كم كان عدد الصحابة الذين هاجروا إلى الحبشة
الهجرة
سنّ الله تعالى سُنناً عدّة في الكون منها الهجرة من مكانٍ إلى آخر، وهذا من رحمته عزّ وجلّ بالناس، فعند التعرّض للظلم والاضطهاد وسلب الحقوق وجب على المظلومين الفرار بالدّين أو النفس، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 97]، وهذا دليلٌ على الإثم الذي يصيب من يبقى في البلد الظالم أهلُها.
الهجرة إلى الحبشة
كان الرسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم ضعيفاً ومُستضعَفاً في الأرض، ولكنّ عمّه أبا طالبٍ هو من حماه ومنع أذى المشركين عنه، أمّا أغلب الصحابة رضي الله عنهم كانوا من الضعفاء الذين لا سند لهم يحميهم من بطش المشركين، فتعرّضوا إلى الكثير من الأذى وصنوف العذاب، لذا أذِن الله تعالى لهم بالهجرة من أرض مكّةَ؛ حفاظاً على دينهم ونصرةً لهم، فهاجروا إلى الحبشة مرّتين، ثمّ جاء أمر الله بالهجرة إلى المدينة وإقامة الدولة الإسلاميّة فيها.
الهجرة الأولى
بعدما اشتدّ عذاب قريش للصحابة سمح لهم النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالهجرة إلى الحبشة؛ ففيها ملكٌ نصرانيّ عادلٌ لا يُظلم عنده أحد، وكانت هذه الهجرة الأولى في السنة الخامسة من بعثة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وكان عدد الذين هاجروا أحد عشر رجلاً منهم عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، والزبير بن العوّام، وأبو حذيفة بن عتبة، وأربع نسوة هنّ: رقيّة بنت النبي صلّى الله عليه وسلّم، وأمّ سلمة بنت أبي أميّة امرأة أبي سلمة، وسهلة بنت سهل امرأة أبي حذيفة، وليلى امرأة عامر بن أبي ربيعة، خرجوا متسلّلين في السرّ؛ خوفاً من بطش المشركين حتى انتهوا إلى الشعيبيّة، منهم من ركب الدابّة، بينما قطعت البقية المسافات مشياً على الأقدام، وعندما وصلوا إلى الساحل قيّض لهم الله تعالى سفينتي تجار حملتاهم إلى الحبشة بنصف دينار.
الهجرة الثانية
بعد أن أسلم كلٌّ من عمر بن الخطّاب وحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهما رفعت قريشُ يدها عن المسلمين، وتوقّفت عن تعذيبهم لفترةٍ من الزمان، إلّا أنّ سادتها عاودوا تعذيبهم مرّةً أخرى لعدّة أسبابٍ، منها:
- خوفهم من دخول أهل الحبشة في الإسلام، وانتشاره خارج مكة المكرّمة عامّةً.
- زيادة قوّة شوكة المسلمين بعد الأنباء التي وصلت مكّة عن حفاوة استقبال النجاشيّ لمن هاجر إليه.
جاء أمر النبيّ بهجرة المسلمين مرةً أخرى إلى الحبشة في ظلّ هذه الظروف العصيبة ، وكان عددهم أكثر من ثمانين رجلاً مسلماً، وثماني عشرة امرأة: إحدى عشرة منهنّ من قريشٍ، وسبعٌ من غيرها، بالإضافة إلى العديد من الأطفال.