كيف أحب الله بصدق
حب الله
إنّ لمحبّة الله عزَّ وجلّ في نفس المؤمن أهميّةٌ ومَكانةٌ عَظيمةٌ؛ فمَحبَة الله علامةٌ للارتِقاءِ إلى أعلى دَرجاتِ الإيمان؛ فقد وَرَدَ عن النبيّ صَلّى الله عليه وسلّم، قوله: ( ثلاثٌ مَن كُنَّ فيهِ وجَد حلاوَةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممّا سِواهما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلا للهِ، وأن يَكرهَ أن يَعودَ في الكُفرِ كما يَكرهُ أن يُقْذَفَ في النارِ ).[1] فمحبّةُ الله عزَّ وجلّ تورث حلاوةً في نفس المُحب، واطمئناناً في قلبه، وانشراحاً في صدره، لكنّ المحبّة الحقّة تحتاج لدلائل وبراهين تُثبت الحُبّ للمَحبوب، وقد أحسَنَ الإمامُ الشافعيّ حين قال:[2]
تَعْصِي الإِله وَأنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ
هذا محالٌ في القياس بديعُ
لَوْ كانَ حُبُّكَ صَادِقاً لأَطَعْتَهُ
إنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
معنى الحُب
الحُبُّ والحِبُّ في اللغة: الوداد، وَالحِبابُ كالحُبّ، وأحَبَّه فَهُوَ محبوبٌ، على غير قِيَاس على الْأَكْثَر، وَقد قيل مُحَبُّ على الْقيَاس. قال سِيبَوَيْهٍ: حَبَبْتهُ وأحْبَبْتُه بِمَعْنى، وَقال اللحيانيّ عَن بني سليم مَا أحَبْتُ ذَاك: أَي مَا أحببتُ، والحِبُّ: المحبوب، وَكَانَ زيد بن حَارِثَة يُدْعَى حِبّ رَسُول الله صلّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم، وجمعُ الحِبّ أحبابٌ وحِبَّانٌ وحُبُوبٌ وحِبَبَةٌ وحُبٌّ، والحَبيبُ والحُبابُ: الحِبُّ، وَالْأُنْثَى بِالْهَاءِ.[3]الحُب اصطلاحاً: ضد الكراهية، وهو: مَيلُ النّفس مع العقل؛ فإذا تجاوز العقل فهو العشق.[4]
أنواع الحبّ
للحُبّ أنواعٌ عديدة تبعاً للمُحِب والمحبوب وسبب المَحبّة، ومن هذه الأنواع:[5]
- حبّ الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: إنّ محبّة الله ورسوله فرض على كلّ مُسلم ومسلمة؛ بل إنّ هذه المَحبّة شرط من شروط الإيمان. قال -عليه الصّلاة والسّلام-: (لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من والده وولده والنّاس أجمعين)،[6] وتستلزم هذه المحبّة طاعة المحبوب، أي طاعة الله وطاعة رسوله صلّى الله عليه وسلم، وفِعل ما يَطلبه منه، وترك ما يَنهاه عنه، فلو ادّعى شخصٌ أنّه يُحبّ أحداً ولم يُطعه فيما أمره وطلبه منه ما اعتُبر حباً.
- حبّ المُؤمنين والعلماء والصّالحين: هذا من أفضل العبادات التي يتقرّب بها العبد إلى الله عزّ وجلّ، فقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (ثلاثة من كُنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممّا سواهما، وأن يُحبّ المرء لا يُحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود للكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يُقذَف في النّار).[1]
- مَحبّة الزّوجة والأولاد: فالمرء يَميل إلى زَوجته بالفِطرة ويسكن إليها، ويَزيد في ميله وحُبّه لها إن كانت جميلة، أو ذات خلق ودين، أو لديها من الصفات ما يجعل قلبه يميل إليها، وكذلك فإنّ محبة الولد أمر فطري .
