كيف أصبر على الابتلاء
الصبر على الابتلاء
كلّ إنسانٍ في هذه الدنيا مهما كان معتقده وفكره معرّض للابتلاء، ومن الابتلاءات التي يتعرّض لها الإنسان خلال حياته الإصابة بمرضٍ أو أمراضٍ عديدة، أو فقدان المال، أو موت شخصٍ عزيزٍ عليه، أو مفارقة الأهل والأحبة، أو المشاكل العائليّة. ويختلف التعامل مع حالات الابتلاء التي يمرّ بها الإنسان من حالةٍ إلى أُخرى، ولكن هناك قاسم مشترك للتعامل مع كل حالات الابتلاء، وهو الصبر، فكيف يصبر الإنسان على الابتلاء؟ وللصبر على الابتلاءفضل، وأسباب معينة، وهذا ما سنوضّحه في هذه المقالة.
معنى الصبر على الابتلاء
- الصبر في اللغة اسم، ومصدره؛ صَبَرَ، يُقال: يَتَحَلَّى بِالصَبْرِ أي؛ يَتَحَلَّى بِالْجَلَدِ، أَيْ؛ لاَ يُظْهِرُ شَكْوىً مِنْ أَلَمٍ أَوْ بَلْوىً أصابه. والصَّبْرُ: التجلُّد وحُسن الاحتمال، قال الله سبحانه وتعالى: (رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا )[1] وشهر الصبر: شهر الصيام، والصبر عن المحبوب أي: حبس النفس عنه، والصبر على المكروه: احتماله دون جزع، صبر أيّوب: شدّة الاحتمال، وعِيل صَبْري أي: نفَد، وفروغ الصَبْر: الجزع وعدم الاحتمال .[2]
- الابتلاء في اللغة: مصدر اِبْتَلَى، اِبْتِلاَءُ الإنْسَانِ: اِخْتِبَاره، وابْتلاهُ بعلَّةٍ أي؛اختبره، اِمتحنه، إذا أحب الله عبدًا ابتلاه.[4]
كيفية الصبر على الابتلاء
يوجد العديد من الطُرق والوسائل التي تُعين العبد على الصبر على ما يصيبه من ابتلاءات ومصائب منها:[5]
- معرفة المسلم للحكمة من ابتلاء الله سبحانه وتعالى له؛ فالله يبتلي عبده ليهذّبه لا ليعذّبه، وأنّ ابتلاءه له يعتبر كفارةً من الذنوب، ودليل على محبّة الله سبحانه وتعالى له، وطريق لبلوغ المنازل العُلا مع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
- تذكُّرالمسلم لأحوال من هم أشدّ منه بلاء؛ فمن ينظر إلى الابتلاء الذي يمرّ به غيره يهون عليه ابتلاؤه.
- تلقّي المسلم لما يصيبه من ابتلاء بالرضا بقضاء الله وقدره.
- معرفة أنّ الجزع وعدم الرضا لا ينفعان المسلم عند وقوع الابتلاء.
- معرفة المسلم لطبيعة الدنيـا وأنّها دار عناءٍ، ودار اختبارٍ وامتحان.
- معرفة الثواب العظيم للصبر على الابتلاء، فقد قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: (... إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [6]
- الثِقة بحدوث الفرج من الله سبحانه وتعالى، وأنّه ما من ضائقةٍ إلا وتُفرج.
- الاستعانة بالله سبحانه وتعالى واللجوء إليه وطلب العون منه، وسؤاله الصبر والرضا بقضائه وقدره.
- عدم الشكوى لأحدٍ غير الله سبحانه وتعالى.
- عدم اليأس والاستسلام لمُثبّطات الشيطان.
- التأمّل في قصص السابقين من أهل الصبر، وتأمّل مواقفهم وصبرهم على الابتلاء، والتأسّي بهم.
- تفويض الأمر لله سبحانه وتعالى، مع الأخذ بالأسباب، وعدم الاستعجال فكلّ شيءٍ عند الله بقدر.
فضل الصبر على الابتلاء
الصبر على الابتلاء له فضل وفوائد عظيمة منها:[7]
- للصبر على الابتلاء عاقبة حسنة لمن يتحلّى به؛ وللمسلم في ذلك أُسوة حسنة في قصة صبر نبيّ الله أيوب عليه الصلاة والسلام.
- إنّ المسلم الذي امتحنه الله بمحنةٍ في الدنيا، وتلقّاها بجميل الصبر، وحمد الله على المحنة التي أصابته له الجزاء الحَسَن في الآخرة.
