كيف أعرف القبلة للصلاة
قبلة المسلمين
جعل الله -تعالى- الكعبة قبلةً ووجهةً للمسلمين، يقصدونها خمسة مراتٍ للفرائض في اليوم والليلة، وكذلك النوافل التي يؤدونها، وتُقصد الكعبة في الأعياد والمناسبات، وفي الجنائز، وصلوات الكسوف والخسوف، وكلّ صلاةٍ نوى المسلم أن يصلّيها، وذلك تشريفاً وتعظيماً لقدر الكعبة المشرفة عند الله تعالى، والكعبة بناءٌ قديمٌ أخبر الله -تعالى- أنّه أول بيتٍ وُضع في الأرض، رفع عماده إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- على أسسٍ كانت موجودةً من قبل، فقد قال الله تعالى: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ البَيْتِ)،[1] حيث ميّز الله -تعالى- بناء الكعبة المشرفة فجعلها مع قِدم بنائها وضربها في التاريخ، ثابتةً في مكانها وموقعها، ولم يُطمر بناؤها قطّ، ولم يختلف الناس عليها وعلى مكانها، وعلى فضلها، وشرفها، ولم يملّوا على مدار العصور أن يأتوا إليها راغبين في الطواف حولها، فقد تكفّل االله -تعالى- بحمايتها وأفشل كلّ مؤامرةٍ لهدمها أو النيل منها، وستبقى الكعبة باقيةً حتى ينزل عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان فيطوف فيها.[2]
وكما سبق الذكر فإنّ الكعبة جُعلت قبلةً للمسلمين تشريفاً وتكريماً لها، وجعل الله -تعالى- استقبالها في الصلاة شرطاً لصحة الصلاة، فعلى المسلم أينما كان مكانه أن يتوجّه إليها، فإذا كان قريباً منها فيجب عليه أن يتجّه إلى عين الكعبة، أمّا إذا فصلت بينهما مسافاتٍ فيجب على العبد أن يتّجه نحو جهتها، فقد قال الله تعالى: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ)،[3] فقد كانت قبلة المسلمين حين فُرضت الصلاة أول مرّةٍ باتجاه المسجد الأقصى، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يجعل الكعبة في ظهره، ويتّجه نحو الشام يصلّي للمسجد الأقصى، وقد كان راغباً في أن يتّجه نحو الكعبة وكذا المسلمين معه، حتى أذن الله -تعالى- له بهذا، فقد قال الله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)،[4] فتوجّه النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بصلاته نحو الكعبة المشرّفة.[5][6][7]
كيفية معرفة القبلة للصلاة
يجب على المصلّي أن يجتهد في توجّهه إلى القبلة أثناء صلاته قدر استطاعته، ولا يُشترط في البعيد عن الكعبة أن يتّجه إلى عينها، فالمطلوب بحقّه أن يتوجّه إلى جهة الكعبة، فقد استدلّ العلماء على ذلك من قول النبي -عليه الصلاة والسلام- حين ذكر لأهل المدينة قبلتهم فقال: (ما بينَ المشرقِ والمغربِ قبلةٌ)،[8] فالمسلم ينظر إلى مكانه على الخريطة، ويحدّد تقديراً مكان مكة المكرّمة منها، ثمّ يجعل ذلك قبلته في صلاته، ويجب على المسلم إن تمكّن من استخدام وسائل ومعيناتٍ أخرى لتحديد القبلة أن يستعملها، حتى يستيقن من اتجاه القبلة ويطمئن لصحة صلاته، فإنّه ما لا يتحقّق الواجب إلّا به فهو واجبٌ، وعلى المسلم أن يتحرّاه،[9]أمّا إذا فقد المسلم الوسائل الحديثة التي تُعينه على تحقيق مبتغاه، فإن كان في بلدٍ عربيٍ فعليه أن يسأل المسلمين ممّن هم أهلٌ للثقة والإيمان حوله، فلا يصحّ أن يسأل المسلم الكافر أو الفاسق عن القبلة، حيث اختلف العلماء في حكم سؤال الصبي غير المميّز، فمنهم من ذكر أنّ شهادة ورواية الصبي غير المميّز لا تصحّ، وكذلك سؤاله عن اتجاه القبلة فالصلاة باطلةٌ، وكذلك الحال في المرأة الكافرة أو غير المحجبة.[10][11]
وهناك طريقةٌ أخرى من الأفضل أن يعلمها المسلم إذا كان خارج بلده، وأراد أن يقيم الصلاة، وهي طريقةٌ تستخدم في الليل بتتّبع مواقع النجوم لمعرفة الأماكن، إذ ينظر المسلم إلى النجم القطبيّ الشماليّ، وهو نجمٌ صغيرٌ يظهر مع مجموعة نعش الصغرى بين الفرقدين والجدي، ولا يتحرّك هذا النجم من مكانه، فبإمكان أيّ أحدٍ أن يتعرّفه لأنّه لا يغيّر مكانه، فإن كان المسلم في بلد العراق جعل النجم القطبيّ الشماليّ خلف أذنه اليمنى، وإن كان في الشام جلعه وراءه تماماً، وإن كان في مصر جعله خلف أذنه اليسرى، وإن كان في اليمن جعله أمامه مما يلي جانبه الأيسر.[5]