- مَحبّة الوالدين وسائر الأقارب: فكلّ إنسان مَفطور على حبّ والديه فهما كانا السّبب في وجوده، وهما تعبا وسَهِرا على راحته، ومُراعاة مصلحته.
كيفيّة حُبّ الله بصدق
إنّ مَحبّة الله عزَّ وجلّ عقيدةٌ ثابتةٌ وإيمانٌ راسخ في نفس العبد المؤمن، قال الله عزَّ وجلّ: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ)،[7] فحبّ الله عزَّ وجلّ من الإيمان، وحب الله ينبغي أن لا يُدانيه حُب، خالصٌ له وحده، وكي يستطيع العبد أن يجعل حبّ الله خالصاً في قلبه صادقاً فيه يتوجّب عليه أن: [8]
- لا يُشرك بعبادة الله أحدٌ سواه، فلا يعبد مع الله أحد ولا يصرف شيء من العبادة لغيره، فيتوجّه بالمحبة لله وحده فلا يُشرك في محبته أحد؛ فكما جاء في الحديث النبوي الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبّ إليه ممّا سواهما، وأن يحبّ المرء لا يحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود إلى الكفر كما يَكره أن يلقى في النار)[1]
- حبّ الله عزَّ وجلّ لا يكون إلا بمعرفة أسمائه عزَّ وجلّ وصفاته، ومعرفة معانيها وتدبّرها.
- أن يتذلّل لله عزَّ وجلّ، وذلك عن طريق اللجوء إليه في الدعاء والضراعة، وطلب تفريج الكروب وما أهمّه من أمور الدّنيا والآخرة؛ فحب الله هو الاستشعار بعظمته، واللجوء إليه وقت الحاجة؛ حيث يُحبّ الله من عبده أن يُكثر الدعاء والإلحاح، فعادةً ما يبتلي الله عزَّ وجلّ العبد كي يختبره، والمؤمن الذي يجتاز الاختبار بنجاحٍ هو المُؤمن الصابر، الذي لجأ إلى الله في وقتِ مِحنته؛ لأنّ الله هو سيّد الشدائد، وهو سيّد الفرج، وبيده الأمر كله، وإليه يرجع الأمر كله، وهو خلق كلّ شيء، وهو من سيُنهي كل شيء.
- أن يُحبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك باتباع سنته؛ حيث قال الله عزّ وجلّ: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[9] وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ).[10]
- الاشتغال بعبادته عزَّ وجلّ والتقرّب إليه بما يُرضيه، والإكثار من ذكره، والخوف منه، وطاعته في السر والعلانية أمام الناس وأثناء خلوته مع نفسه؛ فبعض الأشخاص يخافون الله أمام الناس، ولكن مع أنفسهم يرتكبون العديد من الأخطاء والآثام.
- أن يُخفض جناحه للمؤمنين فيكون رحيماً بهم، عطوفا عليهم، شديداً على الكافرين.
المراجع
- ^ أ ب ت رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 16، صحيح؛
- ↑ محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج، أبو عبد الله، شمس الدين المقدسي الرامينى ثم الصالحي الحنبلي، الآداب الشرعية والمنح المرعية، بيروت: عالم الكتب، صفحة 154، جزء 1.
- ↑ أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده (2000)، المُحكم والمحيط الأعظم (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الكتب العلمية، صفحة 543، جزء 3.
- ↑ محمد رواس قلعجي، حامد صادق قنيبي (1988)، معجم لغة الفقهاء (الطبعة الثانية)، عمان: دار النفائس، صفحة 173.
- ↑ عدد من الؤلفين (27/9/2001)، "حكم الحب في الإسلام"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 14/1/2017. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 44.
- ↑ سورة البقرة، آية: 165.
- ↑ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (1957)، فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (الطبعة السابعة)، القاهرة: مكتبة السنة المحمدية، صفحة 102. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 44، صحيح.