كيف يكون حب الرسول
حب الرسول
بلّغ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- رسالة رب العالمين كاملةً دون زيادةٍ أو نقصانٍ، فقد تحلّى بمكارم الأخلاق وأرفعها، قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)،[1] فأَسَرَ الرسول القلوب حبّاً، وأرشد العباد إلى عبادة الله وحده دون الإشراك به.[2]
تعريف محبة الرسول
يقصد بمحبة الرسول ميل قلب المؤمن إليه ميلاً يتحقّق فيه إيثار حبّه على كلّ ما سواه، بل إيثار حبّه على حب النفس، ممّا يدفع المسلم لجعل همه وفكره منشغلان بما يُرضي الله ورسوله من أقوالٍ وأفعالٍ، لذلك كانت محبة الرسول من أَجَلِّ وأرفع أعمال القلوب، وأصلٌ عظيمٌ يتوقف على وجوده كمال الإيمان.[3]
حكم محبة الرسول
تجب محبّة محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- على كلّ مسلمٍ،[4] وقد وردت في القرآن الكريم والسنة النبوية العديد من النصوص التي تدلّ على وجوب محبة النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، يُذكر منها:[5]
- قال الله تعالى: (قُل إِن كانَ آباؤُكُم وَأَبناؤُكُم وَإِخوانُكُم وَأَزواجُكُم وَعَشيرَتُكُم وَأَموالٌ اقتَرَفتُموها وَتِجارَةٌ تَخشَونَ كَسادَها وَمَساكِنُ تَرضَونَها أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّـهِ وَرَسولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصوا حَتّى يَأتِيَ اللَّـهُ بِأَمرِهِ وَاللَّـهُ لا يَهدِي القَومَ الفاسِقينَ)،[6] فالله -تعالى- لا يتوعّد إلّا على ترك واجبٍ أو ارتكاب محرّمٍ، ممّا يدلّ على أنّ حب الله ورسوله يجب أن يكون مستعلياً في قلب كلّ مسلمٍ.
- قال الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ)،[7] والمقصود من الآية أن يكون النبي أحبّ إلى المؤمنين من أنفسهم، مع تقَديم أوامره على رغبات النفس وأهوائها، مع كمال الانقياد والطاعة والتسليم والخضوع.
- قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ)،[8] أي أنّ الإيمان الكامل للعبد متوقفٌ على رجحان محبة الرسول في قلبه على كل من سواه.
- روى الإمام البخاري في صحيحه عن عبد الله بن هشام قال: (كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شيءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ)،[9] فمحبة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- للنبي مقدمةٌ على رغبات وشهوات وأهواء نفسه.
مظاهر حب رسول الله
هناك العديد من أشكال ومظاهر حب الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، وفيما يأتي بيانها بشيءٍ من التفصيل.
طاعته واتّباعه
يُقصد بطاعة الرسول فعل المسلم لكلّ ما أمر به الرسول وترك كلّ ما نهى عنه، وذلك إن كان أمره يفيد الوجوب ونهيه يفيد التحريم، سواءً كان ذلك في القول أو العمل أو الاعتقاد، ولكن إن كان الأمر يدلّ على الندب والنهي يدلّ على التنزيه فلا يترتب أي إثمٍ أو حرجٍ في الفعل أو الترك.[10]
نصّت العديد من آيات القرآن الكريم على وجوب طاعة الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، يُذكر منها:[11]
- قال تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّـهِ وَرُسُلِهِ)،[12] فقد ورد الأمر من الله -تعالى- بالإيمان برسله، وتجدر الإشارة إلى أنّ الإيمان بالرسل يستلزم تصديقَهم والإيمان بكلّ ما يبلّغوه عن الله، مع الحرص على طاعتهم واتّباعهم وتنفيذ أوامرهم، والنبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- واحدٌ من الرسل؛ ممّا يعني أنّه داخلٌ في مضمون الحكم العام بوجوب الإيمان بالرسل ممّا يستلزم على كل مسلمٍ طاعته.
- قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ)،[13] فالله -تعالى- اختصّ نبيّه محمداً -عليه الصلاة والسلام- بالتأكيد على وجوب طاعته؛ فرسالته آخر الرسالات، ممّا يدلّ على كمال حكمة الله -تعالى-.
- قال تعالى: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ)،[14] وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)،[15] فقد اقترن الأمر بطاعة الله بالأمر بطاعة رسول الله في الآية الأولى؛ ممّا يدلّ على الجمع بين الطاعتين، أمّا الآية الثانية فأكّدت على عموم الطاعة للنبي في كلّ ما يأمر به، ومن الجدير بالذكر أنّ طاعة الرسول -عليه الصلاة والسلام- وجبت على المسلمين في حياته وبعد وفاته؛ إذ إنّ النصوص التي أوجبت طاعته جاءت عامّةً لم تُقَيّد بأي زمنٍ.
هناك العديد من المظاهر التي تدلّ على طاعة المسلم للرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، يُذكر منها:[10]
- الاهتداء بهديه والحرص على القيام بسنته، ومن سننه: صلاة الوتر، وصلاة الضحى، والسنن الرواتب، وغيرها.
- السعي في كسب وطلب الحلال في سائر الأمور والشؤون.
- الحرص على مساعدة الفقراء والمساكين والإحسان إليهم.
أمر الله -تعالى- بطاعة أنبيائه ورسله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّـهِ)؛[16] إذ إنّهم معصومون من عنده،[17] وتجدر الإشارة إلى أنّ الغاية التي من أجلها أرسل الله الرسل تتمثّل في الطاعة، وتأكّدت طاعة الرسول محمدٍ -عليه الصلاة والسلام-لأنّ رسالته كانت خاتمة الرسالات،[18] وتكمُن أهمية طاعته في عدة أمورٍ، يُذكر منها أنّ طاعته:[17]
- علامةٌ على محبة العبد لله -تعالى-، حيث قال سبحانه: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّـهَ فَاتَّبِعُونِي).[19]
- سببٌ في نيل الأمان من عذاب الله، فقد حذّر الله -تعالى- من مخالفة أمر رسوله بقوله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)،[20] فلا يمكن تقديم أي قولٍ غير قول الله -تعالى- على قول الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
- مرتبطةٌ بطاعة الله -تعالى-، فطاعة الرسول في الحقيقة طاعةٌ لله -تعالى-، قال سبحانه: (مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ)،[21] ذلك أنّ أوامر الرسول ونواهيه من عند الله، لقوله سبحانه: (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى*إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى).[22]
تعظيمه وتوقيره
يُقصد بتعظيم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- اعتقاد المسلم بأنّ سنّته خير السنن فيحبّه ويتّبعه حقاً في الظاهر والباطن، مع الحرص على عدم تجاوز حدود الله أو الغلوّ أو التقصير،[23] وهناك العديد من دلائل توقير النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، منها: الصلاة عليه، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)،[24] والأمر بالصلاة عليه يقتضي الوجوب؛ لذا قال النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (رغِمَ أنْفُ رجلٍ ذكِرْتَ عندهُ فلم يُصِلّ عليّ).[25][26]
نصرته والدفاع عن سنته
إن من أوضح الأدلة التي تبيّن صدق محبة المسلم للرسول نصرته والدفاع عن سنته، قال الله تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)،[27] والقدوة في ذلك الصحابة -رضي الله عنهم- الذين قدّموا وبذلوا أعظم الأعمال الصادقة الدالّة على حبهم وإيثارهم له على أنفسهم وأموالهم وأولادهم للدفاع عنه وعن سنّته.[26]
من فضل الله -تعالى- وكرمه على نبيِّه أنّه تكفّل ابتداءً بالدفاع عنه وتأييده والوقوف معه، قال سبحانه: (إِنّا كَفَيناكَ المُستَهزِئينَ)،[28] كما أنّ الله ردّ كلّ الادّعاءات الباطلة حول النبي من اتّهامه بالجنون، فقال: (وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ)،[29] ومن اتّهامه بالسحر، فقال: (إِذ يَقولُ الظّالِمونَ إِن تَتَّبِعونَ إِلّا رَجُلًا مَسحورًا)،[30] وقد توعّد -سبحانه- المستهزئين والمسيئين للرسول بقوله: (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَر)،[31] لذا فمن الواجب على المسلم الدفاع عن النبي، مع الحرص على التحلّي بالأخلاق التي حثّ عليها، مع الدفاع عنه وردّ أي شبهةٍ قد تتعرّض له.[32]
يمكن للمسلم الدفاع عن رسول الله ونصرته وردّ الشبهات عن سنّته بالعديد من الوسائل، يُذكر منها:[33]
- التمسّك بما ورد عنه، ودراسة سنته والالتزام بها.
