كيف تحافظ على صحتك النفسية
مفهوم الصحة النفسية
الصحة النفسيّة لا تقل في أهميتها عن الصحة الجسدية، فظهور الأمراض الجسدية في جسم الإنسان يكون ناتجاً عن اختلالٍ حاصلٍ في وظائف الجسم المختلفة، أما الأمراض النفسية فوجودها ناتجٌ عن اختلال الصحة النفسية لدى الفرد، والصحة النفسية تُقاس بمدى تكيّف الفرد مع من حوله من أشخاص وظروف تُحيط به، فمن استطاع التكيّف مع البيئة المحيطة به بكل جوانبها، فهو إنسانٌ يتمتّعُ بقدرٍ كبيرٍ من الصحة النفسية.[1]
تعريف الصحة النفسية
هي الحالة التي يكون فيها متوافقاً نفسياً واجتماعياً وانفعالياً مع ذاته ومع الأفراد المحيطين به، فهو يشعر بالسعادة ويُمارسها مع الآخرين، ويكون مُستعدّاً لتحقيق ذاته وتطوير مهاراته واستغلال الإمكانيات التي يمتلكها لإحراز نجاحه الذي يرجوه، ويكون قادراً على مواجهة عقبات الحياة التي تعترضه، فهو ذو شخصية سوية هادئة متكاملة، أخلاقه حسنة ويظهر ذلك من خلال تواصله مع الآخرين، ويدل وجود الصحة النفسية على الحالة الإيجابية التي يتمتع بها الشخص، وصحة العقل، وحسن السلوك، وقد عرّفتها منظمة الصحة العالمية، فقالت أن الصحة النفسية لا تعني عدم وجود المرض فقط، وإنما هي حالةٌ تُصيب الفرد بحيث يظهر عليه الراحة النفسية والجسمية والاجتماعية.[2]
أهمية الصحة النفسية
وتكمن أهمية المحافظة على الحالة النفسية والبُعد عن الاضطرابات المتعددة أنّها ترتبط ارتباطاً قوياً بالصحة الجسدية؛ ذلك أنّ المرض النفسي والمرض الجسدي يتشاركان معاً، أو يتبع أحدهما الآخر، فهناك دراسات كما ذكرت منظمة الصحة العالمية تبيّن أنّ الاضطرابات النفسية تزيد من خطر إصابة الفرد بالأمراض البدنية العديدة، والعكس صحيح، وهي تُعرِّف الصحة على أنّها جزءٌ لا يتجزأ، فهي حالة من الكمال الجسدي، والنفسي، والاجتماعي، فمن أجل هذه الأمور، وتأثير الحالة النفسية على صحة جسد الإنسان كان لا بُدّ للإنسان من المحافظة على صحته النفسية، وتجنُّب الأمراض والاضطرابات التي تؤثر في صحته الجسدية.[3]
وسائل المحافظة على الصحة النفسية
ازدادت الأمراض النفسية في السنوات الأخيرة بشكلٍ ملحوظ، وأصبحت الأمراض السلوكية لدى الإنسان والحالات المرضية الجديدة -التي تتفاوت في درجاتها بين الشدة والتعقيد- مدار جدل علماء النفس، وعلماء الطب النفسي، وأصحاب الخدمات الإرشادية، حتى أنّ بعض الباحثين قد أطلق على هذا العصر بعصر القلق، فرغم تقدُّم الإنسان وازدهار الحضارة التي يعيشها إلا أنّها أصبحت مصدر قلقٍ له، تُشعره بالأسى والضياع، وتهدد ذات الشخص بالدمار والانهيار، والإصابة بالأمراضِ العديدة والمشكلات الكبيرة، ولذلك كان لابد للإنسان من أن يسعى جاهداً للبحث عن وسائل الراحة النفسية ليُحافظ على صحته النفسية، ويقيها من الإصابة بالأمراض النفسية والاضطرابات الشخصية، ولذلك كان لزاماً عليه اتّخاذ بعض الإجراءات والوسائل التي تُعينه في المحافظة على الصحة النفسية ومن هذه الوسائل:
- وَضْع البرنامج الوقائي الصحي، ويهدف هذا البرنامج لحماية النفس وهي في بداية نموها من أي تأثيرات خارجية أو انحرافات متعددة تكون لها الأثر الأكبر في الحالة النفسية للفرد، وتقوم التربية الوقائية على بناء شخصية قوية ذات طاقة كامنة يمكن استغلالها والاستفادة منها.[4]
- وضَعَ كل من ماسلو وتليمان بعضاً من الصفات التي يجب على الإنسان السّويّ الخالي من الاضطرابات النفسية أن يتّصف بها، فهي تُعتبر دافعاً قوياً للمحافظة على الصحة النفسية، وهذه الصفات هي:
- شعور الإنسان بدرجة مقبولة من الأمن والطمأنينة والاستقرار، فالخوف والقلق والتوتر علامات لحالةٍ نفسيةٍ مضطربةٍ تخلو من السكينة وتُعيق الفرد عن التقدم والإنتاج.
