كيف أصلي صلاة الاستخارة للزواج
تعريف صلاة الاستخارة
الاستخارةُ لغةً: أَن تَسأَلَ خَيرَ الْأَمرَينِ لَكَ، وتأتي بمعنى الاستعطاف،[1] أما معنى الاستخارة شرعاً: أن يستعينَ المسلمُ باللهِ، وذلك بأن يصرف المسلم همّته بطلب التيسير من الله باختيار واحد من خيارين أو أكثر، ويمكن أن تقترن الاستخارة بالصلاة، ويجوز أن يكون بالتوجّه إلى الله تعالى بالدعاء دون أن يقترن دعاء الاستخارة بالصلاة.[2]
صلاةُ الاستخارةِ سنَّةٌ وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتَعني أنّ من أرادَ أمراً من أمورِ الدنيا؛ كأن يُقدم على عملٍ جديدٍ، أو سفرٍ أو زواجٍ أو غيرِ ذلك، صلّى ركعتينِ بنيّةِ الاستخارةِ، فالحاجةُ إليها دائمةٌ ومتكررةٌ.[3]ودليلُ ذلك حديثُ جابر رضي الله عنه قال: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُعَلِّمُ المسلمَ الاستخارة في الأمورِ كما يُعَلِّمُنا السورةَ من القرآنِ، يقولُ: إذا هَمَّ أحدُكم بالأمرِ، فليركَعْ ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، ثم لْيقُلْ: اللهم إني أستَخيرُك بعِلمِك، وأستَقدِرُك بقُدرَتِك، وأسألُك من فضلِك العظيمِ، فإنك تَقدِرُ ولا أَقدِرُ، وتَعلَمُ ولا أَعلَمُ، وأنت علَّامُ الغُيوبِ، اللهم إن كنتَ تَعلَمُ أنَّ هذا الأمرَ خيرٌ لي، في ديني ومَعاشي وعاقِبةِ أمري، أو قال: عاجِلِ أمري وآجِلِه، فاقدُرْه لي ويسِّرْه لي، ثم بارِكْ لي فيه، وإن كنتَ تَعلَمُ أنَّ هذا الأمرَ شرٌّ لي، في ديني ومَعاشي وعاقبةِ أمري، أو قال: في عاجِلِ أمري وآجِلِه، فاصرِفْهُ عنِّي واصرِفْني عنه، واقدُرْ لي الخيرَ حيث كان، ثم أرضِني به. قال: ويُسَمِّي حاجتَه)[4])
أهمية صلاة الاستخارة للزواج
الزواجُ أمرٌ كباقي أمورِ الدنيا المهمةِ، والتي يحتاجُ فيها المسلمُ إلى الاستشارةِ، والتفكيرِ، والتأني، والنظرِ بشكلٍ جديٍ قبلَ الإقدامِ عليهِ، ذلك أنّ الزواجَ له أبعادٌ تمتدُ طيلةَ حياةِ الإنسانِ؛ فهي الخطوةُ الأولى في بناءِ مستقبلِ الفردِ، وتكوينِ أسرتهِ القادمةِ، فكان لا بدّ له من مُعينٍ يطَّلعُ على أمورِ حياتهِ، وأهمِّ تفاصيلها الدقيقةِ؛ ليقدِّمَ النُصْحَ الأمثلَ، والرأيَّ السليمَ في مثلِ هذه الحالةِ، وهو إقدامهُ على الزواجِ، ولن يجدَ في الكونِ أكثرُ إعانةً ونصحاً، وفائدةً من الله عزَّ وجلَّ، فهو المطّلعُ على الغيبِ، ويعرفُ خفايا النفوسِ، وما تُكنّهُ الصدور، دونَ حاجةٍ لشرحٍ أو بيانٍ أو تبرير، وأفضلُ طريقٍ لذلك هي صلاةُ الاستخارةِ؛ فهي تخرجُ العبدَ من دائرةِ الحيرةِ، والتردّدِ، والتفكيرِ المُضني، إلى انشراحِ الصدرِ، وقرارةِ العينِ، وراحةِ النفسِ، بأن فوّضَ أمره لله عزَّ وجلَّ وترك له الأمورَ كلها، لتيسيرِ أمرهِ هذا وهو الزواج.
