ما أهمية الأخلاق
الأخلاق الحَسَنة
لا يكاد يختلف أحد على أنّ الأخلاق الحسنة من الأمور المهمّة التي لا يستغني عنها أيّ مجتمع، أو جماعة، أو فرد، فلا يستقيم التواصل والاتصال بين النّاس على نحوٍ سليمٍ، ولا تنتظم العلاقات على تنوّعها دون الأخلاق الحَسنة، فإذا انعدمت أو تخلّف النّاس عنها وعن التحلّي بها، وقع المجتمع برُمّته والنّاس كلّهم في حرجٍ، وتأثّرت حياتهم تأثّراً بالغاً؛ فالأخلاق الحَسنة هي عماد المجتمعات والأُمم، وهي التي تَقِيها من الانحرافات، وتعصمها من الفساد والانزلاق في وحْل التخلّف الثقافي والحضاري، وتتعدّى أهميّة الأخلاق الفرد لتشمل المجتمع بأسره، فما معنى الأخلاق، وما هي آثارها وأهميّتها على الفرد والمجتمع؟
تعريف الأخلاق
الأخلاق في اللغة جمع للفظ الخُلُق، وهي مُشتقَّة من الجذر اللغوي خَلَقَ، وهو راجع إلى أصلين؛ أحدهما دالّ على ملامسة الشيء، والآخر دالّ على تقديره؛ وهو المعنى المُراد، وإلى هذا الأصل ترجع لفظة الخُلُق؛ لأنّ صاحب الخُلق يُقدَّر عليه، ويُقال: فلان خليق بكذا؛ أي يُقدّر فيه ذلك،[1] والخُلق هو الدِّين، والطّبع، والسّجيّة كما قال ابن منظور في كتاب لسان العرب.[2]
أمَّا الأخلاق في الاصطلاح، فيُمكن تعريفها بعدّة تعريفات تِبْعاً للتخصّصات التي يُنظَر إليها من خلالها؛ فالأخلاق عند الفلاسفة لها تعريف، وعند علماء الاجتماع لها تعريف، وفي الفكر الإسلاميّ لها تعريف آخر، والأخلاق من وجهة نظر علم الاجتماع هي مصطلح مُشتَقّ من الكلمة اللاتينيّة (موس)، ويُقصَد بها التقاليد والأعراف، والأخلاق وفْقاً لهذه النظرة هي التصورات والتمثّلات التي تساعد البشر على إدراك الخير والشّرّ، وإدراك ما هو صحيح وما هو خاطئ.[3] وتُقسَم الأخلاق في النّظرة الفلسفيّة بوجهٍ عامٍ إلى أخلاقٍ نسبيّةٍ؛ يُراد بها مجموع قواعد السّلوك الخاصّة بمجتمعٍ معيّنٍ، وتختلف من مجتمعٍ لآخر ومن زمانٍ لآخر، أمّا الأخلاق المطلقة فهي مجموع قواعد السّلوك الثّابتة التي تصلح لكلِّ زمانٍ ومكانٍ.[4]
ويُعرِّف الفكر الإسلاميّ الأخلاق على أنّها مجموعة المبادىء والقواعد النّاظمة لسلوك الإنسان، التي يُحدّدها الوحي؛ لتنظيم حياة النّاس، وتحديد علاقتهم بغيرهم على نحو يحقّق الغاية من وجودهم في هذا العالم على الوجه الأكمل والأمثل،[5] وقد أوْلى الفكر الإسلاميّ للأخلاق عنايةً بالغةً، وأهميّةً بارزةً، ويظهر ذلك في جعل إحدى أهمّ غايات بعثة النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- تعزيز الأخلاق الحَسنة، كما روى عنه أبو هريرة رضي الله عنه، حيث قال: (إِنَّما بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ صالِحَ الأَخْلاقِ).[6]
أهميّة الأخلاق
إنّ للأخلاق أهميّةً بالغةً، ولا تقتصر هذه الأهميّة والتأثير على الفرد وحده، بل تتعدّى هذه الأهميّة لتعمّ المجتمع كلّه؛ لذا يُقسَم الحديث عن أهميّة الأخلاق إلى قسمين، وبيان ذلك على النحو الآتي:
أهميّة الأخلاق للفرد
إنّ للأخلاق أهميّة عظيمة للفرد، ويتجلّى ذلك في العديد من الأفعال والسلوكات، وبيان ذلك على النحو الآتي:[5]
- الأخلاق تمنح الفرد إمكانيّة اختيار السلوك الصادر عنه، وتحديد شكله، ممّا يعني الإسهام في تشكيل شخصيّة الفرد، وتحديد أهدافه في الحياة.