- فهم الذات؛ وذلك من خلال بيان نقاط الضعف ونقاط القوة في ذات الشخص، وتصحيح الخلل الحاصل فيها، ورفع مستوى المهارات والإمكانيات الشخصية.
- وضع أهداف واقعية في الحياة تحدّد المسار الذي يتبعه، والمنهج الذي يسلكه في طريق النجاح.
- أن يكون الإنسان على اتصال فعال بالواقع المحيط به.
- العمل على إيجاد وتكوين شخصية ثابتة متكاملة متزنة يظهر توافق الشخص فيها مع نفسه ومع الآخرين.
- الاستفادة من خبرات الآخرين وتجاربهم، وأخذ العبرة من المواقف التي مرت بهم.[5]
أقسام الصحة النفسية
يمكن تقسيم الصحة النفسية إلى قسمين:[2]
- القسم الأول: القسم النظري والعلمي، ويتناول هذا القسم شخصية الفرد والدوافع والحاجات لديه، والأمراض النفسية التي تُصيبه، وأسبابها وأعراضها، وطرق الدفاع النفسي، ويُعنى هذا القسم أيضاً بتثقيف الناس، وتصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم، والعمل على تدريب كادر مختصّ للقيام بالبحوث العلمية الهامة.
- القسم الثاني: القسم العملي التطبيقي، ويهتمّ هذا القسم بعملية الوقاية من الأمراض النفسية التي قد تصيب الإنسان، ويعمل أيضاً على تشخيص الأمراض وعلاقتها.
خصائص الشخصية المتمتعة بالصحة النفسية
للشخصية التي تتمتع بالصحة النفسية خصائص تميزها عن الشخصية المريضة، ومن أهم هذه الخصائص ما يلي:[6]
- الشعور بالسعادة مع الذات: فتظهر السعادة على الفرد والراحة النفسية، فهو يتمتّع بابتسامة مُشرِقة، يُقبل على الحياة بكل تفاؤل ونشاط، ويمارس جميع أنشطته اليومية بكامل سعادته، فهو إنسانٌ متسامحٌ مع ذاته، يُشبع رغباته وحاجاته النفسية بكل سعادة، ويشعر بالأمن والهدوء والسكينة، والثقة بالنفس، فهو إنسانٌ يحترم نفسه، ويُقدرها، فلا يُنقصها شيء من حاجاتها.
- الشعور بالسعادة مع الآخرين: ويظهر ذلك من حب الشخص للآخرين، وثقته بهم، واحترامهم، وظهور التسامح المتبادل معهم، فهو يعيش في حالةٍ من التكامل الاجتماعي، وتكوين صداقات اجتماعية عديدة، وينتمي لمجموعات ويؤدي ما عليه من واجبات تجاهها، فهو انسانٌ متفاعل اجتماعياً قادر على التضحية من أجل الآخرين وخدمتهم، وهو إنسانٌ يُقدّر معنى الاجتماع الأسري ويشعر بالسعادة فيه، يحترم الجو العائلي ويتحمل المسؤوليات الاجتماعية التي تقع عليه بصدرٍ رحب.
- التوافق: فدلالة ذلك في رضا الشخص عن نفسه وعن أدائه فهو متوافق مع نفسه متصالح معها، وهو متوافق مع أسرته وفي مدرسته وعمله وأينما ذهب.
