-

كيف تزيد ثقتك بالله

(اخر تعديل 2024-09-09 11:28:33 )

الثقة بالله تعالى

خلق الله تعالى المخلوقات لعبادته وعدم الإشراك به، ودليل ذلك قوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[1] وعبادة الله تعالى تكون إمّا بالجوارح وإمّا بالقلوب، فعبادات الجوارح مثل الصلاة والصيام والحجّ وغيرها الكثير، وعبادات القلوب الباطنة مثل الخوف من الله تعالى والخشية منه، وحسن التوكل عليه في جميع الأمور، والثقة بأقداره لعباده، والثقة بالله تعالى من صفات الرسل والأنبياء عليهم السّلام، ومنهم إبراهيم عليه السّلام، وذلك عندما ألقي في النار، فما كان منه إلا أن التجأ إلى ربّه قائلاً: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)،[2] وبذلك حماه الله تعالى من النار، ومن كيد أعدائه، كما أنّ الثقة بالله تعالى من صفات الأولياء من المؤمنين الصادقين، وبالثقة بالله سبحانه يتحقق الرضا في نفوس العباد، وتفريج الكروب والمحن.[3]

زيادة الثقة بالله

إنّ من الواجب على المسلم أن يكون واثقاً بما عند الله تعالى من أقدارٍ وأرزاقٍ، إلا أنّ النفس البشريّة قد تضعف ثقتها بخالقها في بعض الأحيان، ولكن هنالك عدّة أمورٍ تزيد من الثقة بالله تعالى، وفيما يأتي بيان بعضها:[4]

  • العلم علم اليقين بأنّ ما قدّره الله تعالى من أرزاقٍ للعبد سوف يصيبه، ولن يمنعه أيّ مانعٍ، كما أنّ العبد لن يموت قبل أن يصيبه ما قدّره الله تعالى له، إلا أنّ الواجب على العبد أن يبذل الأسباب ويسعى لتحصيل أرزاقه مع حسن توكله على الله تعالى، حيث قال الله عزّ وجلّ: (إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ)،[5] كما قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (لو أنَّكم توَكَّلُونَ على اللَّهِ تعَالى حقَّ توَكُّلِه لرَزقَكم كما يرزقُ الطَّيرَ تغدو خِماصًا وتروحُ بِطانًا).[6]
  • الثقة بأنّ المصائب والمحن التي تصيب العبد تعدّ من أقدار الله تعالى، وما قدّره الله تعالى لا بدّ من وقوعه وحصوله، والواجب على المسلم عند وقوع المصائب الصبر والتحمّل والاحتساب عند الله سبحانه، وبذلك يحصل العبد على الثواب والأجر من الله عزّ وجلّ، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (واعلمَ أنَّ ما أصابَك لم يَكن ليخطئَكَ، وأنَّ ما أخطأَك لم يَكُن ليصيبَك).[7]
  • الحرص على تذكّر أمور الآخرة، والاجتهاد في العبادات والطاعات؛ استعداداً للحساب يوم القيامة، فلا بدّ من المسلم أن يسعى لما يحقّق له الفوز في الحياة الآخرة والنجاة من النار، حيث قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: (احرِص على ما ينفعُكَ، واستِعِن باللَّهِ ولا تعجِزْ).[8]
  • الحرص على طاعة الله تعالى، وطاعة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- في جميع أمور الحياة، والحرص على كلّ حسنةٍ تحقّق القرب من الله تعالى، ويبقى أجرها، وهي التي يتنافس المؤمنون بها، حيث قال الله تعالى: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلً).[9]
  • الإكثار من الأعمال الصالحة، ومن الجدير بالذكر أنّ الله تعالى يضاعف الأجور والحسنات، مع الحرص على عدم الاغترار بالحياة الدنيا وما فيها من شهواتٍ وملذّاتٍ.

