كيف أخاف ربي
الخوف من الله
إنّ من صفات المؤمنين المتّقين استشعارهم لعَظَمة الله -تعالى- والخشية والخوف منه، فهم يخشون الله -تعالى- في السّر والعلن، ويخافون كذلك من اليوم الذي يردّون فيه إلى ربّ العالمين فيقفون أمامه للحساب والمساءلة، ولذلك فهم يتحرّون في أعمالهم وأقوالهم ما يرضي الله -تعالى- ويتجنّبون ما يغضبه من الأعمال والأقوال، وإنّ الخوف من الله -تعالى- يتّضح جليّاً حين يسْهُل على المسلم ارتكاب ذنبٍ ما، فحينئذٍ يتبيّن المسلم التقيّ من المسلم ضعيف الإيمان، فيتميّز المسلم التقيّ صاحب الإيمان القويّ بتغلّبه على شهوات نفسه ونزواتها ويستطيع طرد وساوس الشّيطان؛ لأنّ خشيتة المسلم من الله -تعالى- غلبت رغبته وشهوته في إتيان الحرام، بينما يكون الإنسان ضعيف الإيمان مستسلماً للمعاصي والآثام وغير آبهٍ بما تجنيه يداه من محرّمات، ولذلك كان الخوف من الله -تعالى- وخشيته هي من صفات المؤمنين المتقين، ولا شكّ بأنّ الخشية من الله -تعالى- هي جزء من الإيمان، والإيمان يزداد وينقص كما أكّد على ذلك علماء العقيدة، ووُجدت العديد من الطرق الّتي تساعد المؤمن على زيادة إيمانه وتقواه وزيادة خشيته من الله تعالى.
تعريف الخوف من الله
خشية الله -تعالى- هي من عبادات القلوب وإنّما هي أجلّ عبادات القلوب؛ إذْ تجعل المسلم يكفّ عن ارتكاب الحرام ويجتنب النّواهي التي نهى عنها الله عزّ وجلّ، وامتدح الله -تعالى- أهل خشيته وذكرهم في القرآن الكريم؛ حيث قال: (إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ)،[1] وخشية الله -تعالى- هي خوف القلب ووَجله من عذاب الله -تعالى- وحسابه ووعيده في الآخرة، لكنّ حال الخائف من ربّه يختلف عمّن يخاف النّاس، فمَن خاف أحداً من البشر هرب منه، لكنّ من خاف الله -تعالى- عاد إليه والتجأ إليه ليجد عنده الأمان والسّكينة؛ حيث قال الله تعالى: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ )،[2] فالفرار مِن الله -تعالى- يكون فراراً إليه بالتزام طاعته والقيام بالعبادات والتكاليف التي أمر بها، وأحوال العباد تختلف من حيث خشيتهم من الله تعالى، وفيما يأتي بيان ذلك:[3]
- مسلم كامل الخوف من الله تعالى؛ حيث دفعه خوفه إلى التزام طاعة الله تعالى، والابتعاد عن المعاصي والنّواهي في كلّ شؤونه، وترك الشّبهات والمكروهات.
- مسلم مقتصد بخوفه من الله تعالى؛ بحيث يقوم بالفرائض ويحافظ عليها ويترك المحرّمات.
- مسلم ناقص الخوف من الله تعالى؛ بحيث إنّه لم يقم بالواجبات التي أمره الله -تعالى- بها وأسرف على نفسه بارتكاب المحرّمات.
كيفيّة تحقّق الخوف من الله
ذكر العلماء عدّة أعمال يقوم بها المسلم لتحقيق الخشية من الله تعالى، وفيما يأتي بيان بعضها:[4]
- قراءة القرآن الكريم وتدبّره؛ ففي القرآن الكريم عدّة معاني وآيات وعِبر تخشع لها القلوب وتلين لطاعة الله تعالى، حيث قال: (وَمِمَّن هَدَينا وَاجتَبَينا إِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُ الرَّحمنِ خَرّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا).[5]
- استشعار عِظَم الذنب وحجمه لِكوْنه بحقّ الله -تعالى- الخالق الرازق المعطي، والمؤمن يخاف ارتكاب الذنب ويستعظمه حتى يظنّه جبل يخاف أن يقع عليه لِعِظَمه كما ورد في الحديث عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم.
