-

كيف تكون مؤمناً حقيقياً

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الإيمان

خلق الله تعالى الإنسان، وأنعم عليه بالعديد من النعم والخيرات، ما لا يسعه شكر الله عليها، ومن أبرز ما أنعم الله به على الإنسان وميّزه به عن سائر المخلوقات؛ العقل والإدراك، المقتضي لاتباع دين الله، والتصديق بالإسلام الذي اختاره للناس ديناً، ولا يرضى لأحدٍ من عباده سواه، فالقلب هو مكان صلاح الإنسان واستقامته وتقواه، ومنه يكون الفوز والفلاح أو الخسران، ولا يقبل الله من العبد إلّا الإيمان، وهو الملاذ الآمن الذي يحفظ الإنسان في الدنيا والآخرة، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناسَ، وفي روايةٍ: أُمِرْتُ أن أقاتلَ الناسَ حتى يقولوا: لا إله إلا اللهُ، فإذا قالوا: لا إله إلا اللهُ عَصَمُوا مِنِّى دماءَهم وأموالَهم إلا بحَقِّها، وحسابُهُم على اللهِ)،[1] فإذا تمكّن الإيمان في القلوب خرج الإنسان من ظلمات الكفر والجهل إلى نور الإيمان واليقين، وشرح الله له صدره، ويسّر أمره، وكان من أولياء الله الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون، والإيمان هو: الاعتقاد الجازم بأن الله هو ربّ كلّ شيءٍ وخالقه، وهو وحده المستحقّ للعبادة بجميع أنواعها وأشكالها، وهو الذي اتصف بصفات الكمال المنّزه عن كلّ عيبٍ ونقصٍ، فيشمل تعريف الإيمان ثلاثة جوانبٍ؛ هي: توحيد الربوبيّة، وتوحيد الألوهيّة، وتوحيد الأسماء والصفات، وهو المتفرّد بهذه الصفات والكمالات، وللإيمان أركانٌ تتطلّب التصديق الجازم بها جميعها، من آمن بها فقد فاز ونجا، ومن كفر خاب وخسر، ويستلزم الإيمان القول باللسان، والعمل بالأركان، والتصديق بالجَنان، ولا بدّ من توافر هذه الجوانب الثلاثة حتى يكتمل؛ فالإيمان الصادق من المفترض أن يظهر على الجوارح وينطق به اللسان، ويزيد مستوى الإيمان وينقص بحسب ما يفعله الإنسان من الطاعات ويرتكب من المعاصي، وتتعدّد شُعب الإيمان حتى تصل إلى بضعٍ وسبعين شعبةً، أعلاها لا إله إلّا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، ويدفع الإيمان صاحبه إلى التحلّي بالصفات الحميدة والأخلاق الفاضلة، فيستشعر عظمة الله تعالى؛ فلا يجعله أهون الناظرين إليه.[2]

الصدق في الإيمان

إنّ الإيمان الصحيح عند أهل السنّة والجماعة هو القول باللسان والعمل بالأركان والتصديق بالجنان، ودليل الاستقامة على الطريق المستقيم هو الالتزام بكتاب الله، وسنة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم، فلا يكفي الإيمان المعتقَد في القلب بعيداً عن العمل، ويعدّ النبيّ هو الأسوة والقدوة في ذلك، كما قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)،[3] وفيما يأتي بيان بعضٍ من هدي النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- في الدلالة على الإيمان الصادق:[4]

  • قيام الليل؛ فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يتعبّد لله، ويقوم الليل حتّى تنتفخ قدماه، وما ذلك إلّا ليشكر الله تعالى، فكان النبي يستشعر العبوديّة لله في الصلاة، ويمكن قياس جميع أنواع العبادات على ذلك، فالله غنيّ عباده، وهم الفقراء إليه، وقد حثّ رسول الله عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- فقال: (يا عبدَ اللهِ: لا تكُنْ مِثلَ فُلانٍ كان يقومُ من الليلِ، فترَكَ قِيامَ الليْلِ)،[5] وجعل الله من أفضل صفات أهل الإيمان؛ القيام له في الظُلَم، وفيه أيضاً من المنافع الصحيّة على الجسم؛ كالوقاية من الأمراض، وتنشيط الجسم، وغيرها الكثير.
  • الحرص على تطبيق شرع الله وحدوده؛ فشرع الله يُطبّق على كلّ من دخل في الإسلام دون محاباة أحدٍ على أحدٍ، أو الاحتجاج بوجود البدائل مع تغيّر العصر تتناسب مع الإنسانيّة كالحبس مثلاً، ويتجلّى الحرص على تطبيق حدود الله حين أراد أسامة بن زيد أن يشفع للمرأة المخزوميّة التي سرقت، فردّ عليه رسول الله قائلاً: (إنّما أهلك الذين قبلكم، أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ، تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيفُ، أقاموا عليه الحَدَّ، وايمُ اللهِ لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقَتْ لقطعتُ يدَها)،[6] فهو الذي سيباشر بقطع يدها إن تجاوزت حداً من حدود الله.
  • االإحسان إلى الجار؛ فهذه ثلاث صورٍ من صور الإيمان بالله تعالى ذكرها رسول الله في حديثٍ واحدٍ، فقال: (من كان يؤمن بًالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بًالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بًالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت)،[7] فالمؤمن بالله حقاً يحرص على أن يكون مُحسناً لجاره؛ فلا يؤذيه، ويقدّم له المساعدة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

كيفيّة الثبات على الإيمان

كان سلف الأمّة يظهرون القوة في إيمانهم من خلال الرضا والسعادة في مواطن الأقدار، فقد أظهر الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- رضاه بقضاء الله وقدره، حين قال: (ولا نقولُ إلَّا ما يُرضي ربَّنا واللَّهِ يا إبراهيمُ إنَّا بِكَ لمَحزونونَ)،[8] وقد يصل الإنسان إلى ما هو أعلى من الرضا بقضاء الله؛ وهو الثناء على الله، كما فعل رسول الله في غزوة أحد، وقد كان أهل الإيمان بالله يتذكّرون ما أعدّه الله لهم من الثواب، فينسون ما بهم من الآلام، ويصبرون على الابتلاءات، ولا يزيدهم الصبر إلا رفعةً في الدرجات، فقال الله تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ۚ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا)،[9] ويتذكّر المؤمن أنّ أمره كلّه خيرٌ؛ إن كان ما به من ضراءٍ صبر، وإن كان ما به من سراءٍ شكر.[10]

المراجع

  1. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم: 21، صحيح.
  2. ↑ ناصر الغامدي (15-8-2007)، "حقيقة الإيمان ومقتضياته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.
  3. ↑ سورة الأحزاب، آية: 21.
  4. ↑ سيد مبارك (27-9-2016)، "الصدق في الإيمان"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.
  5. ↑ رواه الألباني ، في صحيح الجامع ، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم: 7945، صحيح.
  6. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 1688، صحيح.
  7. ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6136، صحيح.
  8. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 2315، صحيح.
  9. ↑ سورة الأحزاب، آية: 22.
  10. ↑ أحمد الفرجابي (10-2-2008)، "كيف أصبح مسلماً مؤمناً قوي الإيمان؟"، consult.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 14-10-2018. بتصرّف.