لحافظ القرآن فضلٌ عظيمٌ عند الله عزّ وجلّ، حيث يأتي شفيعاً له يوم القيامة وينجيه من النار، ويُعلي منزلته في الدنيا والآخرة، فضلاً عن أنّ الحافظَ يعدّ من أهل الله وخاصّته.
بسبب هذه الفضائل يسعى كثير من المسلمين لحفظه ويبذلون أقصى الجهود لبلوغ هذه المنزلة، لكنّهم يجدون مشقّةً في تثبيته ويتعرّضون كثيراً لنسيانه، فتفتر نفوسهم عن المتابعة ويعتقدون أنّ الحفظ أمرٌ مستحيل. ومن الجدير بالذكر أنّ ثمّةَ وسائل تعين على حفظ القرآن الكريم.
من أراد سهولة الحفظ وعدم النسيان عليه أن يركّز على هذه النقطة ذات الأهمّيّة البالغة، فيجب على المسلم أن يبتغي بحفظ القرآن وجه الله تعالى وأن يسعى إلى إرضائه والتّقرّب منه والوصول إلى أعلى الدرجات في الجنان، لا أن يطلب بحفظه مالاً أو سمعةً وجاهاً وشهرةً.
الإخلاص لله عزّ وجلّ ييسّر أمر الحافظ في حفظه ويبقيه ثابتاً لا يُنسى، ودون نيّة صادقة يتفلّت ويتعسّر، بل ويَتعب صاحبه دون أن يحصل على الأجر من الله؛ لأنّه ابتغى بحفظه أمراً دنيوياً.
القرآن الكريم يرفع درجة صاحبه ويشفع له يوم القيامة ويكسبه الكثير من الحسنات وغير ذلك من الثمار العظيمة، فإذا ما عرف الحافظ ذلك بقيت همّته عاليةً على الدوام، وكلّما أراد الشيطان تثبيطه تذكّرَ رضا الله تعالى والأجر العظيم الذي سيناله، فيعود ليُثابر وينسى التعب والجهد في سبيل نيل هذا المراد.
لا بدّ من التّضحية والاستغناء عن بعض المشاغل والأمور التي لا ضرورة لها في سبيل تحقيق هذه الغاية العظيمة، فيكرّس الطالب يومياً وقتاً محدّداً يُلزِم به نفسه ليحافظ على الحفظ اليومي، وأفضل الأوقات هو وقت الفجر، ففيه خير وبركة، وإن لم يستطع فليتّخذ وقتاً آخر تتوفّر فيه بيئة هادئة تعينه على التّركيز.
يساعد الفهم على وضوح الصورة لدى الحافظ ويسهّل كثيراً عمليّة الحفظ، حيث يعمل من خلال فهمه على ربط الآية بالتي تليها ليسهل عليه تذكّرها أثناء المراجعة.
الذنوب تحول بين العبد وبين الطاعة، فلا بدّ من الاستعانة بالله والعزم على هجر ما يغضبه كي لا يصعب الحفظ أو يزداد التّفلّت، وكلّما وجد الحافظ صعوبةً وتعسُّراً فليبحث عن ذنبه وليلزم الاستغفار كي يعينه الله تعالى على الحفظ.
كي يكون مكان الآيات ثابتاً في الصفحة، خاصةً في أولها وآخرها، فإن عدّد الطالب نُسخ المصاحف في الحفظ، ربّما تمرّ عليه آية في آخر الصفحة من هذا المصحف فيجدها في أوّل الصفحة من المصحف الآخر، وذلك يسبّب النسيان.
ذلك يساعد الطالب على اتباع طريقة منهجيّة في الحفظ والالتزام بها، كما يستفيد من الشيخ في التفسير وفهم المعنى، كذلك التحفيز على الاستمرار والمواظبة، فإن لم يجد شيخاً، فليستمع إلى السورة التي سيحفظها من أحد القرّاء، لأن الاستماع يساعد على الحفظ، كما تتّضحّ لديه الكلمات التي ربّما يقرؤها بشكل غير صحيح.
المراجعة وكثرة التّكرار من أهمّ الوسائل التي تسهّل الحفظ وتمنع النسيان، وقدّ حثّ النبيّ الكريم صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال: "تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمّدٍ بيده لهوَ أشدُّ تفلّتاً من الإبل في عقلها".