقورس) شديد التمسُّك بالوثنيّة، حيث ملأ قصره بالأصنام، وكان يضمر في قلبه الكره للمسيحين، حيث تذكر المصادر أنَّ القدّيسة بربارة تلقنت علومها من تاريخ وبيان وفلسفة، وقادها الغوص ولإبحار في تلك العلوم إلى البحث عن الإله الحقيقي، وكان خدّام بربارة المسيحيّون قد أخبروها عن عالمٍ كبير في ذلك العصر وهو (أوريغانس)، فتمنّت أن تلتقي به وبالفعل حصل هذا اللقاء، حيث حدّثها أوريغانس عن الإنجيل، ثمّ تعلّق قلبُها بالسيّد يسوع المسيح، فنذرت كُلّ حياتها للمسيح ونالت المعموديّة من دون أن تخبر والدها، وقرّرت أن تعيش بتولاً تكرّس كُل أيّام حياتها للعبادة، حيث تقدّم الكثيرون لخِطبتها، من بينهم شاب غني ابن أحد أمراء المنطقة، ففاتحها والدها في الأمر، لكنّها اعتذرت عن الزواج بكلّ هدوءٍ وحِكمة.
سافر والدها لفترة من الزمن، وعند عودته لاحظ تغييراً في أسلوب وشكل حياتها وسلوكها، فسألها عن سبب هذا التغيير، فأخبرته عن إيمانها بالثالوث المقدّس، فاشتّد غضبه وأخذ يوبخها لتعود إلى دينه، لكنها لم تبالي بل واصلت حديثها معه عن إيمانها الكبير وبتوليتها، فثارت ثائرة الوالد وهمّ ليضربها بسيفه لكنها هربت من أمام وجهه وانطلقت مسرعة من باب القصر، وفي الوقت الذي كان أبوها يركض وراءها قيل في بعض المصادر إنّ صخرةً أعاقت طريقها، لكن سرعان ما انشقت تلك الصخرة لتعبر من وسطها، حيث عادت الصخرة بعد مرورها إلى حالها الأول.
أمّا والدها الذي رأى ما حدث للصخرة فلم يلن قلبه المتحجّر بل صار يدور حول تلك الصخرة باحثاً عنها حتّى تمكّن من العثور عليها مختبئة في مغارة، وضربها بعنف وحملها ورجع بها إلى بيته، وهناك حبسها في قبو مظلم، ثمّ ذهب أبوها ديوسيكورس إلى الوالي مركيانوس، وكان شديد الحزن والأسف، وأخبره بما وصفه بالكارثة الكبيرة جداً والتي حلّت بسبب أنّ ابنته الوحيدة بربارة كفرت بآلهتهم وأوثانهم وآمنت بالمسيح، فأمر الوالي باحضارها وبعد أن رآها تعلّق بها وأخذ يحادثها بلطف، ووعدها بأنّها ستكون أميرة كبيرة إن تركت المسيحيّة وعادت إلى دين آبائها وأجدادها، لكنّ وعوده لم تجد نفعاً فأخذ يهددها بالعذاب والثبور وعظائم الامور إن لم ترتدع وتترك المسيحيّة، فقالت بربارة: (إنّ جسدي سيأتي يوم ويموت، أما روحي فخالدة وستذهب الى السماء)، فقال لها: (اتركي السماء لأنّه بسببها سيحلُّ عليك عذاب عظيم)،فقالت: (لن تبعدني عن محبّة المسيح شدّةٌ ولا ضيق أو اضطهاد).
أمر الوالي مركيانوس بإنزال العذاب بالقدّيسة، ووضعها في سجنٍ مظلم، فاقتادوها غداة سجنها مكبّلة بالسلاسل إلى سجنها، وقد كان أبوها في المقدّمة، أمّا الوالي مركيانوس فقد استشاط غضباً من شدّة ثباتها في إيمانها بالمسيح، حيث أمر بجلدها بأعصاب البقر، فتمزّق جسدُها وتفجّرت دماؤها وعلى الرّغم من هذا بقيت ثابتة وصابرة وصامتة وأعادوها إلى السّجن ثانيةً، وفي ذلك الوقت ظهر لها السيّد المسيح وشفاها من كلّ آلامها وجراحها.
في اليوم التالي استدعاها الحاكم وفوجئ بها فرحةً متهلّلة لا يظهر على جسدها أي أثر للجروح الناتجة عن تعذيبها في اليوم السّابق، فازداد عُنفاً وغضباً، وطلب من الجلادين مباشرة تعذيبها، وبلغ بهم الأمر أن كانوا يمشطون جسدها بأمشاطٍ حديديّة، إضافة إلى هذا فقد وضعوا مشاعل مُتقدة عند جنبيها وقطعوا ثدييها ثمّ أمر الوالي بأن تُساق عاريةً في شوارع المدينة، وفي تلك اللحظة صرخت القدّيسة إلى الربّ طالبةً منه بأن يستر جسدها، فاستجاب الله طلبتها وكساها بثوب نوراني.
رأتها صديقتها يوليانة وكيف كانت وسط كلّ تلك العذابات محتملةً الآلام فصارت تبكي بمرارة، فشاهدها الحاكم على هذه الحال، وعلى الفور أمر بتعذيبها مع القدّيسة بربارة، بالإضافة إلى إلقائها في السِّجن، فصارت الصديقتان تُسبحان الله طول الليل.
أمر الحاكم بقطع رأس القدّيسة بربارة وصديقتها يوليانة بحدِّ السيف، فاقتادوهما إلى الجبل الواقع خارج المدينة، وفي تلك الأثناء كانتا تصليان طوال الطريق، وعند وصولهم موضع تنفيذ الحكم، طلب ديسقورس والد بربارة بأن يتنفذ الحكم ويضرب بسيفه رقبة ابنته فسُمح له بذلك، وبهذا تمّ تنفيذ الحكم وقطع رأسي القدّيسة بربارة، ورفيقتها القدّيسة يوليانة يوم الرابع من شهر كانون الثاني عام 303م.