نماذج من الثقة بالله تعالى

إنّ الثقة بالله تعالى كانت شعاراً عند الكثيرين ممن أصيبوا بالابتلاءات والامتحانات، وفيما يأتي ذكرٌ لبعض هذه الأمثلة:[10]

  • عندما تجاوز موسى -عليه السّلام- البحر مع من آمن معه، ضعفت بعض النفوس، وظنوا أنّ الطاغية فرعون ومن معه سيدركونهم، حيث ورد في القرآن الكريم: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)،[11] إلّا أنّ موسى -عليه السّلام- كان شديد الثقة بالله تعالى، ومتوكلاً عليه بشكلٍ تامٍّ، حيث قال الله تعالى عنه: (قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ)،[12] ومن الجدير بالذكر أنّ الثقة بالله كانت مزروعةً في قلوب جميع الأنبياء والرسل عليهم السّلام، ومن الامثلة على ذلك قول الرسول محمد -صلّى الله عليه وسلّم- في صلح الحديبية فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه، حيث ورد أنّه قال: (إني رسولُ اللهِ، ولن يُضيِّعني اللهُ أبدًا)،[13] وكذلك كان الصحابة رضي الله عنهم، وبيّن الإمام ابن القيم خطورة سوء الظنّ بالله تعالى التي يقع فيها العديد من المسلمين، فيقع الظنّ في قلوب المسلمين بعدم الإيمان بنصر الإسلام والمسلمين وهلاك الأعداء، حيث قال الله تعالى: (مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ)،[14] فمن كان يظنّ أن الله تعالى لن ينصر رسوله محمد -صلّى الله عليه وسلّم- في الحياة الدنيا والآخرة؛ فليرسل حبلاً يخنق به نفسه، بسبب اعتقاده الباطل بنصر الله تعالى لرسوله؛ وذلك لأنّ الله سبحانه سينصر رسوله دون أي شكٍ.
  • كان الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- دائم الاعتقاد والإيمان بنصر الله تعالى له، وفي المقابل فإنّ بعض الصحابة كان يصيبهم شيءٌ من الإحباط واليأس، بسبب ما يشاهدون من قوّة الكفار وكثرة عددهم، إلا أنّ النبيّ -عليه الصّلاة والسّلام- كان يذكّرهم بأنّ المستقبل للإسلام وأهله، ويتمثّل ذلك في حادثة الهجرة إلى المدينة المنوّرة مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وخاصّةً عندما لحق بهما في طريقهما سراقة بن مالك، وتظهر الثقة بالله تعالى أيضاً في غزوة الأحزاب عندما حُوصر المسلمون في المدينة المنوّرة، كان عدد الأحزاب يفوق كثيراً عدد المسلمين في المدينة المنوّرة، ولكنّ الله تعالى أيّد المؤمنين وآزرهم بالملائكة، وأصاب الأحزاب بالرياح، فالواجب على المسلمين الإيمان والاعتقاد الجازم بما ورد من أخبارٍ أخبر بها الله تعالى أو رسوله صلّى الله عليه وسلّم.

المراجع

  1. ↑ سورة الذاريات، آية: 56.
  2. ↑ سورة آل عمران، آية: 173.
  3. ↑ "الثقة بالله"، saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-9-2018. بتصرّف.
  4. ↑ "رسالة كن واثقاً بالله تعالى"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 8-9-2018. بتصرّف.
  5. ↑ سورة الذاريات، آية: 58.
  6. ↑ رواه السيوطي، في الجامع الصغير، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم: 7402، صحيح.
  7. ↑ رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن زيد بن ثابت، الصفحة أو الرقم: 111، إسناده صحيح.
  8. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2664، صحيح.
  9. ↑ سورة الكهف، آية: 46.
  10. ↑ "الثقة بالله في الأزمات"، www.almunajjid.com، اطّلع عليه بتاريخ 8-9-2018. بتصرّف.
  11. ↑ سورة الشعراء، آية: 61.
  12. ↑ سورة الشعراء، آية: 62.
  13. ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن شقيق بن سلمة، الصفحة أو الرقم: 1785، صحيح.
  14. ↑ سورة الحج، آية: 15.