كيفيّة صلاة الاستخارة للزواج
صلاةُ الاستخارةِ عبارةٌ عن ركعتينِ من غيرِ الفريضةِ، تجوزُ في أي وقتٍ من الليلِ أو النهارِ فهي غيرُ محدّدةٍ بوقتٍ معينٍ، ويؤديها المسلمُ في أمورِ حياتهِ كلها المباحةِ، وليسَ كما يظنُّ الكثيرُ من الناسِ أنّها تُصلّى فقط في حالة الترددِ في أمرٍ ما، دلّ على ذلك قول النبي صلّى الله عليهِ وسلّم: (كان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُنا الاستخارةَ في الأمورِ كلِّها)[5] وهذا القولُ يشملُ الصغيرَ والكبيرَ، الحقيرَ والجليلَ العظيم من الأمورِ، ولا تجوزُ الاستخارةُ في شيءٍ محرّمٍ، أو يؤدّي فعلهُ إلى حرامٍ؛ ذلك أنّ الحكمةَ من صلاةِ الاستخارةِ في الأمورِ الواجبةِ، أو المستحبّةِ، أو النهي عن منكرٍ، كأن ينهى شخصٌ عن فعلِ منكرٍ، ويخافُ حصولَ الضررِ منهُ.
بعدَ الانتهاءِ من صلاةِ الاستخارةِ لا يجوزُ الشكُّ في صحَّةِ الصلاةِ؛ لأنّ ذلكَ يدلُّ على ضعفِ الإيمان وضعفِ الاعتقادِ والتوكّل، فما يلزم المؤمن في هذهِ الصلاةِ هي الثقة الكبيرة والتامة باللهِ عزَّ وجلَّ، وحسنُ التوكُّلِ عليهِ، والرضا بما كتبهُ الله لهُ، وإلَّا فالاستخارةُ غيرُ صحيحةٍ، وبالتالي قبلَ البدء فيها يجبُ أن تكونَ النيةُ حاضرةً في الاستخارةِ، نابعةً من اعتقادِ المسلمِ الجازمِ بأنّ اللهَ عزَّ وجلَّ سيختارُ لهُ خيرَ الأمرينِ، والأصلُ عدمُ تكرارِ صلاةِ الاستخارةِ في الموضوعِ الواحدِ، وليسَ شرطاً كما يذكرُ الكثيرُ من الناسِ أن يرى المستخيرَ رؤيا في منامهِ، فالرؤيا تُعتبر قرينة كبقيّةِ قرائنِ التيسير أو الصرف والابتعاد. ويُستحبّ أن يقرأ في الركعة الأولى بعد الفاتحة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الثانية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).[6]
ولا يجوزُ تقديمُ الاستشارةِ على الاستخارة، بل العكسُ هو الصحيحُ، ذلكَ أنّ علمَ الإنسانِ محدودٌ وقاصرٌ بجانب علمِ اللهِ عزَّ وجلَّ المطلق الواسع علّام الغيوبِ. وقد قالَ اللهُ تعالى لنبيِّهِ محمد صلّى اللهُ عليهِ وسلّم: (قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ)[7]
حقيقة الاستخارة
الاستخارةُ ليست مجرد ركعتينِ ودعاءٍ مخصوصٍ ذُكِرَ في الأحاديثِ النبويّةِ الشريفةِ، وإنما هي عبادةٌ ذاتُ شأنٍ عظيم، احتوت الكثيرَ من المعاني والدلائل على عبوديةِ الله عزَّ وجلَّ، والتسليمِ الخالصِ له سبحانهُ تعالى، ولذلكَ على من أرادَ أن يجنيَ ثمارها، ويستلذَّ بفوائدها العظيمةِ أن يتقنَها، ويستحضرَ عَظَمةَ اللهِ عزَّ وجلَّ فيها، فهي تُمثّلُ تَوكيل العبدِ الكاملِ أمورَ حياتهِ كلها للهِ تعالى، ومَنْ أفضلُ ممّن جعلَ الله عزَّ وجلَّ وكيلهُ ومعينهُ في كلِ أمرهِ، وربحَ التوفيقَ والنجاحَ في الدنيا، ونالَ رضا الله والأجر في الآخرةِ![8]
