-

كيف كان السلف يستقبلون رمضان

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

شهر رمضان المبارك

يعدّ صيام شهر رمضان المبارك، من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، فهو ركنٌ من أركان الإسلام العظيمة، وقد دلّت عليه نصوص الشريعة الإسلامية من القرآن الكريم، والسنة النبوية، كما فصّلت في ذكر شروطه، وأركانه، وواجباته، ومستحباته، ونصّت على العديد من أفضاله، وميزاته، فمن ذلك ما أخبر به الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من اختصاص الصائمين ببابٍ في الجنة، لا يدخل منه أحداً غيرهم، حيث قال: (إنَّ في الجنَّة باباً يُقالُ له: الرَّيَّانُ، يَدخل منه الصَّائمون يوم القيامة، لا يدخُل مِنه أَحدٌ غيرُهم، يُقالُ: أينَ الصَّائمونَ؟ فيَقومونَ لا يَدخُلُ مِنه أَحدٌ غيرُهُم، فإذا دَخَلوا أُغلِقَ، فلن يَدخُلَ مِنه أَحدٌ)،[1] ويتحقّق الصيام من خلال أركانٍ أربعةٍ: أوّلها النية، ثمّ الإمساك عن المفطرات كلّها، من مأكلٍ، ومشربٍ، ونحوه، وثالثها زمان الصيام؛ وهو يبدأ من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وآخرها وجود الصائم، أيّ المسلم، البالغ، العاقل، القادر على الصيام، والخالي من موانعه؛ كالسفر، والحيض والنفاس بالنسبة للمرأة.[2]

وحقيقة الصيام لا تقتصر على الكفّ عن المأكل، والمشرب فقط، بل له حقائقٌ قلبيةٌ أيضاً، وهي تتضّح من خلال ستة أمورٍ؛ أولها غضّ البصر، وكفّه عن كلّ ما فيه منكرٍ، أو إشغالٍ عن ذكر الله تعالى، وثانيها حفظ اللسان عن الكذب، والغيبة، والنميمة، والمِراء، ونحوه، ومنها أيضاً؛ كفّ السمع عن الإصغاء لكلّ ما هو مكروهٍ ومذمومٍ، وكذلك كفّ بقيّة الجوارح جميعها عن الآثام، والمعاصي، وكفّ البطن عن الطعام المشبوه عند وقت الإفطار، ومنها أيضاً ألّا يكثر المسلم، ويبالغ في الأكل، والشرب عند الإفطار، أمّا آخرها، فأن يبقى قلب الصائم قلقاً، مضطرباً بعد الإفطار بين الخوف، والرجاء، الخوف من عدم قبول صيامه، والرجاء في قبوله عند الله سبحانه، والصيام في حقيقته مدرسةٌ تُعين الإنسان على محاربة هواه، وقمع شهواته، وتزكية نفسه، وتحثّه على بذل الوسع، والطاقة في التزوّد من الخيرات، والطاعات، والأجور، والحسنات، كما تحمل المسلم أيضاً على تحرّي الحلال في مطعمه، ومشربه، وكسب رزقه، وتنهاه عن أشكال الفواحش، والذنوب جميعها.[2]

حال السلف في استقبال رمضان

كان السلف -رحمهم الله- يستقبلون رمضان بالفرح، والاستبشار، والحمد لله على نعمة تبليغه إيّاهم لشهر رمضان المبارك؛ وذلك لعلمهم بأنّه ركنٌ عظيمٌ للإسلام، وعليه يقام صرحه الشامخ، ولِما بشّرهم به الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- من مبشراتٍ، وفضائلٍ، ومزاياتٍ في هذا الشهر العظيم، الذي تُفتح فيه أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، وتصفّد فيه الشياطين، فقد ورد أنّهم كانوا يدعون الله -عزّ وجلّ- أن يبلّغهم إيّاه طيلة ستة أشهرٍ كاملةٍ، ثمّ إذا جاءهم، وانقضى عنهم دعوا الله أن يتقبّله منهم ستة أشهرٍ أخرى، وكان يحيى بن أبي كثير -رحمه الله- يدعو الله، فيقول: (اللهمّ سلّمنا لرمضان، وسلّم رمضان لنا، وتسلمه منا متقبّلاً)، وكانوا يعدّون رمضان مدرسةً لتعويد أنفسهم على صيام النوافل، وقيام الليل، كما كانوا يرونه شهراً للقرآن، وسماعه، وتلاوته، وتدبّره، والعمل به، لذلك كان سفيان الثوري -رحمه الله- إذا دخل رمضان، ترك جميع أعماله، وأقبل على القرآن الكريم يتلوه، ويتدبّره.[3]

