كيف نصلي صلاة العشاء
صلاة العشاء
تُعدُّ صلاة العشاء من الصَّلوات المُهمَّة والتي ذُكرت بها الكثير من الأحاديث في فضائلها، وجزاء تاركها؛ حيث إنّ حكمها هو فرض على كل مسلمٍ بالغٍ عاقل، كما أنه واجبٌ صلاتها في الجماعة للرجال فقط، فالأجر في صلاة العشاء في جماعة كبير، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (مَن صَلَّى العِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصفَ الَّليلِ، وَمَن صَلَّى الصُّبحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى الَّليلَ كُلَّهُ) {صحيح مسلم}.
بشَّر النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام من يمشون في الظُّلمة إلى المساجد بقوله: (بشِّرِ المشَّائينَ في الظُّلمِ إلى المساجِدِ بالنُّورِ التَّامِّ يومَ القيامةِ) {صححه ابن ماجه والألباني}، حيث إنّ صلاة الظُلمة هي صلاة الفجر وصلاة والعشاء، وفي المقابل فقد وصف النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم تارك هاتين الصلاتين بالنِّفاق كما ورد في الحديث الذي صحَّحه الشيخ الألباني رحمه الله، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أثقلُ الصلاةِ على المنافقين صلاةُ العشاءِ ، وصلاةُ الفجرِ ، ولو يعلمون ما فيهما لأتَوْهما ولو حَبْوًا).
كيفية أداء صلاة العشاء
صلاة العشاء أربع ركعاتٍ كما في صلاة الظُّهر والعصر، ولكن تكون القراءة في أوَّل ركعتين من صلاة العشاء جهريَّتين، وليست سِرِّيةً كما هي في صلاتَي الظُّهر والعصر، أمّا مناسك صلاة العشاء فهي كما يلي معتمدين في ذلك على الحديث المشهور (المسيء في صلاته):
- النِّية: مكان النِّية في القلب، وهذا ما أجمع عليه العلماء قاطبة، وكذلك لم يَرِد عن الرسول عليه السلام أنه تلفَّظ بالنِّيةِ قبل الصلاة.
- التوجُّه نحو القبلة: اتجاه القبلة هو إلى مكَّة المكرَّمة حيث يوجد الحرم المكِّي.
- القيام للصلاة: حيث يكون المصلِّي قائماً، فالقيام ركنٌ واجبٌ على كلِّ قادر، ولكن إن كان مريضاً، أو المكان ضيِّقاً، أو خائفاً من الأعداء، جاز للمصلي أن يُصلي جالساً، أو منبطحاً، حيث روى عمران بن الحصين رضي الله عنه فقال: (كانتْ بي بَواسيرُ ، فسأَلتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الصلاةِ ، فقال : صَلِّ قائمًا ، فإن لم تستَطِع فقاعدًا ، فإن لم تستَطِعْ فعلى جَنبٍ) {صحيح البخاري}.
- تكبيرةُ الإحرام وموضع اليدين: تبدأ أي صلاةٍ برفع اليدين إلى مستوى فروع الأذنين مع قول ( لله أكبر)، ثم يضع المُصلِّي يده اليمنى على يده اليُسرى قابضاً باليمنى على رُسغ اليُسرى، ويضعهما على صدره، ثم يرمي بصره على الأرض إلى موضع سجوده خاشعاً.
- قراءة دعاء الاستفتاح: وقد وردت نصوصٌ كثيرة لهذا الدُّعاء، حيث إنّه من أسهلها هو: (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدُّك، ولا إله غيرُك).
- قراءة الفاتحة وما تيسَّر من القرآن: وتكون القراءة بصوتٍ مسموعٍ إذا كان المُصلِّي إماماً أو منفرداً، أما إذا كان مأموماً فلا يجوز له أن يرفع صوته بالقراءة، ويُرفع الصَّوت في أول ركعتين، وأما ثاني ركعتين فتكون القراءة سِرِّيَّةً، أي لا يرفع الإمام صوته، ولا المأموم، ولا المُصلِّي منفرداً، وأما بالنسبة لقراءة ما تيسَّر من القرآن هو أن يقرأ المُصلِّي ما يحفظ من القرآن حتى ولو كانت آيةً واحدةً لا غير، وحالها كحال الفاتحة، جهريَّةً في أول ركعتين، وصامتة في ثاني ركعتين، حتى إنّ بعض العلماء قالوا إنّه لا يُقرأ شيء غير الفاتحة في الركعتين الأخيرتين.
- التكبير والركوع: ثم يقول المصلِّي: (الله أكبر) ويرفع يديه إلى المنكبين ثم ينزل إلى وضعية الرُّكوع، وذلك بالقبض على الرُّكبتين، والساقين ممدودتين، والظَّهرُ مستقيمٌ بشكلٍ أفقي، حيث إنّه يجب قول (سبحان ربِّيَ العظيم) مرَّةً على الأقل ويمكنه قول هذا الذِّكر كما يشاء أن يُكثر.
- الرفع من الرُّكوع: وذلك بقول (سمع الله لمن حمده) وهذا للإمام ولمن يُصلِّي منفرداً، ويتم ذلك مع رفع اليدين كما في التَّكبير، والقيام منتصباً من الركوع حتى يطمئنَّ واقفاً، فيقول عندها: (ربَّنا ولك الحمد).
- السجود: ثم يقول: (الله أكبر) وينزل ساجداً على سبعة أعضاءٍ من جسده، وهي الجبهة مع الأنف، والكفَّين، والرُّكبتين، وأطراف أصابع القدمين، ويجب قول الذِّكر (سبحان ربِّي الأعلى) مرَّةً أو كثر من ذلك.