فوائد الاستخارة
وللاستخارةِ فوائد عديدةٌ، فهي تُعلِّمُ العبدَ المسلمَ عدم احتقارِ أمرٍ ما، لصغرهِ أو ظاهرِ خيرهِ، فقد يُقدِمُ على أمرٍ ظَنَ فيه الخيرَ الكثيرَ من ظاهرهِ، وبعد الإقدامِ عليهِ وفعلهِ يجدُ الضررَ الكثيرَ. وهذا دليلٌ على أنّ الإتقانَ النظري لا يكفي، بل هناك حاجة إلى ما هو أعمقُ من ذلك، وهو التعليمُ والإتقانُ العملي، والاجتهادُ في الأمرِ حتى يصلَ إلى النتيجةِ المرجوةِ منه، فإن أُمّة الإسلام تعبد الله بالعلم والعملِ على بصيرةٍ قال تعالى: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [9].
وفي صلاة الاستخارة التسليمُ الكاملُ للهِ عزَّ وجلَّ، عندما يطلبُ العبدُ بصلاتهِ هذهِ تيسيرَ أمرٍ إن كان فيه الخير له، وأن يصرفهُ ويبعدهُ عنه إن كان شراً له، مستعيناً بذلك كلّهِ بعلمِ الله عزّ وجل وقدرتهِ، فهو علّامُ الغيوبِ مطلعٌ على الغيبِ ويعلمُ ما لا نعلم، وهو على كلِّ شيءٍ قدير، ومن فوائدِ الاستخارةِ إظهارُ مدى ضعفِ العبدِ وحاجتهِ لله عزَّ وجلَّ عندما يقول: (فإنك تقدرُ ولا أقدر وتعلمُ ولا أعلم وأنت علّامُ الغيوب) وذلك في أمورِ العبدِ كلِّها صغيرها وكبيرها، ولا بأس بتكرار الاستخارة لأنها دعاء، والإكثار منه والإلحاح فيه مستحَب.[10]
المراجع
- ↑ أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين ( 1399هـ - 1979م)، معجم مقاييس اللغة، دار الفكر، صفحة 232، جزء 2.
- ↑ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية - الكويت (من 1404- 1427 هـ)، الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة (الطبعة الثانية)، الكويت: دار السلاسل، صفحة 241، جزء 3.
- ↑ محمد بن إبراهيم بن عبد الله التويجري (1431 هـ - 2010 م)، مختصر الفقه الإسلاميّ في ضوء القرآن والسنة (الطبعة الحادية عشرة)، المملكة العربيّة السعوديّة: دار أصداء المجتمع، صفحة 555، جزء 1.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 1162، [حديث صحيح].
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 480، [صحيح].
- ↑ ابن عابدين، محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي (1412هـ - 1992م)، رد المحتار على الدر المختار (الطبعة الثانية)، بيروت: دار الفكر، صفحة 642، جزء 1.
- ↑ سورة الأعراف، آية: 188.
- ↑ سيد سابق ( 1397 هـ - 1977م)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت - لبنان: دار الكتاب العربي، صفحة 211، جزء 1.
- ↑ سورة يوسف، آية: 108.
- ↑ أبو مالك كمال بن السيد سالم (2003)، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، القاهرة - مصر: المكتبة التوفيقية، صفحة 117، جزء 3.