- في الصبر على الابتلاء تسليم كامل ورضا بقضاء الله وقدره، وهذا من شأنه أن يعود على المسلم بالسعادة، وعمارة القلب بالإيمان.
أنواع الصبر
ينقسم الصبر الواجب على المسلم إلى ثلاثة أقسام هي:[8]
- الصبر على طاعة الله سبحانه وتعالى: فالطريق إلى الله مليئة بالعوائق الكثيرة؛ وذلك لأنّ النفس بطبيعتها لا تحبّ القيود والعبوديّة، فلا بدّ من ترويضها وكبح جماحها حتّى تستقيم، وهذا يحتاج إلى الصبر، والصبر على الطاعة يتكوّن من ثلاثة أمور، صبر قبل القيام بالطاعة وذلك بتصحيح النية والإخلاص لله تعالى، وصبر وقت الطاعة بحيث لا يغفل عن تأديتها ولا يتكاسل عنها، وصبر بعد العمل؛ فلا يُنظر للنفس بعين العجب، لئلا يُحبط عمله.
- الصبر عن المعاصي والمحرمات: فالإنسان بحاجةٍ إلى الصبر عن ملذّات الدنيا وشهوات النفس، فلا يُطلق لها العنان لتسترسل خلف شهواتها.
- الصبر على المصائب وأقدار الله المؤلمة: فلا يسلم أحد من البشر من الآلام، أو الأمراض، أو المصائب، أو الابتلاءات، لكنّ المؤمن يتلقى هذه الأمور بالصبر عليها واحتساب أجرها عند الله سبحانه وتعالى.
حكم الصبر
اتّفق الفقهاء على أنّ الصبر واجب كما ذكر الإمام ابن القيم، وإنّما يُراد بذلك الصبر الواجب، فالصبر تعتريه الأحكام التكليفيّة الخمسة؛ الوجوب، والندب، والإباحة، والكراهة والحرمة؛ فيكون واجباً كالصبر على الطاعات، والصبر عن المحرّمات، والصبر على المصائب، ويكون مندوباً؛ كالصبر عن المكروهات، والصبر على المستحبات، ويكون مباحاً كالصبر على كلّ فعلٍ يستوي فيه الطرفان خُيّر فيه العبد بين فعله وتركه، ويكون مكروهاً كمن يصبر عن الطعام والشراب حتّى يتضرر جسمه من ذلك، ويكون حراماً كالذي يصبر عن الطعام والشراب حتّى يموت، أو يصبر على ما يُهلكه مع قدرته على دفعه.[9]
مجالات الصبر
للصبر مجالات عديدة في الحياة الإنسانية منها:[9]
- الأعمال التي تتطلب المثابرة والصبر حتّى يتمّ إنجازها، فيضبط الإنسان نفسه عن الملل حتّى يُنجزها.
- المصائب والمكاره، يصبر الإنسان عليها ويضبط نفسه عن التضجر.
- المطالب الماديّة والمعنويّة، يتمّ ضبط النفس عن الاستعجال حتّى يتمّ تحقيقها.
- الغضب، والعوامل التي تدفع النفس إلى الاندفاع والطيش.
- الخوف عند إثارة الخوف في النفس.
- الطمع، فيضبط الإنسان نفسه حتّى لا يندفع وراء مثيرات الطمع.
- أهواء النفس وطلباتها وضبط النفس عن الاندفاع خلف هذه الأهواء.
- المتاعب ومشاق الحياة والآلآ=ام الجسديّة والنفسيّة.
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية: 250.
- ↑ "تعريف ومعنى الصبر"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 14-7-2017. بتصرّف.
- ↑ الجرجاني (1983)، التعريفات (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 131. بتصرّف.
- ↑ "تعريف ومعنى ابتلاء"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 23-7-2017. بتصرّف.
- ↑ "الصبر على البلاء"، الكلم الطيب، اطّلع عليه بتاريخ 24-7-2017. بتصرّف.
- ↑ سورة الزمر، آية: 10.
- ↑ يسري صابر فنجر، "عظم الجزاء في الصبر على البلاء"، صيد الفوائد، اطّلع عليه بتاريخ 24-7-2017. بتصرّف.
- ↑ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، أنواع الصبر ومجالاته - مفهومٌ، وأهميَّةٌ، وطرُقٌ، وتحصيْلٌ في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 20-30. بتصرّف.
- ^ أ ب د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، أنواع الصبر ومجالاته - مفهومٌ، وأهميَّةٌ، وطرُقٌ، وتحصيْلٌ في ضوء الكتاب والسنة، السعودية: مطبعة سفير، صفحة 16-18. بتصرّف.