- الجلسة بين السجدتين والسجود مرَّةً أخرى: يرفع من السجدة الأولى بقوله الله أكبر، فيجعل قدمه اليُسرى تحته جالساً عليها، وينصب قدمه اليُمنى على بطن أصابعها، ويضع يديه على فخذيه ويقول: (ربِّ اغفر لي) ويُكرِّرها كما يريد، ثم يسجد السَّجدة الثَّانية ويفعل بها كما فعل في السجدةِ الأولى.
- القيام من السجود: ويقول الله أكبر مع رفع رأسه من السجود ليقف على قدميه، من غير رفع اليدين.
- التَّشهُّد الأول: إن ما شرحناه سابقاً كان عبارةً عن ركعةٍ واحدة، ولذلك يجب أن يفعل المُصلِّي كما فعل بالرَّكعة الأولى مرَّةً أُخرى ثم بعد السجدةِ الثانية لا يقف، وإنما يبقى جالساً كما في الجلسة التي بين السجدتين، ولكن يقبض يده اليُمنى ويشير بإصبعه نحو القبلة ويقول: (التَّحيَّاتُ للهِ والصَّلاوات والطَّيِّباتِ، السَّلام عليك أيُّها النَّبيُّ، ورحمة الله وبركاته، السَّلام علينا وعلى عِباد الله الصَّالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمَّداً عبده ورسوله).
- الصلاة الإبراهيمية: بعد التَّشهُّد يقرأ المصلي: (اللهم صلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، كما صلَّيت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنَّك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمَّدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميدٌ مجيد).
- القيام من التَّشهُّد الأول: ويقول (الله أكبر) ثم يقوم واقفاً ويرفع يديه إلى المنكبين؛ حيث إن رفع اليدين قبل القيام جائز، وبعد القيام جائز.
- الركعتان الأخيرتان: ويفعل بالرَّكعتين الأخيرتين كما فعل بالرَّكعتين الأوليين، ولكن هنا لا يرفع صوته بالقراءة، ويستطيع الاقتصار على الفاتحة فقط من غير قراءة ما تيسَّر من القرآن.
- التشهُّد الأخير: يفعل بهذا التَّشهُّد كما فعل بالتَّشهُّد الأول، ولكن بعد قراءة الصلاة الإبراهيمية، كان يوصى النَّبيُّ عليه الصلاة والسلام بالاستعاذة من أربع، وهي أن يستعيذ من عذاب النار، ويستعيذ من عذاب القبر، ويستعيذ من فتنة المحيا والممات، ويستعيذ من شرِّ فتنة المسيح الدَجّال.
- التَّسليم: ويكون التَّسليم بالنَّظر إلى اليمين أولاً وقول: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ثم النَّظر إلى اليسار وقول: (السلام عليكم ورحمة الله).
وقت صلاة العشاء
يبدأ وقت صلاة العشاء من لحظة مغيب الشَّفق الأحمر الموجود في السماء حتى صلاة منتصف الليل، ويمكن إبقاؤها لصلاة الفجر لمن اضطرته الظُّروف، وذلك لقول النبيِّ عليه الصلاة والسلام: (أما إنه ليس في النوم تفريطٌ، إنما التفريط على من لم يصلِّ الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى) {رواه مسلم}، وهذا دليل على جواز تأخير صلاة العشاء للفجر لمن اضطرَّ لذلك، حيث إن هذا قول جمهور العلماء، ولكن الواجب أن يتم أداؤها في النصف الأوَّل من الليل.
أما عن أفضل وقتٍ لأداء صلاة العشاء فهو ما ورد في الأحاديث الصحيحة بأن تأخير صلاةِ العشاء إلى ثلث الليل أو إلى منتصفه أفضل في الأجر والثواب من تأديتها في الوقت المبكِّر الذي تعوَّدنا عليه في أيامنا هذه، حيث إنّ عائشة رضي الله عنها قالت: (كانوا يصلَّون العتمة فيما بين أن يغيب الشَّفق إلى ثلث اللَّيل الأوَّل) {رواه البخاري}، وقد روى أبو سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قائلاً: (صلَّى بنا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صلاةَ المغربِ، ثمَّ لم يخرج إلينا حتَّى ذَهبَ شطرُ اللَّيلِ فخرجَ فصلَّى بِهم ثمَّ قالَ: إنَّ النَّاسَ قد صلَّوا وناموا وأنتُم لم تزالوا في صلاةٍ ما انتظرتُم الصَّلاةَ، ولَولا ضعفُ الضَّعيفِ، وسقمُ السَّقيمِ لأمرتُ بِهذِه الصَّلاةِ أن تؤخَّرَ إلى شطرِ اللَّيلِ) {صحَّحه الألباني}.
ننوّه إلى أن بعض المسلمين لا يذهبون للصلاة في المسجد مع الجماعة بحجَّةِ أنَّ أئمَّة المساجد لا يؤخِّرون الصلاة إلى منتصف الليل، فيصلُّونها منفردين في منازلهم في منتصف الليل، وهذا الأمر غير جائز، لأنَّ النَّبيَّ كان يُصلِّيها في أول الوقت أحياناً، وكان يصلِّيها في منتصف الليل أحياناً أخرى، ولم يتخلَّف أحدٌ من الصحابة بمثل هذه الحجج.
النَّوافل بعد صلاة العشاء
ورد في الأحاديث الصحيحة أن ركعتين بعد صلاة فريضة العشاء هما سنَّةٌ مؤكَّدة، وكذلك ركعة الوتر حكمها كحكم ركعتي السُّنَّة المؤكَّدتين بعد فرض العشاء مباشرة.