-

كيف أكون قريباً من الله

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

حاجة الإنسان إلى الله

خلق الله -تعالى- الإنسان وجعله مفتقراً له، محتاجاً إليه، معتمداً تمام الاعتماد على قوة الله، وأخبر الله -عزّ وجلّ- عن ذلك في كتابه الكريم، حين قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد)،[1] وأول مظاهر الفقر والحاجة عند الناس تتمثّل بحاجتهم للوجود، فلولا الله -تعالى- لم يوجد الإنسان، ثمّ تأتي بعدها حاجة العباد لما يعينهم في حياتهم من إمكانياتٍ وعقولٍ وحواسٍ، كالسمع والبصر ونحوها، قال الله تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)،[2] والناس أيضاً بحاجة إلى الهداية، مفتقرون لمعرفة الصراط المستقيم والطريق القويم، ولولا الله لما استطاعوا معرفة ذلك، ولما أمكنهم أن يهتدوا إلى الحق ويتّبعوه، فقد أرسل إليهم الرسل عليهم السلام، وأنزل عليهم الكتب لتكون دليلاً لهم في معرفة الحقّ، كما أنّهم يحتاجون إلى معرفة تفاصيل العبادات، فالعقل وحده غير قادرٍ على تحديد عدد الصلوات في كلّ يومٍ، وعدد الركعات الخاصّة بكلّ صلاة، وكيفية القيام بها، ولا يمكنه كذلك تحديد أنصبة المواريث لكلّ وارثٍ، ونحو ذلك من الأمور التفصيلية الدقيقة.[3]

ومن مظاهر حاجة الإنسان لربه أيضاً؛ حاجة أهل الإيمان وأهل الحقّ لله -عزّ وجلّ- في تأييدهم للنصر على أعدائهم، ولذلك فقد ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه وقف يوم غزوة بدر يناشد الله تعالى، ويتضرّع له بالدعاء والتذلّل طالباً منه أن ينصره وأصحابه على أعدائهم، فقد كان الصحابة يومها نحو ثلاثمئةٍ، بينما العدو يفوقهم بأضعاف ذلك، وبقي يدعو ويلحّ في دعائه حتى سقط رداؤه عن منكبيه، والخلق كذلك محتاجون إلى الله في توفير مأكلهم ومشربهم، وفي سائر أرزاقهم، فهو الرزاق ذو القوة المتين، الذي يقوم على عباده، والخلق أيضاً محتاجون إلى الله تعالى في إنباته للشجر وفي خلقه لبهيمة الأنعام التي سخّرها لهم، وهم يحتاجونه في توفير الماء الذي يشربونه، وفي تيسير الأزواج، وتقدير الأولاد والذرية لهم، وهم يحتاجونه في حمايتهم من الأمراض وشفائهم منها بعد إصابتهم بها، وفي مغفرته لذنوبهم، وفي تدبير سائر أمورهم وشؤونهم.[3]

كيفية تحقيق القرب من الله

بيّن الله -تعالى- طريق التقرّب إليه في القرآن الكريم، وبعث نبيه محمداً -صلّى الله عليه وسلّم- ليدلّ الناس على الخير كلّه، ويحذّرهم من الشر كلّه كذلك، فكان ممّا أخبر به الرسول -عليه الصلاة والسلام- حديث شافٍ كافٍ لمن أراد أن يتقرّب من الله ويكون من أوليائه الصالحين، يقول الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في ذلك الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه تبارك وتعالى: (ما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه)،[4] ففي هذا الحديث بيانٌ للطريق التي تُوصل إلى القرب من الله تعالى، وإذا أراد المؤمن أن يتقرّب من الله فعليه أن يتدبّر الحديث السابق، ويعمل بما فيه، ويكون قربه من الله تعالى بقدر ما عمل مبتغياً به وجه الله سبحانه، وفيما يأتي بيان طريق القرب من الله وفق ما جاء في الحديث بشيءٍ من التفصيل:[5]

  • أولاً: على المسلم الذي يريد أن يتقرّب من الله تعالى أن يبدأ أولاً بمجاهدة نفسه على القيام بما افترضه الله عليه من فرائضٍ، فالصلوات الخمس تعدّ أعظم ما فرضه الله -سبحانه- على الإنسان من عباداتٍ عمليةٍ، ومنها أيضاً أداء الزكاة، وصيام رمضان، والحجّ إلى بيت الله الحرام، وبرّ الوالدين، وصلة الأرحام وأداء الحقوق إلى أصحابها؛ كحقوق الزوجة، وحقوق الأبناء، ونحوها، ومنها أيضاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكذلك القيام بالعبادات القلبية؛ كالإخلاص لله تعالى، وحب الله ورسوله والمؤمنين جميعاً، والتوكّل على الله والخوف منه، وسائر الأعمال القلبية المأمور بها.
  • ثانياً: مجاهدة النفس على القيام بالنوع الثاني من الفرائض، وهي فرائض الترك؛ أي الأعمال التي أمر الله -عزّ وجلّ- عباده بترك فعلها؛ كترك الزنا، وترك شرب الخمر، وترك الربا والغيبة والنميمة والظلم ونحوها من الأمور، وأن يبادر الإنسان إلى التوبة والاستغفار إن وقع منه شيئاً من تلك الأفعال.
  • ثالثاً: على المسلم إن أراد التقرّب من الله أن يبادر ويسارع إلى فعل النوافل والإكثار منها، فبها ينال الدرجة الرفيعة العالية عند الله، ويحصل على محبته كذلك، فيبدأ بفعل الأهم منها فالمهم، وأفضلها تعلّم العلم الشرعي وتعليمه للناس، ومنها أيضاً النوافل المؤكّدة؛ كالسنن الرواتب وصلاة الوتر، ومنها الإكثار من ذكر الله، وإخراج الصدقات، ونحو ذلك.

مظاهر القرب من الله

تتجلّى مظاهر القرب من الله -تعالى- في أمورٍ متعددةٍ، يُذكر بعضٌ منها فيما يأتي:[6]

  • تقوى الله تعالى؛ فالتقوى تساعد على خروج الإنسان من أزماته ومشاكله، ويرزقه الله بها الصبر على المحن التي يمرّ بها.
  • الإلحاح في الدعاء؛ فالدعاء سرٌّ للنجاح، ومن عرفه وعمل به فقد فاز.
  • الحرص على طاعة الله تعالى، وترك المعاصي واجتنابها، والتوبة عنها إن وقع الإنسان بها.
  • الصبر على المحن، والاحتساب عند الله عزّ وجلّ.
  • الأمل بالله عزّ وجلّ، والثقة بتأييده ونصره.
  • التوكّل على الله -عزّ وجلّ- في سائر أمور الحياة، واستشعار معيّته.

المراجع

  1. ↑ سورة فاطر، آية: 15.
  2. ↑ سورة التين، آية: 4.
  3. ^ أ ب "حاجة البشر إلى ربهم"، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-3. بتصرّف.
  4. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6502، صحيح.
  5. ↑ "طريق التقرب إلى الله"، www.islamqa.info، 2007-12-20، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-3. بتصرّف.
  6. ↑ "الداعية والقرب من الله "، www.ar.islamway.net، 2013-3-1، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-3. بتصرّف.