كيف دافع ابن رشد عن الفلسفة
ابن رشد
ابن رشد هو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد (الحفيد)، وهو ينحدر من أُسرة عريقة عاشت خلال دولة المُرابطين، ودولة المُوحِّدين، حيث تولَّت أُسرة ابن رشد عدداً من وظائف القضاء المُهمّة في قُرطبة، وهي وظيفة تتوارثُها الأجيال، فيتولّاها الجدّ، ثمّ الابن، ثمّ الحفيد،[1] وُلِد ابن رشد في عام 520 هـ، في مدينة قُرطبة، وأصبح قاضياً نيابةً عن جدّه، إلى أن تولَّى منصب قاضي الجماعة بأمرٍ من الأمير المُوحِّدي أبي يعقوب يوسف بن عبد المؤمن، وقد كانت له عدّة مُؤلَّفات في المجالات المختلفة، منها: الفلسفة، والطبّ، والشريعة، كما درس ابن رشد عِلم الكلام، والفِقه، على أيدي أكبر الفقهاء في الأندلس وأشهرهم، ومنهم: أبو مروان بن مسرّة، وأبو جعفر بن عبد العزيز، وأبو القاسم بن بشكوال، إلّا أنّ ابن رشد كان مُحبّاً للفلسفة، فتعلَّمها على يدي أبي جعفر هارون الترجالي، وتتلمذَ في الطبّ على يدي أبي مروان بن عبد الملك.[2]
الفلسفة ودفاع ابن رشد عنها
ظهر حبّ ابن رشد للفلسفة، ودفاعه عنها من خلال عدد من الأمور التي تمثَّلت بما يأتي:
وحدة الحقّ بالعقل
يُعتبَر ابن رشد من كِبار الفلاسفة الذين شرحوا فلسفة أرسطو؛ حيث كان يَتَّسم بالعقلانيّة، ولهذا عارض الإمام الغزاليّ في رأيه الذي أصدره عن الفلاسفة المسلمين، ودافع عنهم، عِلماً بأنّه قد تمّ اتّهام ابن رشد بالإلحاد، على الرغم من أنّه هو أوّل مَن لاءم ما بين الحكمة، والشريعة،[3] كما دافع عن الفلسفة؛ لأنّه ينظر إليها كحقّ شرعيّ، وذلك من خلال مُقارَبته بين المقصود في الشريعة من ناحية الفلسفة، والعِلم، وأظهر الانشقاق بأنّ الدلالة في ذلك تحتاج إلى حلول، وكان الحلّ من وجهة نظر ابن رشد هو وَضْع مرحلتين تُظهران مقاربتين بين التوحيد، والشريعة، والحكمة من ناحية، والمقاربة بين الحكمة، والشريعة، وعِلم الكلام من ناحية أخرى، وقد أظهرت المرحلة الأولى المساواة ما بين الحكمة والشريعة، وأنّ كليهما حقّ من السماء، ولم يكن قَصْد ابن رشد أن يُقحِم الفلسفة في العلوم الخاصّة بالدين الإسلاميّ، إنّما كان يَقصدُ من ذلك إظهار الحقّ، والعقلانيّة في مجاله، ومنهجه المعرفيّ، إضافة إلى أنّه حافظ على النصوص الخاصّة بأرسطو؛ وذلك بسبب وجود الرغبة لديه في استقلال، وبروز النصّ الفلسفيّ.[4]
ونتج عن دفاع ابن رشد عن الفلسفة إثبات الحقّ الخاصّ بالشرع، والفلسفة، وأنّهما ينحدران من الأصل ذاته، ويُحقِّقان الهدف ذاته؛ حيث تحتاج الشريعة إلى الوسائل الخاصّة بالخَطابة، والشِّعر، الأمر الذي يتطلَّب استخدام عدد من وسائل المجاز، والتشابيه، والقصص، حتى تتكوَّن أركان الخطاب الشرعيّ المتكاملة، وفي هذه الحالة يتمّ تأويلها على يدي الفيلسوف بطريقته الخاصّة به، حيث إنّ مفهوم التأويل ينطلقُ من الفلسفة نحو الشريعة، وليس العكس، وقد ظهرت الإرادة الفلسفيّة الخاصّة بابن رشد من خلال تأكُّده من أنّ المعرفة الشرعيّة لديه نَتجَت عن البحث، والاطمئنان المعرفيّ، وليس عن النَّقْل، والوحي، واطمئنَّ إلى أنّ معرفته مُؤكَّدة من خلال استخدام العقل، والحواسّ، وفَضَّل أن يكون فيلسوفاً وباحثاً، ينتقد، ويسأل، ويبحث.[4]
