كيف تكون قوي التركيز
قوة التركيز
يواجه النَّاس مشكلاتٍ حياتيَّة عديدة تذهب بأوقاتهم إلى الإنفاق المبتور بغير قيمة فعليَّة أو ناتجٍ حقيقي، ويعزو النَّاس تلك العادة إلى التشتُّتِ وضعف التركيز وعدم قدرتهم على إدارة مواردهم وأوقاتهم وتنظيم مؤسساتهم وغير ذلك من المضيِّعات التي تُسبِّبُ في النهايةِ إحباطهم وتوقَّفهم عن الإنجاز في أغلب الأحيان، ويعرِض العلماء حلولاً عديدة لمثل هذه الحالات غير المرغوبة يتمثَّل أهمُّها في توجيه السلوك وتركيز الاهتمام به، إذ يعتبر العلماء أنَّ تحسين السلوك لحالٍ أفضل من واقعه يعتمد على مراقبة السلوك ذاته. والواقع أنَّ قدرة الفرد على إحداث الفرق وصناعة الإنجاز تحتاج إلى استشعار التركيز كمبدأ حياتيّ ونظام أساسي لجميع المنجزات المحتملة والمنشودة مع ما يناسب عمليَّة التركيز من ملائمة الوقت والمكان والطريقة.[1]
مفهوم التركيز لغةً واصطلاحاً
يشير مفهوم التركيز في معاجم اللغة إلى الاهتمامِ بالشَّيء والتأكيدِ عليه وحصر التفكير واستجماع الانتباه لتحليل الموقف أو التثبُّت في أمرٍ أو قضيَّةٍ أو كائن واستدعاء الذِّهن وإعماله في إدراك جوانب الشيء وتفاصيله ودقَّته.[2] أمَّا في الاصطلاح فيشغل مفهوم التَّركيز حيِّزاً متبايناً عند العلماء؛ إذ لم يتفق عليه التربويون بتعريف موحَّد، ونزَعَ معظمهم إلى مقاربته وجمعه مع الانتباه لارتباط المفهومين معاً في الحال والنَّتيجة، ومن تعريفاته المشتهرة أنَّه توجيهٌ للعمليَّات العقليَّة والنَّشاطات النَّفسيَّة نحو أمر معيَّن أو شيء حصراً، وهو القدرة على انتخاب مثير واحدٍ بين المثيرات الدَّاخليَّة والخارجيَّة لينتقل المثير إلى حيِّز الوعي والانتباه والشعور ليؤدي ذلك إلى الإدراك العميق بالشيء والمثير.[3]
كيف تكون قوي التركيز
تعد عمليَّة التركيز عمليَّةً معقَّدةً نظراً لتداخل المشتتات وتواجدها الاعتيادي سواءً على مستوى المؤثِّرات والبيئة المحيطة بالفرد أو على مستوى الأفراد المحيطين به، والتركيز هو أشدُّ درجات الانتباه وأقصاها، ويقاس بقدرة الفرد على تجاهل المشتِّتات والسيطرة عليها من جهة والقدرة على الاندماج مع الأمور المهمَّة أو الشاغرة فقط وحصراً من جهة أخرى، ويقابل التركيزُ مفهوم التشتُّت الذي تصنعه أمورٌ متعدِّدة مثل تعدُّد المسؤوليَّات الملقاة على عاتق الفرد وزيادة الأدوار التي ينبغي على الفرد أن يعايشها ويمارسها في حياته وارتفاع مستوى التوقُّعات التي ينتظرها منه الآخرون. ويمكن للأفراد زيادة قوة تركيزهم من خلال بعض الممارسات والسلوكات وتَبنِّي اتِّجاهاتٍ معيَّنة، ومن ذلك ما يلي:[4]
- تبنِّي أمر معيَّن واحد وحصري في الفترة الزمنيَّة الواحدة، إذ يمكن للفرد أن يحصر انتباهه ويرفع مستوى تركيزه إذا اعتاد ممارسة شيء واحد فقط في الوقت الواحد دون إحداث تداخل أو تنقُّل بين المهمَّات على تعدُّدها.
- استبطاء التركيز واستحضار ذروته بالشمول والتكامل دون تجزئته عند أمرٍ والانصراف إلى غيره.
- مراجعة الأمر الشاغر جيداً قبل الانتقال إلى غيره وعدم التسرُّع في إنهاء أي أمرٍ لصالحِ غيره بصورةٍ ناقصةٍ.
- استبعاد المشتِّتات والمشوشات والبيئة المحرضة على زوال التركيز وانتفائه وتحطيم استقراره وثباته.
- انتقاء الأساليب والاستراتيجيات والظروف الزمانيَّة والمكانيَّة الملائمة لاستجماع التركيز واستمراريته لأكبر فترة ممكنة من الزمن.
- استدعاء المشاعر الانفعالية الملائمة للمواقف والأحداث والمعلومات والخبرات لتمثيلها عاطفياً ونفسياً بما يضمن انعكاسها بتشبُّع في مقومات التركيز وعمقه وجودته.