- إيثار محبته على محبة النفس والولد والأهل والمال.
- تعظيم سنة النبي -صلّى الله عليه وسلّم-، والدفاع عنها بحفظها وحمايتها من التحريف وردِّ شبهات الكاذبين الطاعنين فيها.[26]
- السعي في إظهار الصورة الحسنة للنبي -صلّى الله عليه وسلّم- وللإسلام بردّ الشبهات الباطلة الموجّهة إليهما.[32]
الاقتداء به
قال الله -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا)،[1] فقد أمر الله المسلمين بالاقتداء بالنبي، وجعل ذلك سبباً للهداية، فقال: (قُلْ أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا)،[34] فإن اقتدى المسلم برسوله نال الاستقامة على طريق الهدى والحق، والثبات على أوامر الإسلام.[35]
هناك الكثير من صور الاقتداء بالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في عبادته، يُذكر منها:[36]
- المداومة على ذكر الله -تعالى- والإكثار منه، فكان الرسول من أكثر الناس ذكراً لله، وكان يحثّ عليه ويرغّب به أيضاً، قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ).[37]
- قيام الليل، فكان النبي حريصاً على عبادة الله -تعالى- ليلاً، وفي ذلك رُوي عن عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أرَادَ أنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ).[38]
- شجاعته، فكان النبي أشجع الناس قلباً، وكان المسلمون في المعركة يحتمون به، ولم يرد أنّه تأخّر عن قتالٍ أو فرّ منه.
إن من صور الاقتداء بالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- في أخلاقه ما يأتي:[36]
- صدقه؛ فلم يرد أنّ الرسول كذب في حياته أبداً، سواءً كان جادّاً أم مازحاً، قال الله -تعالى- واصفاً إياه: (وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ).[39]
- صبره؛ فقد صبر الرسول على اليتم والفقر، وعلى البُعد عن الأهل والوطن، وعلى الكثير من المصائب والمصاعب التي مرّ بها، فكان صابراً محتسباً، قال الله: (وَاصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا بِاللَّـهِ وَلا تَحزَن عَلَيهِم وَلا تَكُ في ضَيقٍ مِمّا يَمكُرونَ).[40]
- جوده وكرمه؛ فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- كريماً جواداً دون الخوف من الفقر أو ضيق العيش، قال -عليه الصلاة والسلام-: (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ).[41]
حب أصحابه وآل بيته
شرّف الله -سبحانه- الصحابة بصحبتهم للنبي والدفاع عن الإسلام، وبذلوا في سبيل ذلك الغالي والنفيس، فكان حقّاً على المسلمين حبّهم وتعظيمهم وإكرامهم والاقتداء بهم،[42] مع عدم التحدّث فيما شجر بينهم من خلافاتٍ بالاعتقاد بأنّهم مجتهدون، إمّا أن يصيبوا أو يخطئوا، وتجدر الإشارة إلى أنّ ذلك لا يقتضي الغلوِّ في توقيرهم.[43]
وردت عدّة نصوصٍ تدلّ على وجوب حبّ الصحابة -رضي الله عنهم-، منها قول رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (آيَةُ الإيمانِ حُبُّ الأنْصارِ، وآيَةُ النِّفاقِ بُغْضُ الأنْصارِ)،[44] فمن كمال إيمان المسلم حبّه للأنصار؛ لوفائهم ونصرتهم لرسول الله وحُسْن جواره، ولا يلزم من ذلك ترجيحهم على المهاجرين من الصحابة الذين تركوا أوطانهم وأموالهم وأهليهم حبّاً به، بل لا بدّ من توقير الصحابة وحبّهم المهاجرين منهم والأنصار.[42]
محبّة آل البيت من محبّة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ومحبّة النبي من محبّة الله - تعالى-، وآل البيت هم: زوجات النبي، وآل علي بن أبي طالب، وآل جعفر بن أبي طالب، وآل العباس بن عبد المطلب، إضافةً إلى نسلهم جميعاً، ويمكن الاستدلال على مكانة آل بيت النبي بعدّة أدلةٍ، منها:[45]
- قال تعالى: (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى)،[46] فقد أكرم الله -تعالى- نبيِّه محمداً بمنح آل بيته مكانةً رفيعةً ومودتهم.
- قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)،[47] فقد طهّرهم الله من الصفات السيئة، وأنعم عليهم بصفات رسول الله.
وسائل التربية على حب الرسول
إن من فضل الله -تعالى- على الأمة الإسلامية أن جعل نبيّها محمداً أفضل الرسل وخاتمهم، كما جُعلت محبته عبادةً يتقرّب بها العبد إلى الله، لذلك كان لا بدّ من تنشئة النفس وتربيتها على حبّ الرسول بمختلف الوسائل، يُذكر منها:[48]
- معرفة قدر ومكانة النبي -صلّى الله عليه وسلّم- عند الله تعالى، فقد اصطفاه الله على سائر البشر، وزكّاه في كلّ شيءٍ.
- العلم بأنّ اتّباع سنّة النبي والاقتداء بهديه طريقاً من طرق دخول الجنة، واليقين بأنّ العبادة لا تُقبل إلّا إن وافقت ما ورد عن الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
- تذكّر رحمة الرسول ورأفته بأمّته والإحسان إليها، إضافةً إلى شفاعته العظمى يوم القيامة، فقال -عليه الصلاة والسلام-: (لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَةٌ يَدْعُو بها، وأُرِيدُ أنْ أخْتَبِئَ دَعْوَتي شَفاعَةً لِأُمَّتي في الآخِرَةِ).[49]
ثمار محبة الرسول
هناك العديد من الثمار التي يجنيها المسلم من محبته للرسول -صلّى الله عليه وسلّم-، يُذكر منها:[50]
- نيل الحياة الطيبة بتحقيق محبّة الله ورسوله في القلب، قال تعالى: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً).[51]
- الدعوة لدين الإسلام والحرص على نشره بين الناس.
- تحقيق الاستقامة والثبات على الدين، فاتّباع المسلم للرسول بقوله وعمله واعتقاده من لوازم محبة النبي.
- نيل القرب من النبي -صلّى الله عليه وسلّم- في الجنة،[4] فقد روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّه قال: (أنَّ رَجُلًا سَأَلَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَتَى السَّاعَةُ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: ما أعْدَدْتَ لَهَا قالَ: ما أعْدَدْتُ لَهَا مِن كَثِيرِ صَلَاةٍ ولَا صَوْمٍ ولَا صَدَقَةٍ، ولَكِنِّي أُحِبُّ اللَّهَ ورَسولَهُ، قالَ: أنْتَ مع مَن أحْبَبْتَ).[52]
المراجع
- ^ أ ب سورة الأحزاب، آية: 21.
- ↑ محمد جميل زينو (1418 هـ)، توجيهات إسلامية (الطبعة الأولى)، المملكة العربية السعودية: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، صفحة 88-89. بتصرّف.
- ↑ عبد الرؤوف عثمان (1414 هجري)، محبة الرسول بين الاتباع والابتداع (الطبعة الأولى)، الرياض: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 40-42. بتصرّف.
- ^ أ ب حسين بن قاسم القطيش، "محبة النبي -صلى الله عليه وسلم-"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 2-12-2019. بتصرّف.