- الأخلاق تمنح الفرد الشعور بالأمان؛ إذ بالأخلاق والتّحلّي بها يتمكّن الفرد من مواجهة ضعف نفسه، ومجابهة التّحديات والعقبات التي تواجهه في حياته.
- الأخلاق تساعد الفرد على ضبط شهواته وهواه ومطامع نفسه، حيث تكون تصرّفاته كلّها متّسقة على ضوء ما يتحلّى به من الأخلاق الحُسنة.
- الأخلاق تسمو بالإنسان فوق الماديّات المحسوسة، فيرتفع الإنسان بالأخلاق إلى درجاتٍ رفيعةٍ من الإنسانيّة.
- الأخلاق الحسنة تُكسِب الفرد جزاءً حسناً في الحياة الآخرة، ويتمثّل هذا الجزاء بالأجر الكريم، وبالثواب الحَسن من رضا الله تعالى، والقبول منه، والفوز بجنّته.
أهميّة الأخلاق للمجتمع
إنّ تمسُّك المجتمعات والأُمم بالأخلاق الحَسنة والتزامها بها، يُعدّ سبباً في حفظ المجتمعات والأمم وبقائها، ودوام مجدِها وعزِّتها، بينما يُعدّ انحلال الأخلاق سبباً في زوال المجتمعات، وانحلالها، وتلاشي أثرها، فقد تعرّضت عدّة أمم سابقة لسخط الله تعالى، وحلَّ عليها عذابه؛ بسبب ما كانت عليه من سُوء الخلق، وشاهد ذلك في القرآن الكريم،[7] قول الله -تعالى- في سورة الإسراء: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا*وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ ۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)،[8] فسُوء الأخلاق مؤْذِنٌ بخراب المجتمع ودماره وانهيار كيانه، وقد عبّر الشّاعر أحمد شوقي عن هذا الأمر، حيث قال:[7]
وفيما يأتي بيان لأهميّة الأخلاق، وفوائدها التي تعود على المجتمعات:[5]
- الأخلاق تحفظ للمجتمع تماسكه واستقراره، بتحديدها للمُثُل العُليا، والمبادئ الأساسيّة التي يقوم عليها، ممّا يجعل الحياة الاجتماعيّة سليمةً ويُبقيها متواصلةً.
- الأخلاق تساعد المجتمع على مواجهة التغيّرات التي تحدث فيه؛ وذلك بتحديدها للاختيارات الصحيحة والسليمة التي تسهّل حياة عموم النّاس، وتحفظ كيان المجتمع في إطارٍ موحّدٍ ومحدّدٍ.
- الأخلاق تُسهم في ربط أجزاء المجتمع الثقافيّة بعضها ببعض؛ إذ تجعلها تبدو متناسقة ومتجانسة، كما تُعطي الأخلاق أيضاً النظام المجتمعيّ أساساً إيمانيّاً وعقليّاً.
- الأخلاق تقي المجتمعَ من الأنانيّة المُفرطة، وطيش الشّهوات، ونزوات الأهواء التي تضرّ بأفراده، وتُخلّ بنظامه.
- الأخلاق تزوّد المجتمع بصيغةٍ تُبيّن كيفيّة وطريقة التعامل مع العالم الطبيعيّ والبشريّ.
- الأخلاق تزوّد المجتمع بالصّبغة الملائمة التي تربط بين نظمه الداخليّة المختلفة، منها: الاقتصاديّة، والسياسيّة، والإداريّة، ممّا يؤدي إلى إحاطته بسياجٍ واقٍ يقيه من التفكّك والانحلال، وما يترتّب عليهما من مخاطر وأضرار.
المراجع
- ↑ ابن فارس (1979)، مقاييس اللغة، دمشق: دار الفكر، صفحة: 213-214، جزء: 2. بتصرّف.
- ↑ ابن منظور (1414هـ)، لسان العرب (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار صادر، صفحة: 86، جزء: 10. بتصرّف.
- ↑ جيل فيريول (2011)، مصطلحات علم الاجتماع (الطبعة الأولى)، بيروت: دار ومكتبة الهلال، صفحة: 81. بتصرّف.
- ↑ جلال الدين سعيد (2004)، معجم المصطلحات والشواهد الفلسفيّة، تونس: دار الجنوب للنشر، صفحة: 24. بتصرّف.
- ^ أ ب ت صالح بن عبد الله بن حميد، نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم (الطبعة الرابعة)، جدة: دار الوسيلة، صفحة: 66-86، جزء: 1. بتصرّف.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2349، صحيح.
- ^ أ ب عبد الرحمن حمود غالب (26-8-2013)، "الأخلاق أهميّتها وفوائدها"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 30-1-2018. بتصرّف.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 16-17.