وكان السلف -رضي الله عنهم- يسارعون في رمضان؛ لبذل الجود، والعطاء، وإذابة الشُحّ، والبخل من نفوسهم، حتى أنّ حماد بن أبي سليمان كان يفطّر في رمضان خمسمئة مسلم، وكانوا يستقبلون رمضان بسؤال الله تعالى أن يُعينهم فيه على العمل الصالح، ويكتب لهم القبول فيه، ثمّ يجتهدون في العمل الصالح، مع قلقهم المستمر من قبول الله تعالى له، وكانوا إذا دخل رمضان، تركوا أعمالهم، وتفرّغوا للعبادة، والطاعة، وتقلّلوا من مشاغل الدنيا وأمورها، ووفّروا الوقت للجلوس في بيوت الله تعالى، يقرؤون القرآن، ويتدارسونه، وكانوا يرون في ذلك حفظاً لألسنتهم من الغيبة، ولأوقاتهم من الضياع.[3][4]

آداب صيام رمضان الواجبة

للصيام آدابٌ واجبةٌ على المسلم، وفيما يأتي بيان البعض منها:[5]

  • القيام بما أوجبه الله تعالى على المسلم من أمورٍ قوليةٍ، وفعليةٍ، أهمّها: سلامة العقيدة في قلبه من الشرك، ونحوه، وأداء الصلاة على وقتها، ووفق شروطها، وأركانها، وواجباتها، فلا ينبغي للمسلم أن يصوم رمضان وهو تاركٌ للصلاة.
  • اجتناب ما حرّمه الله -عزّ وجلّ- على عباده من أفعالٍ وأقوالٍ؛ كالغيبة، والكذب، والنميمة، وقول الزور.
  • معرفة وتعلّم أحكام الصيام، حتى لا يُفسد الإنسان صومه دون أن يدري، وعليه أن يسأل في ذلك أهل العلم.
  • إخراج زكاة الفطر في آخر شهر رمضان؛ لتكون طهوراً للمسلم ممّا يمكن أن يُصيبه في صيامه من لغوٍ، أو إثمٍ، ونحوه، وتكون أيضاً مواساةً وإحساناً للفقراء.

آداب صيام رمضان المستحبة

كما أنّ للصيام آدابٌ واجبةٌ على المسلم، فله أيضاً آدابٌ مستحبةٌ، فيما يأتي بيان جانبٍ منها:[6]

  • عزم المسلم على استثمار رمضان، والتنافس فيه بالخيرات، والطاعات.
  • شكر الله -عزّ وجلّ- على نعمة تبليغ الإنسان لشهر رمضان.
  • تأخير وجبة السحور إلى آخر وقتها، وتعجيل وجبة الإفطار إلى أول وقتها.
  • الحرص على الدعاء عند الإفطار، لما ورد في إجابة الدعاء في ذلك الوقت.
  • الحرص على قيام ليالي شهر رمضان، بأداء صلاة التراويح.
  • الإكثار من القيام بأعمال البرّ والمعروف؛ كإخراج الصدقات، وقراءة القرآن، وذكر الله عزّ وجلّ.
  • تجنّب الإفراط في الأكل، والشرب.
  • الاجتهاد في اغتنام الليالي العشرة الأخير من شهر رمضان؛ وذلك حرصاً على تحرّي ليلة القدر.

المراجع

  1. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 1896، صحيح.
  2. ^ أ ب "رمضان.. فضائله، أركانه، فوائده، سننه و مكروهاته "، www.ar.islamway.net، 2004-10-8، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-31. بتصرّف.
  3. ^ أ ب د. محمد ويلالي (2012-9-13)، "استقبال رمضان بين اعتناء السلف، وتسيب بعض الخلف"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-31. بتصرّف.
  4. ↑ "حال السلف الصالح في استقبال شهر رمضان"، www.alfawzan.af.org.sa، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-31. بتصرّف.
  5. ↑ رأفت صلاح الدين (2016-6-9)، "آداب الصيام الواجبة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-31. بتصرّف.
  6. ↑ رأفت صلاح الدين (2016-6-11)، "آداب الصيام المستحبة"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 2018-10-31. بتصرّف.