- تقوى الله -تعالى- بإتيان الطّاعات والاجتهاد في ذلك وترك المحرّمات؛ حيث يزيد ذلك من القرب من الله -تعالى- والخشية منه.
- معرفة الله -تعالى- بأسمائه وصفاته؛ فمعرفة الله -تعالى- تزيد من جلاله وعظمته في القلب، فتجعل بين العبد ومعصية الله حدّاً لا يجوز تجاوزه.
- معرِفة فضل الخائفين؛ فمَن أدرك فضل الخشية من الله -تعالى- عَمِل حتى يكون من أهلها؛ حيث قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (لا يلِجُ النارَ رجلٌ بكى من خشيةِ اللهِ حتى يعودَ اللبَنُ في الضَّرعِ، ولا يجتمعُ غبارٌ في سبيلِ اللهِ ودخانُ جهنَّمَ)،[6] فمن أدرك قول النبيّ دفعه إلى أن يكون مع زمرة الخائفين الوجلين من الله -تعالى- حتى ينال الفضل من الله تعالى.
- تدبّر آيات العذاب والوعيد؛ فمَن أدرك وعيد الله -تعالى- وتدبّر شقاء أهل الذنوب والمعاصي اجتنب طريقهم حتى لا يصيبه ما أصابهم من عذاب.
- سماع المواعظ والمحاضرات؛ حيث إنّ مجالس العلم والرقائق تزيد من رقة القلب وحضوره وتبعث فيه الشّعور بالخشية وحبّ الله -تعالى- وطاعته.
- كثرة الذّكر؛ فذكر الله -تعالى- يجلو القلب ممّا أصابه من كَدْر وذنوب، فيستحضر الذّاكر جلال الله -تعالى- وعظمته فيزيد بذلك خوفه وخشيته منه.
- الخوف من الأخذ بالذّنب؛ فمن استشعر قدرة الله -تعالى- على أن يحول بين قلب المرء وبين توبته بسبب ذنوبه ومعاصيه، فإنّ ذلك يدفعه إلى ترك المحرّمات وتعجيل التّوبة والإنابة قبل فوات الأوان.
ثمار الخوف من الله
إذا أيقن الإنسان مراقبة الله -عزّ وجلّ- له فخشيه وخاف منه، فإنّ ذلك يعود على العبد بعدّة ثمار وفوائد؛ منها:[7]
- المغفرة من الله -تعالى- والأجر العظيم، حيث قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ).[8]
- الفوز والفلاح؛ حيث قال الله -تعالى- في القرآن الكريم: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ).[9]
- الفرج والنّجاة؛ حيث ورد في قصة الثّلاثة الذين أُغلق عليهم باب كهف ولم يستطيعوا الخروج منه، فبدأوا بمناجاة الله -تعالى- بأفضل الأعمال التي قدّموها رجاءً أن يفرّج الله -تعالى- عليهم مصيبتهم، فدعا أحدهم بأنّه كاد أن يزني بامرأةٍ ولمّا تمكّن منها تذكّر عذاب الله -تعالى- ووعيده فتركها لله تعالى؛ فتحرّكت الصّخرة التي سدّت باب الكهف حتى كان ذلك سبباً في خروجهم ونجاتهم.
- دخول الجنّة والنّجاة من النّار؛ حيث قال الله تعالى: (مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ*ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ*لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ).[10]
المراجع
- ↑ سورة المؤمنون، آية: 57.
- ↑ سورة الذاريات، آية: 50.
- ↑ "خشية الله تعالى"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-29. بتصرّف.
- ↑ "الخوف من الله تعالى"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-29. بتصرّف.
- ↑ سورة مريم، آية: 58.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1633، حسن صحيح.
- ↑ "الخشية من الله تعالى فضلها وثمارها"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-3-29. بتصرّف.
- ↑ سورة الملك، آية: 12.
- ↑ سورة النّور، آية: 52.
- ↑ سورة ق، آية: 33-35.