كيف تتعلم الرقية الشرعية
الرقية الشرعية
الرقية الشرعية هي مجموعةٌ من الآيات القرآنيّة والأدعية يُردّدها المسلم حتى يتخلّص من السحر، والعين، والأذى، والمرض، وجميع ما يصيبه، أو يلحق به أو بأبنائه أو من يحبّ من الناس، وهي سبيلٌ لإبعاد الشيطان عن المسلم، فيتّقي وساوسه وما يصيب به عباد الله من الشك واللبس في أمور دينهم، أو في حياتهم الدنيويّة وعلاقاتهم مع الناس.
دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الرقية والاسترقاء عند الحاجة ضمن قواعد وأسس خاصّة، وعلى كل مسلم أن يتعلّم تلك الأسس والقواعد وكيفية الرقية والاستقراء كي يستخدمها عند الحاجة لذلك، وقد حثَّ المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أن لا يطلب المسلم الرقية إلا من نفسه أو ممّن يَثق به من الناس حتى ينتفع بها.
حكم الرقية الشرعية
الرقية مشروعةٌ في الإسلام بل هي مُستحبَّةٌ جائزة، خصوصاً إذا كانت الرقية تعتمد بشكلٍ خاص على ما جاء في القرآن و السنة والأدعية والأذكار المسنونة، أو أيّ شيء يوافق شرع الله ولا يُخالف النصوص الشرعية وأحكام الإسلام عامةً، كأن يتضرّع العبد إلى الله تعالى ويتوسّل إليه بالدعاء، ويلتجئ إليه بالصلاة وغير ذلك بقصد طلب الشفاء والبرء مما أصابه، وقد جاء ذكر الرقية والإشارة إلى مشروعيّتها وبيان فضلها في الكثير من الأحاديث،[1] منها ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - حيث يقول: (انطلق نفرٌ من أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في سَفْرَةٍ سافروها، حتى نزلوا على حيٍّ من أحياءِ العربِ، فاستضافوهم فأَبَوْا أن يُضَيِّفُوهم، فلُدِغَ سيدُ ذلك الحيِّ فسَعُوا لهُ بكلِّ شيٍء لا ينفعُهُ شيٌء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاءِ الرهطِ الذين نزلوا، لعلَّهُ أن يكون عند بعضهم شيٌء، فأَتَوْهُمْ فقالوا: يا أيها الرهطُ، إنَّ سيدنا لُدِغَ، وسَعَيْنَا لهُ بكلِّ شيٍء لا ينفعُهُ، فهل عند أحدٍ منكم من شيٍء؟ فقال بعضهم: نعم، واللهِ إني لأَرْقِي، ولكن واللهِ لقد استضفناكم فلم تُضَيِّفُونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تَجعلوا لنا جَعْلًا، فصالحوهم على قطيعٍ من الغنمِ، فانطلق يَتْفُلُ عليهِ ويقرأُ: (الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فكأنَّما نشطَ من عِقَالٍ، فانطلق يمشي وما بهِ قَلَبَةٌ، قال: فأوفوهم جَعْلَهُمْ الذي صالحوهم عليهِ، فقال بعضهم: اقْسموا، فقال الذي رَقَي: لا تفعلوا حتى نأتيَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فنذكرُ لهُ الذي كان، فننظرُ ما يأمرنا، فقَدِموا على رسولِ اللهِ فذكروا لهُ، فقال: وما يُدْرِيكَ أنَّها رقيةٌ؟ ثم قال: قد أصبتم، اقْسموا، واضربوا لي معكم سهماً، فضحكَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ).[2]
إنّ ما وَرد من الأحاديث النبويّة وكان فيه نهيٌ عن الرقية والتمائم والتولية؛ فالمُراد فيها بالنهي هو النهي عمّا يرد فيه من شركيّات وأمور محرّمة، أو أنّ الراقي قد أوكَل جميع أموره واعتمد على الرقية وأغفل التوكل على الله - سبحانه وتعالى - واللجوء إليه وهو الّذي يقصده العبد حين طلب الرقية لا الرقية نفسها، فهو الشافي وهو المُعافي وجميع الأدوية والآيات والأذكار لا تنجح دون أمر الله وتوفيقه ومشيئته، فإذا كانت الرقية قائمةً على كتاب الله أو مأخوذةً من سنة رسوله فقط دون اللجوء إلى الشركيات أو الكفريات فلا بأس بها، بل هي مُستحبَّة مشروعة، والمُحرّم وغير المستحب منها أن يعتمد المرء على فعله دون التوكّل على الله أو أن يُدخل في الرقية ما يُخالف الشريعة وأحكامها.[1]
طريقة الرقية الشرعيّة
تكون الرقية الشرعيّة بقراءة الآيات والأدعية الواردة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - على الماء أو على الزيت وشربهما، أو الاغتسال بالماء المقروء عليه في مَكانٍ طاهرٍ ثم التخلّص من فضل الماء المغتسل به، أمّا بالنسبة للزيت المقروء عليه فيُمكن الادّهان به، أو أن يقرأ الراقي تلك الآيات مُباشرةً على المرقي بأن يضع يده على موضع الألم الذي يُعاني منه المرقي، ويجوز بل يُستحبّ أن يرقي الإنسان نفسه بنفسه وذلك الأفضل، وتكون الرقية كذلك بأن تُكتب آيات وأدعية الرقية الصحيحة على ورقٍ يوضع في الماء ثم يُشرب ذلك الماء بعد تصفيته من عوالق الورق المكتوب عليه تلك الآيات، وتكون الكتابة بما لا ضَرر في شرب مائه كالزعفران وغيره،[3] ويُفضّل أن يكون الورق المُستخدَم لكتابة آيات الرقية عليه ممّا لا يؤثر بالجسم أو يُلحق الضرر به إن تحلّل مع الماء، وآيات وأدعية الرقية الشرعية التي صحت عن رسول الله هي:[4]
- قراءة سورة الفاتحة سبع مرات.