فَصْل العقل بين الشرع والبرهان
بعد ظهور الحلّ المناسب للمرحلة الأولى، وهو الجَمع ما بين الشريعة، والحكمة، من خلال استخدام التأويل البرهانيّ، أمّا المرحلة الثانية، فتمثَّلت بعلاج التعدُّد، وذلك باستخدام تقنية الفَصل بين صور الشريعة، والحكمة، وهو التصوُّف، وعِلم الكلام؛ أي التحوُّل من الأنطولوجيا إلى التيولوجيا (علم الكلام)، أو إلى إنيولوجيا (علم التصوُّف)، وقد واجَهَ ابن رشد ثلاثةً من كبار الرموز الخاصّة بالثقافة الإسلاميّة، والعربيّة، هم: الغزالي، وابن سينا، وابن طفيل، حيث كان الغزالي شخصاً مُتصوِّفاً، لديه عداء مع الفلسفة، والعِلم، أمّا ابن سينا فهو مُتواطِئٌ مع التصوُّف، وعِلم الكلام، أمّا بالنسبة إلى معركة ابن رشد مع ابن طفيل فكانت غير مباشرة، إذ ظهرت شجاعة ابن رشد الفكريّة، ومقدرته على انتقاد أبي حامد الغزالي الذي يعود إلى السُّلطة المرجعيّة الخاصّة بالدولة المُوحِّدية، وكان بذلك مُنتقِداً لمُؤسِّس الدولة المهدي بن تومرت، واختار ابن طفيل طريق الذوق عِوضاًعن طريق البرهان، ممّا دلّ على عدم اكتراثه بأيّة عواقب قد تُواجهُه.[4]
كان صراع ابن رشد مع الغزالي يتركَّز حول نظرته الكلاميّة للعالَم؛ حيث كانت نظرته تتلخَّص في مَنْع العقل، والطبيعة من فعل أيّ أمر، مع عدم تصديقه لوجود أيّة مبادئ سببيّة، أو ذاتيّة، وهذه النظريّة قد تتسبَّب بإلغاء المقدرة الخاصّة بعِلم الوجود بشكل عام؛ حيث قال الغزالي إنّه ليس من الضروري استخدام العلوم الموضعيّة في العالم الإسلاميّ، مع تقليص استخدامها في عدد من المواضع البسيطة التي تخدم المُعاملة، والعبادة، أمّا صراعه مع ابن سينا، فكان بسبب خروجه عن خطّ الفلسفة في عدد من المسائل، مثل: المسائل التي تتّخذ الطابع الميتافيزيقيّ الذي يتحدَّث عن العلاقة ما بين الذات، والوجود، والمسائل التي تتّخذ الطابع الأنثربولوجي الذي يتحدَّث عن طبيعة العَقل البشريّ، والدور الخاصّ به، أمّا المسألة الأخيرة فهي المسألة التي تتَّخذ الطابع الإبيستيمولوجيّ الذي يختصُّ بالعلاقة ما بين الفلسفة، وشتّى أنواع العلوم، إذ انتقدَ ابنُ رشد ابنَ سينا في المسألة الميتافيزيقيّة؛ بسبب إخضاعه نظريّة الوجود للمنظور المنطقيّ، أمّا مسألة الأنطولوجيا فقد فَصل ابن سينا الوجود عن الماهيّة؛ نظراً لأنّه استخدم الرؤية الجَدَليّة، أمّا بالنسبة إلى نظريّة الفلسفة، والعلوم الطبيعية، فإنّ استخدام ابن سينا لمبدأ الاستقلال المُتبادَل في العلوم، والفلسفة، كان له الأثر الكبير في جَعل العلوم الطبيعيّة خاضعةً للعلوم الخاصّة بما بَعْد الطبيعة.[4]
المراجع
- ↑ د. محمود قاسم، الفيلسوف المُفترى عليه ابن رشد، القاهرة- مصر: مكتبة الأنجلو المصرية، صفحة 12. بتصرّف.
- ↑ د.حمادي العبيدي (1991)، ابن رشد (الطبعة الأولى)، لبنان-بيروت: دار الفكر العربي، صفحة 9. بتصرّف.
- ↑ د.محمد عباسة (2011)، "الفلسفة العقلانية عند ابن رشد"، مجلة حوليات التراث، العدد 11، صفحة 1. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث د.محمد المصباحي، رؤية ابن رشد الفلسفية للعالم، صفحة 1-3. بتصرّف.