أساليب زيادة التركيز
يمكن دعم عمليَّة التركيز وإسنادها عبر جملة من الأساليب العمليَّة المقنَّنة بقواعد وضوابط تسهم في تفعيل التركيز وتحسينه واستمراريته كسلوكٍ اعتيادي منمَّط، ومن هذه القواعد ما يلي:[5]
- انتقاء الأوقات الملائمة للتعلُّم أو نهل المعارف والخبرات أو التفكُّر والبحث، وذلك بعد تقسيم الأوقات وتحليلها تبعاً لقيمتها ومهامها ومراقبة الأنسب منها والأكثر نشاطاً وحيوية.
- استثمار البيئات المناسبة والملائمة لاستجماع التركيز والانتباه من خلال الاختيار الأمثل للبيئة النظيفة ذات الهواء النَّقي والمنظر الحسن بعيداً عن المشتتات والقذارات ومصادر الضوضاء السمعيَّة والبصريَّة لما لذلك من دور في تعميق الإدراك وتحسين التركيز والانتباه.
- استحضار نيَّة الإتقان واستشعارها عند أداء أي سلوك تعلمي أو معرفي؛ إذ إنَّ دافع الإتقان مجلبةٌ للتركيز ومحفِّز له.
- الاجتهاد في توفير الهدوء والسكينة في الأماكن المنتقاة للمذاكرة والتفكّر والعمل والإنجاز والابتعاد عن مشتتات التفكير.[4]
- تعميم الخبرات والمعارف السابقة على المعلومات الجديدة أو المواقف الآنيَّة والمستحدثات التي ينشغل فيها الفكر ويُعمل فيها العقل.[4]
- الاسترخاء المنظَّم والمتوازن، إذ يوفِّر الاسترخاء استراحة العقل وانتعاش الوعي والذاكرة وضبط الانتباه وتحسين التركيز، ويعزز الاسترخاء إدراك الإنسان ويُنمِّي قدراته الذهنيَّة ويؤصِّلها كطريقةٍ نمطيَّة ومثاليَّة للتفكير.[4]
أسباب وعوامل التشتت وأثره في التركيز
تغص الحياة الحديثة بالمشتتات باختلاف أنواعها وأصنافها؛ فمع التطوُّر الهائل الذي وصلت إليه الحياة وتسارع أحداثها وتزاحم معلوماتها وتعدُّد مصادرها ظهر التشتُّت بوضوحٍ واستشرى وانتشر حتى صار سمة العصر الحاضر وهويته وعلامته، والتشتت ألدُّ أعداء التركيز وأخطرهم، وله عوامل وأسباب عديدة ونتائج كارثيَّة، وتتمثَّل عوامله ومسبِّباته بصورةٍ عامَّة بالضَّوضاء السمعيَّة والبصريَّة الصادرة من حياة النَّاس ونشاطاتهم الحركيَّة واللفظيَّة والتواصليَّة، وضوضاء الازدحامات والاكتظاظ المرافقة لجميع نشاطات التعلم والعمل والحركة والتنقل، وضوضاء الانشغال وتعدد المهام والأعمال والواجبات والأدوار التي تجبر الناس أن يعيشوها بصورة مستمرَّة ودائمة كأن يعمل الإنسان بأكثر من مهنة أو مجال أو وظيفةٍ تستهلك أوقاته وأيامه وانتباهه وقدراته، وقد تترتَّب على هذه العوامل جميعاً نتائج كارثيَّة مرافقة للتشتت منها ما يلي:[4]
- ضعف التركيز وتدني مستوياته.
- انتشار النسيان وتفشيه واعتياديته.
- اضطرابات النوم وزيادة الإحساس بالإجهاد وسرعة التعب وتغوُّل الملل وضعف العزيمة والإرادة.
- الاضطرابات الجسميَّة والنفسيَّة المرافقة للنوم.
المراجع
- ↑ براين تريسى (2012)، نقطة التركيز (الطبعة الأولى)، السعودية-الرياض: مكتبة جرير، صفحة 2-4.
- ↑ "معنى تركيز"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 27-2-2018.
- ↑ أحمد محمود (1-10-2013)، "مفهوم التركيز عند بدر الدين بن جماعة في ضوء النظريات التربوية المعاصرة"، مجلة الجامعة الإسلاميَّة للدراسات النفسيَّة والتربويَّة، العدد 4، المجلد 21، صفحة 201.
- ^ أ ب ت ث ج مدحت أبو النصر (2009)، قوة التركيز وتحسين الذاكرة (الطبعة الأولى)، القاهرة: المجموعة العربية للتدريب والنشر، صفحة 157-162.
- ↑ أحمد محمود (1-10-2013)، "مفهوم التركيز عند بدر الدين بن جماعة "، مجلة الجامعة الإسلامية للدراسات التربوية والنفسية، العدد 4، المجلد 21، صفحة 208.