- قراءة آيات مُعيّنة من سورة البقرة، وهي من الآية (1 إلى 5) مرة واحدة فقط، والآية رقم 164 من سورة البقرة، والآية رقم 255 منها، والآيتان رقم 285 و286 من سورة البقرة.
- قراءة الآيتان رقم 190 و191 من سورة آل عمران.
- قراءة الآية رقم (54) من سورة الأعراف.
- قراءة الآيات ذوات الأرقام من 1 إلى 119 من سورة الأعراف.
- قراءة سورة يونس من الآية رقم 79 إلى رقم 81 .
- الآية رقم 82 من سورة الإسراء.
- سورة طه من الآية رقم 65 إلى الآية رقم 69.
- سورة المؤمنون من الآية رقم 115 إلى الآية رقم 118.
- سورة الصافات من الآية رقم 1 للآية رقم 10.
- سورة الحشر من الآية رقم 22 إلى 23.
- الآية رقم 51 من سورة القلم.
- الآية رقم 3 من سورة الجن.
- قراءة السور التالية وترديدها (الإخلاص، والفلق، والناس، والكافرون).
أقسام الرقية
تنقَسم الرقية إلى عدّة أقسام حسب طريقتها والمرقي عليه والمواد المُستخدمة فيها، وقد جعلها البعض ثلاثة أقسام، وهي:[1]
- الرقية المباشرة: بأن يضع الراقي يده على الموضع الذي يُعاني منه المُرقي - المريض - ثم يقرأ آيات وأحاديث الرقية، ويجوز أن يقرأ المريض على نفسه بنفسه، أو أن يرقيه غيره من أهل الصلاح والتقى، وكلّما ازدادت درجة القربى من المرقي كان ذلك أفضل، وأقرب في تحقيق الغاية من الرقية.
- الرقية باستخدام الماء والزيت: تكون بأن يقرأ الراقي ما ورد من الرقية الشرعية كالقرآن أو الأدعية المأثورة على كأسٍ فيه ماء، ثم يستعيذ ويتلو ما يشاء من أحاديث الرقية، ثم يَنفث في الماء ويَسقيه للمريض، أو يكتب ما أراد من القرآن وآيات وأدعية الرقية المذكورة على ورقٍ خاص يُمكن الانتفاع بمائه، ثمّ يضعه في الماء ويسقيه للمريض.
- الرقية بتعليق آيات الرقية على المريض: فيكتب الراقي ما يشاء من القرآن الكريم وأدعية وأحاديث الرقية الخاصّة على لوحٍ أو ورقةٍ أو ما شابه ذلك ممّا يُمكن الانتفاع به، ثمّ يُجعل في شيءٍ كخيط، ثم تُعلّق على رقبة المريض أو أيّ موضع من جسده شريطة أن لا يكون في ذلك تقليل من شأن آيات الله.
شروط الرقية الشرعيّة
إذا لجأ المسلم إلى الرقية لطلب الشفاء لا بُدّ من توافر بعض الشروط في الرقية، وهذه الشروط هي:[5][6]
- أن تكون الرقية بالآيات القرآنية التي صحَّ طلب الاستشفاء والاسترقاء بها، أو بالأحاديث الواردة في الرقية والتي تكون درجتها ممّا يَصح الأخذ به أو الأدعية والآثار الصحيحة الواردة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في طلب الرقية.