- تحقيق الذات واستغلال القدرات: فمظاهر ذلك من خلال فهم النفس، وتقييم ما فيها من إمكانيات وقدرات ومهارات، وإعطاء النتائج الواقعية لذلك، ومحاولة رفع مستوى الضعف بزيادة المهارات، وبذل الجهد في تحقيق الأهداف التي وضعها لنفسه من أجل نجاح متميز، والعمل على توفير الكفاية والإنتاج، وبالتالي الشعور بالرضا والارتياح.
- مواجهة متطلبات الحياة: ويتحقّق ذلك من خلال نظرة الإنسان الصحيحة والموضوعية لمطالب الحياة، وما فيها من التزاماتٍ ومشكلاتٍ يومية، والعيش بواقعية ومرونة، وتوقُّع حدوث الأمور الطارئة، وبالتالي وجود القدرة على مواجهة هذه الأمور والتعامل معها بكل هدوء وإيجابية، وعدم الإحباط، وبذل الجهد لمواجهة المشكلات والتغلب عليه ومحاولة السيطرة على الظروف المحيطة به والتوافق معها، والاستفادة منها، ومن خبرات الآخرين، وأفكارهم التي قد تساعده، وتقدم له العون في مسيرة نجاحه.
- التكامل النفسي: ودلالة ذلك في الأداء الوظيفي الكامل الذي يظهر من خلال شخصية الفرد، وتناسقها عقلياً، وانفعالياً، واجتماعياً، وجسمياً، فهو بذلك يكون متمتعاً بصحةٍ جيدة، ومظهر نمو سليم.
- حسن الخُلُق: يظهر حسن خُلُق الإنسان في أفعاله وتصرفاته التي تنتج عنه، وتكون سبباً في إظهار ما لديه من خلقٍ رفيع، فهو يتمتع بابتسامةٍ وبشاشةٍ ترتسم على وجهه عند لقاء الآخرين، ويبذل جهده في مساعدة الآخرين ومدّ يد العون لهم، وكف الأذى عنهم، فهو ليّن القول، كريم، حسن الجوار، بارٌ بوالديه، يُحب الصلاح، وقول الصدق، فيه الصبر والرضا بما قضى الله سبحانه وقدّر، وفيه الحلم، والوقار هو ما يتّصف به.
- العيش بسلامة وسلام: وهذه الخاصية أو الصفة تجمع ما سبق من خصائص للشخصية المتمتعة بالصحة النفسية، فهو ذو صحة نفسية سليمة وصحة جسدية واجتماعية كذلك، ويعيش حالةً من الأمن الداخلي والخارجي، مقبلٌ على الحياةِ بكل تفاؤلٍ وسعادة، خطواته مدروسةٌ، يسير وفق منهجٍ وتخطيطٍ دقيقٍ لمستقبله، واثق بنفسه، ولديه أمل بنجاحهِ في حياته.
المراجع
- ↑ محمد جودت ناصر (2006م)، "الأمراض النفسية وأثرها على السلوك الوظيفي"، العلوم الإنسانية، العدد العاشر، صفحة 6 . بتصرّف.
- ^ أ ب حامد عبد السلام زهران (2005م)، الصحة النفسية والعلاج النفسي (الطبعة الرابعة)، مصر: الشركة الدولية للطباعة، صفحة 10، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ منظمة الصحة العالمية (2005م)، الوقاية من الاضطرابات النفسية (الطبعة الأولى)، القاهرة: قسم الصحة النفسية، صفحة 19، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ يوسف مدن (2006م)، العلاج النفسي (الطبعة الأولى)، بيروت: دار الهادي، صفحة 24 - 26، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ محمد جودت ناصر (2006م)، "الأمراض النفسية وأثرها على السلوك الوظيفي"، العلوم الإنسانية، العدد العاشر، صفحة 7. بتصرّف.
- ↑ حامد عبد السلام زهران (2005م)، الصحة النفسية والعلاج النفسي (الطبعة الرابعة)، مصر: الشركة الدولية للطباعة، صفحة 13 - 15، جزء 1. بتصرّف.