وفي طريقةٍ أخرى يستطيع المسلم تتّبعها في البلاد التي يوجد فيها مساجد، وهي اتّجاه محاريب المساجد، فإنّها غالباً ما تكون المحاريب باتجاه القبلة، فإن رأى المسلم محراب المسجد يُشير إلى اتّجاهٍ ما، فإنّه غالباً سيكون اتّجاه القبلة، وقد ذكر العلماء أربعة مساجدٍ على وجه الخصوص؛ وهي: المسجد النبوي في المدينة المنوّرة، ومسجد عمرو بن العاص في مصر، ومسجد القيروان في شمال أفريقيا، ومسجد بني أمية في الشام، وقد ذكر العلماء أنّ ذلك لا يصحّ في القرى، فعلى المسلم أن يتحرّى القبلة فيها، إلّا إذا لم يكن أهلاً للتحرّي، فحينئذٍ يتبع صلاة أهل القرية.[12]
أحكامٌ متعلّقةٌ بصحّة استقبال القبلة
ذكر العلماء بعض الأحكام المتعلّقة بصحة الصلاة، أو بطلانها بناءً على استقبال القبلة، وفيما يأتي ذكرٌ لبعضها:[12][13][14]
- لا تصحّ الصلاة إلّا باستقبال القبلة، ولا بأس ألّا يصيب المصلّي عين الكعبة، ولكن لا يجوز أن يكون اتجاهها خلفه، أو عن يمينه، أو عن شماله أثناء الصلاة، وقد يكون انحراف المصلي عن الكعبة على شكلين؛ هما:
- يعتبر الاجتهاد ظنّيّ لا يقينيّ للمجتهد، فإن أدرك أنّه قد أخطأ في الاجتهاد بعد الصلاة، فقد اختلف العلماء أنّه لا يعيد الصلاة، باستثناء الشافعي الذي قال بوجوب إعادة الصلاة.
- ذكر العلماء أنّ من ترك الاجتهاد مع القدرة عليه، والتحرّي والبحث عن القبلة؛ فصلاته باطلةٌ عند الجمهور من العلماء.
- إذا كان المصلّي في الطائرة في السماء، وأراد أن يصلّي نافلةً فينوي في الصلاة دون تحرٍّ وسؤالٍ عن القبلة؛ لأنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلّي النافلة وهو على ظهر راحلته بالسفر ولا يغيّر اتّجاهها، أمّا إن أدركته فريضةٌ، فعليه أن يسأل مضيفي الطائرة عن مكانه تحديداً، ويتوجّه بناءً عليه نحو مكان الكعبة، ويجوز له أن ينوي الجمع بين الظهر والعصر، أو المغرب والعشاء، جمع تأخيرٍ فيصلّيها على الأرض بعد وصوله.
- انحرافٌ بسيطٌ، فحينئذٍ تصحّ صلاته، وليس عليه شيءٌ.
- انحرافٌ شديدٌ؛ بأن يكون توجّه المصلي بعيداً جداً عن اتّجاه الكعبة، فيجب على المصلي إعادة صلاته.
المراجع
- ↑ سورة الحج، آية: 26.
- ↑ "الكعبة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-19. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية: 150.
- ↑ سورة البقرة، آية: 144.
- ^ أ ب "كيفية معرفة القبلة بدون بوصلة"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-20. بتصرّف.
- ↑ "هل استقبال القبلة من شروط صحة الصلاة"، www.ar.islamway.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-19. بتصرّف.
- ↑ "من شروط الصلاة استقبال القبلة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-19. بتصرّف.
- ↑ رواه ابن العربي، في عارضة الأحوذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 1\372، صحيح الإسناد.
- ↑ "جهة القبلة لأهل منتريال بكندا"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-20. بتصرّف.
- ↑ "حكم تحديد جهة القبلة بالبوصلة، وحكم الانحراف القليل عن القبلة"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ↑ "شروط من يُقبل خبره في تحديد اتجاه القبلة"، www.fatwa.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-18. بتصرّف.
- ^ أ ب "كيفية معرفة القبلة"، fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-20. بتصرّف.
- ↑ "الانحراف عن القبلة"، www.fatwa.islamonline.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-20. بتصرّف.
- ↑ "كيف يكون استقبال القبلة في الطائرة"، www.islamqa.info، اطّلع عليه بتاريخ 2018-12-20. بتصرّف.