- أن تكون الرقية باللغة العربيّة، أو بما يُفهم للمرقي معناه؛ بحيث لا يلتبس عليه الأمر، ولا يجوز ولا يصحّ بل يحرم أن تكون الرقية برموزٍ أو لغات أو طلاسم غير مفهومة، ويُعدّ ذلك من الشركيات المَنهي عنها، فربّما كان في شيءٍ منها التجاءٌ بالجن والشياطين، أو أن يكون فيها شيءٌ من السحر والكهانة والشعوذة.
- أن يعتقد الراقي والمرقي أنّ الرقية لا تؤثّر في شفاء وبرء المريض بذاتها، وأن يعتقد الاثنان يقيناً أنها ليست هي السبيل للشفاء فحسب، بل إنّ الشفاء يكون بتقدير الله سبحانه تعالى ومشيئته وإرادته.
الأدعية الواردة في السنة لقولها أثناء الرقية
وردت الكثيرُ من الأدعية والأذكار في السنة النبويّة التي تحثّ على الرقية وتؤكّدها، وتدعو أيضاً لطلب الاستشفاء بها بعد التوكّل على الله، ومن تلك الأحاديث والأدعية الآتي:
- أن يقول الراقي أو المرقي: (أعُوذُ بكلماتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتي لا يُجاوِزُهنَّ بَرٌّ ولا فاجرٌ مِن شرِّ ما ينزِلُ مِن السَّماءِ وما يعرُجُ فيها ومِن شرِّ فِتَنِ اللَّيلِ والنَّهارِ ومِن كلِّ طارقٍ إلَّا طارقٌ يطرُقُ بخيرٍ يا رحمنُ).[7]
- أن يقول: (تحصَّنتُ بالذي لا إلهَ إلَّا هو إلهي وإلهُ كلِّ شيءٍ واعتصمتُ بربِّي وبربِّ كلِّ شيءٍ وتوكلتُ على الحيِّ الذي لا يموتُ واستدفعتُ الشرَّ بلا حولَ ولا قوةَ إلَّا باللهِ، حسبيَ اللهُ ونعمَ الوكيلُ، حسبيَ الربُّ من العبادِ، حسبيَ الخالقُ من المخلوقِ، حسبيَ الرزاقُ من المرزوقِ، حسبيَ الذي هو حسبي، حسبيَ الذي بيدهِ ملكوتُ كلِّ شيءٍ، وهو يجيرُ ولا يجارُ عليه، حسبيَ اللهُ وكفَى، سمِع اللهُ لمن دعا، ليس وراءَ اللهِ مَرمَى، حسبيَ اللهُ لا إلهَ إلَّا هو عليه توكلتُ وهو ربُّ العرشِ العظيمِ).[8]
- أن يقول: (بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك باسم الله أرقيك).[9]
- أن يقول: (أسأل الله العظيم ربّ العرش العظيم أن يشفيك).[10]
- أن يقول: (اللهمّ رب الناس مذهب البأس اشفِ أنت الشافي لا شافيَ إلا أنت اشفه شفاءً لا يُغادر سقماً).[11]
- أن يقول: (اللهمّ أنت ربّي لا إله إلا أنت أعوذ بك من كل شيء أنت آخذ بناصيته).[12]
- أن يقول: (بِاسْمِ الله تُرْبَةُ أَرْضِنَا، وَرِيقَةُ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بِإذْنِ رَبِّنَا).[13]
المراجع
- ^ أ ب ت أبو الطيب محمد صديق خان بن حسن بن علي بن لطف الله الحسيني البخاري القِنَّوجي (2003)، الروضة الندية (الطبعة الأولى)، الرياض: دَارُ ابن القيِّم للنشر والتوزيع، صفحة 158-159، جزء 3. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2276.
- ↑ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، "الرقية الشرعية والحجامة المشروعة"، مجلة البحوث الإسلامية، المجلد 59، صفحة 97.
- ↑ الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، "الرقية بالقرآن وبالأذكار"، مجلة البحوث الإسلامية، المجلد 27، صفحة 62. بتصرّف.
- ↑ "الرقية الشرعية"، إسلام ويب، 9/2/2004، اطّلع عليه بتاريخ 26/12/2016. بتصرّف.
- ↑ سيد سابق (1977)، فقه السنة (الطبعة الثالثة)، بيروت: دار الكتاب العربي، صفحة 494.
- ↑ رواه الطبراني، في المعجم الأوسط، عن خالد بن الوليد، الصفحة أو الرقم: 5/315، إسناده حسن.
- ↑ رواه الفيروزآبادي، في سفر السعادة، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 310، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم: 2186.
- ↑ رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم: 4/13، إسناده صحيح.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3890.
- ↑ رواه ابن خزيمة، في التوحيد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 267/1، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، الصفحة أو الرقم: 5746، متفقٌ عليه.