- ↑ عبد الرؤوف عثمان (1414 هجري)، محبة الرسول بين الاتباع والابتداع (الطبعة الأولى)، الرياض: رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد، صفحة 41-48. بتصرّف.
- ↑ سورة التوبة، آية: 24.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 6.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 15، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن هشام، الصفحة أو الرقم: 6632، صحيح.
- ^ أ ب أبو بكر جابر الجزائري (1409هجري/1989م)، هذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يا محب (الطبعة الثالثة)، الرياض: دار الخاني، صفحة 562. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن هاشم، كتابة السنَّة النَّبويَّة في عهد النَّبي صلى الله عليه وسلم وأثرها في حفظ السنَّة النَّبويَّة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 9-14. بتصرّف.
- ↑ سورة النساء، آية: 171.
- ↑ سورة النساء، آية: 136.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 32.
- ↑ سورة النساء، آية: 59.
- ↑ سورة النساء، آية: 64.
- ^ أ ب محمد فقهاء (14-3-2012)، "في الأمر بطاعة النَّبي والتحذير من مخالفته"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-11-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد بن هشام، كتابة السنَّة النَّبويَّة في عهد النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم والصحابة أثرها في حفظ السنَّة النَّبويَّة، المدينة المنورة: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 11. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية: 31.
- ↑ سورة النور، آية: 63.
- ↑ سورة النساء، آية: 80.
- ↑ سورة النجم، آية: 3-4.
- ↑ محمد بن العثيمين، فتاوى نور على الدرب، صفحة 2، جزء 9. بتصرّف.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 56.
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 3545، حسن غريب.
- ^ أ ب ت أحمد الصويان، "دلائل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بين السنَّة والبدعة"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 17-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الحشر، آية: 8.
- ↑ سورة الحجر، آية: 95.
- ↑ سورة التكوير، آية: 22.
- ↑ سورة الإسراء، آية: 47.
- ↑ سورة الكوثر، آية: 3.
- ^ أ ب عبد الكريم الخصاونة (23-05-2010)، " الدفاع عن الرسول صلى الله عليه وسلم واجب شرعي"، www.aliftaa.jo، اطّلع عليه بتاريخ 21-11-2019. بتصرّف.
- ↑ أحمد الفرجابي (4-3-2008)، "وسائل نصرة النَّبي صلى الله عليه وسلم"، www.islamweb.net، اطّلع عليه بتاريخ 18-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النور، آية: 54.
- ↑ أبو بكر جابر الجزائري (1904 هجري/ 1989 م)، هذا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم يا محب (الطبعة الثالثة)، الرياض: دار الخاني، صفحة 564-565.
- ^ أ ب مثنى الزيدي (12-12-2011)، "كيف نقتدي بالنَّبي صلى الله عليه وسلم"، www.islamstory.com، اطّلع عليه بتاريخ 18-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي موسى الأشعري، الصفحة أو الرقم: 6407، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم: 4837، صحيح.
- ↑ سورة الزمر، آية: 33.
- ↑ سورة النحل، آية: 127.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6138، صحيح.
- ^ أ ب "المطلب الأول:وجوب محبتهم"، www.dorar.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
- ↑ عبد الرحيم السلمي، دراسة موضوعيَّة للحائية ولمعة الاعتقاد والواسطية، صفحة 1، جزء 17. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 3784، صحيح.
- ↑ عمر محمد (25-9-2010)، "فضل آل بيت النَّبي ومنزلة من أحبهم"، www.alukah.net، اطّلع عليه بتاريخ 19-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة الشورى، آية: 23.
- ↑ سورة الأحزاب، آية: 33.
- ↑ همام الحارثي (2-2-1434هجري)، "التربية على حب النبي صلى الله عليه وسلم"، www.saaid.net، اطّلع عليه بتاريخ 20-11-2019. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 6304، صحيح.
- ↑ "محبة النبي دوافع ومقتضيات"، www.alimam.ws، اطّلع عليه بتاريخ 20-11-2019. بتصرّف.
- ↑ سورة النحل، آية: 97.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم: 6171، صحيح.